الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أبريل 13، 2019

رواية " أوراق اللعب" للشاعر والكاتب المغربي حسن المددي تصدر عن المركز الثقافي للكتـاب.


صدرت رواية جديدة بعنوان" أوراقاللعب" للشاعر والكاتب المغربي حسن المددي عن "المركز الثقافي للكتـاب" الدار البيضاء – بيروت 2019. بحجم 344 صفحة من

القطع المتوسط. وتتناول رواية الجرائم الفظيعة التي ترتكبها الأنظمة العسكرية في رعاياها الأبرياء في العديد من البلدان وفي حق رعايا البلدان المجاورة لها والذين تختطفهم من ترابها الوطني.
لنقرأ هذا المقطع الصغير من رواية "أوراق اللعب" حتى نتلمس طريقا إلى أجوائها المفعمة بالأحداث المثيرة: أخرج العقيد آلة صغيرة تشبه قُمع الخياط من الجيب الصدري لسترته العسكرية، ووضعها أمامه، ثم أشعل سيجارة أخرى وشرع في التدخين ببطء وهدوء. وقبل أن أعرف ما سوف يفعل بي، غشيتني غمامة باردة، وخرجت من مجال الإحساس.. تركت جسدي وانسلخت منه روحاً مرهقة، ثم انهالت علي كل ذكريات الماضي... تتابعت أحداثها في مخيلتي منتظمة وواضحة... تداعت حرائق الأيام ورماد الليالي... كانت تبرق في لمحات سريعة.
انفتحت أبواب ذاكرتي تترى منها الذكريات شريطاً متصلاً... سنوات الثانوية والجامعة... يوم كنت مثل فراشة ملونة... كان طيف ليلى يتبدى لي كأنه يتهادى على بسط السحاب... استيقظت قصة الأمس أكثر عنفواناً، وتماوجت مع قصة اليوم التي ما زالت متواصلة، ولا أعلم لها نهاية وأنا في ربقة هذا المأزق الذي يسمى معتقلاً.
المعتقلات... ورود سوداء شائكة انبثقت في أذهان المجتمعات البدائية والمتحضرة على حد سواء... قطع مسيجة تخفي فيها وحشيتها المقيتة.
المعتقل... إنه قدري وقبري أيضاً، حيث سأتوارى عن الحياة مع كل ما عتّقته من أحزان في جبّ قلبي العميق.
ألهذا الحد كنت تعشق ولائم الحزن الباذخة يا عباس؟ أم وحدها نبوءة الاسم تكفي؟
أجل... هذا أنا، رجل تحاصره دائرة النار، ويطوقه سحاب الموت الذي قد يقصف في أي لحظة برعود العذاب وسياط الجحيم.

لكنني أيضاً رجل يرفض الاستسلام، ولا يرضخ لجلاديه بسهولة، وأكثر من ذلك.. أنا رجل يحلم، رجل يقاوم بالحلم. وما أحلى الأحلام حين ترفرف حول ذكراكِ يا ليلى.
أغمض عينيّ وأمضي إلى زمان مضى... أفتحهما... أجدني جالساً على كرسي حديدي بارد بإحدى حدائق مدينتي... عن يميني أجدكِ، بفستانكِ الأزرق الفاتن، كنا ما نزال نتململ داخل قفص الخجل، حاولتُ أن أقتلع بعض قضبانه بدعاباتي التي تصبغك بالارتباك... كان بيدي قلم أسود ودفتر يوميات، فسطّرتك حلماً.
وها أنا ذا اختبر التمدد الغريب للزمن منذ اللحظة التي غيبني فيها هذا المعتقل الرهيب عن أريج قربك، وها زخات الحنين المفاجئة قد انهالت على قلبي المرتعش كعصفور صغير سقط من عشه وتلقفته بركة آسنة وموحلة. سوف أغرق في مطر الحنين يا ليلى، و سوف أقطع فيافي الشوق وأيامها الخالية أعزل دونكِ.
أغمض عيني، أفتحهما ثانية، فأراكِ طيفاً حريرياً يبتسم بهدوء ويحوم في زوايا هذا القمقم اللعين حيث زجّ بي الجلادون... أسطِّرك هذه المرة ألماً... جرحاً نازفاً وشرخاً عميقاً على جدار الماضي.
قد لا تعلمين أن الكلمات تذوب كمدن السكر حين يفيض العشق، وأن الحروف تتطاير كالفراشات الجريحة حين تطلّين بهالة نوركِ. علميني إذن كيف ألملم مدن السكر... وكيف أجمع سحابات الفراشات المتناثرة حول ندى عينيك؟
أتذكر تسلّلكِ الهادئ إلى حياتي، يوم دفعتِ بأناملكِ الحذرة باب قلبي الموارب... تنهمر أمام عينيّ بداياتنا الخجلى، محادثاتنا الأولى التي تتعثر بالحياء، تتداعى أمام ناظريّ مناوشاتنا الصغيرة، أمنياتنا، ضحكاتنا، عنادنا الطفولي الجميل، وتسكعاتنا المسائية بين أشجار الزيتون ونحن نلتهم آمالنا المؤجلة بينما تلفّك شمس الأصيل بوشاحٍ من ذهب شعاعها.
ها قد انتهت قصتنا، وها هو ذا المعتقل المأفون يحكم قبضته عليّ، فقد ضرب لي القدر هنا موعداً متأخراً مع الألم  .


0 التعليقات: