كنت في ركن المقهى
القصي .. في برجي المعزول .. بعيدا عن ضوضائهم وضوضاء عالمهم الذي طفحت كرته
المجنونة بجثث شهداء الباطل والنميمة وفيالق من أكلة لحوم الأموات النيئة بسكاكين
وشوكات
الغدر...
حياني النادل كعادته
من بعيد .. بالكاد إستطعت أن أتبين تلويحة يده وسط غيمة بخار ماكينة التعصير.. وحييته
بابتسامة لعله رآها أو لم يرها وهو وسط غيمته في البعيد.
دفنت رأسي في رمل جريدة
الصباح حتى أتلافى فرجة التراجيديا العربية على قناة فضائية تشبه قسم المستعجلات
.. هي نفس الأخبار الموضبة بمزاج حفدة هيتشكوك ..أولئك الساديين الذين لايغمض لهم
جفن حتى يغمسوا تاريخنا وتاريخهم في دويات الدم ...
ــ أووف .. قتل في
كل مكان .. في التلفاز.. في الراديو.. في الجرائد .. في الشارع لأتفه الأسباب ..
قتل (بلوكاج) أيضا في الفيسبوك ..إلخ
وضع النادل فنجان
الشاي الطويل (شبري) أقصد كأسا في قامة شبر يد واقف .. ثمة في الأعماق أوراق نعناع
وشيبة وسالمية ولويزة عائمة في ماء زعفراني يشبه لون مشروب روحي لم أعد أذكر إسمه
... كأسي هاته وعطرها العشبي الأطلسي وماؤها الزعفراني أنسياني عناوين الرعب التي كانت
تجلدني وتحرق جسدي في كل جانب من تضاريسه الخلاسية .
رأيت النادل يخرج
من أبخرة الماكينة وبيده مقصا صغيرا . وبخطى حثيثة وصموتة دلف إلى الحديقة .. ياه
.. ياه .. النادل تاه في الحديقة .. إنه من دون شك كان يبحث عن شيء ثمين .. شرعت
عيناي تمارسان عادة النميمة تحت سقيفة جبهتي .. أشعر أن الحول الذي أصاب عيناي ليس
إلا نتيجة هذا الحوار الهامس بينهما .. ما يعني أيها القارئ الكريم أن للعيون آذان
تسترق بهما السمع .. العيون تسمع إذن ، فهل ياترى للآذان عيون أيضا ؟ أليس كذلك
ياسالفادور دالي .. ؟
نهرت عيناي بسرعة فاستقامتا
وعادت كل واحدة منهما إلى نافذتها المطلة على شارع حياتي الخاصة.. ثم دفنت رأسي من
جديد في رمل الجريدة .. وفي لحظة رفعت رأسي لأتفقد مرة أخرى تيه النادل في الحديقة
فرأيته قادما وبيده وردة بيضاء .. جميلة .. تقدم نحوي .. قدمها لي بلطف وقال لي مبتسما
: إليك أهدي هذه الوردة البيضاء بياض الورق .. ضعها أينما شئت .. في جيب معطفك أو
في كأس مكتبك.. إغرسها في خصلة زوجتك أو في ضفيرة خليلتك .. ضعها أينما شئت لكن
رجاءا لا تغرسها في قصيدة حتى لا يطعنها ناقد بسيف قلمه أو يعدمها رئيس عربي
برصاصة قانونه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق