الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، فبراير 21، 2019

عالم يفكر بقدميه لا برأسه : عبده حقي


إنها الحقيقة .. كل الحقيقة .. عالمنا هو في النهاية يوميات من اللامعقول وكوكب يتدحرج إلى المجهول .. لماذا ؟ لأنه بكل بساطة تحكم قاراته الخمس أو الست حفنة من الأثرياء يخالون أنهم متحلقون في قبو كازينو حول مائدة القمار يراهنون بمستقبل الإنسانية .. يقهقهون ويدخنون .. ويشمون النشاق الأبيض .. بينما هم في حقيقة الوعي بالأمر يحكمون متحلقين حول مائدة كوكب الأرض التي يقطنها أزيد من ستة ملايير من البشر لاحول ولا قوة لهم أمام حماقات هؤلاء قادة العالم .
قرأت بالأمس خبرا مفاده أن لاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو رولاندو على وشك تدشين فندق مصنف من أرقى الفنادق بمدينة مراكش . وفي نفس الليلة كذلك شاهدت مباراة في كرة القدم بين فريق يوفينتوس الإيطالي الذي يضم من بين لاعبيه النجم العالمي كريستيانو رولاندو وفريق أتلاتيكو مادريد .
وشرعت من باب الفضول أبحث في منطق العلاقة بين فندق من طراز عشرة نجوم وبين مستثمر شاب لم يتجاوز عقده الثالث يراكم ثروته الهائلة ليس بيديه بل بقدمين كل شغلهما أن تقذفان الكرة نحو شباك الفريق الغريم لتسجيل الأهداف .
قدمان مرصعتان بالماس تظلان تركضان على العشب تلاحقهما دعوات الملايين من عشاق يوفينتوس ألا يمسهما ضر ومن جهة ثانية تلاحقهما في المعسكر الآخر دعوات الخصوم ليصابا بألم مبرح قد يريح شباكهم من قذفاتهما المدفعية الصائبة.
إنها لعبة كرة القدم التي شغلت السياسة والاقتصاد والإعلام وفرقت بين الشعوب ووحدت القلوب وأدمعت العيون من الفرح تارة وأخرى من الهزيمة .. و تغولت بجنونها في حركية الاقتصاد والسياحة حتى صار في إسبانيا عاصمتان اخترعهما رأس كرة القدم هما عاصمة مدريد وعاصمة برشلونة ..
وهاهي الكرة تحقق ما لم تستطع أن تحققه السياسة حين نرى أن وحدة المملكة الإسبانية اليوم رهينة ببقاء غريما بطولة الليغا البارصا والريال في معاركهما الأزلية بين كر وفر لاختطاف كأس الملك أو اقتناص قمة البطولة في قمة عملية إلهاء في التاريخ .. .
وهاهي كذلك البرازيل صارت من الدول المتقدمة الناشئة تحتل مكانتها في مجموعة العشرين الاقتصادية وما كانت لتحقق طفرتها هاته لولا صيتها الكروي العالمي الذي شجع المستثمرين على المغامرة برؤوس أموالهم في بلد لم تكن لديه من مؤهلات اقتصادية غير سحر كرة القدم منذ خمسينات القرن الماضي التي عرفت تألق اللاعب بيليه وغارينشا وغيرهما .
وهاهي كذلك دولة قطر الشقيقة ترتقي إلى مصاف الدول المتقدمة باستثماراتها الهائلة في كرة القدم بعد أن أطلقت باقة قنوات (بينسبورت) العالمية التي استحوذت على بث مباريات أعرق العصب والبطولات في أوروبا وإفريقيا والعالم العربي ... كما استقطبت عديدا من نجوم الكرة العالميين للعب في بطولتها المحلية وأخيرا إنجازها الباهر في إحراز تنظيم أهم تظاهرة رياضية كروية في العالم ويتعلق الأمر بكأس العالم لسنة 2022 .
وفي المغرب لا جدال في أن كرة القدم قد أسهمت كثيرا في التعريف ببلادنا منذ انتصار المنتخب الوطني بقيادة العميد باموس في الشوط الأول على منتخب ألمانيا ضمن فعاليات كأس العالم ميكسيكو 1970 ثم بعد ذلك تأهل الفريق الوطني إلى الدور الثاني بقيادة الحارس بادو الزاكي في ميكسيكو 1986 ليكون المغرب أول بلد عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز مما شجع الملك الراحل الحسن الثاني على تحفيز المسؤولين الرياضيين لتقديم ملف ترشح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم بالرغم من أنه لم يكن يتوفر على الحد الأدنى من بنية رياضية قادرة على منافسة الدول الأوروبية والغربية بشكل عام .
ومنذ ثلاثة عقود والمغرب مايزال يكرر محاولاتهم بالرغم من الكولسات الخبيثة التي فضحتها بعض التقارير حول رائحة رشا بالملايير استفاد منها رئيس الفيفا الأسبق جوزيف بلاتير وعرابه ميشيل بلاتيني وغيرهما من سماسرة كرة القدم .
كل هذا وغيره فعلته كرة القدم في سيكولوجيتنا الجماعية لكي نفرح بعد أن صار للكرة أعيادها الخاصة ونبكي بعد أن صار لها أيضا أحزانها الخاصة .. كل هذا فعلته كرة القدم لكي نشيد لها الملاعب بالملايير ونجوع ولكي نتعاقد مع مدربين بالملايير ونجوع ولكي ننتدب لاعبين بالملايير ونجوع ولكي نسافر من أجل فريقنا المفضل ونجوع ولكي نقتني تذكرة المباراة بأسعار باهضة ونجوع .

أليس من الأولى أيها الضمير الإنساني أن ننتصر على الفقر والجوع بدل أن نجند الطاقات والإمكانيات لننتصر في مباراة لاتسمن ولاتغني من جوع ؟ 


0 التعليقات: