الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأربعاء، يوليو 24، 2019

الأدب في عصر الفوتوغرافيا فيليب أورتيل ترجمة عبده حقي


يعد ظهور التصوير ب daguerreotype (الداجيريوتايب) سنة 1839 ــ وهو نوع اخترعه العالم الكيميائي الفرنسي لويس داجير عام 1839 بعد سنوات من البحث والتجارب ويستعمل في هذا
النوع من التصوير ألواح معدنية تعرض لبخار اليود ثم توضع هذه الألواح في الكاميرا للحصول على الصورــ ثم بعد الداجيريرتايب ظهور التصوير الفوتوغرافي فقد كان هذان الاختراعان حسب فيليب أورطيل بمثابة منعطف رئيسي في التاريخ المعاصر والذي لم يلتفت الباحثون إلى تأثيره الثقافي إلا في أواخر القرن العشرين . لقد شكل اختراع كل من نييبس Niépce  وداجير Daguerre علامة تاريخية وثقافية حديثة أثرت كثيرا في عديد من الرسامين والكتاب . دراسة آثار التصوير الفوتوغرافي على هؤلاء تم إهمالها وتغافلها منذ فترة طويلة وسمت بتهميش موضوع الأدب في عصر التصوير الفوتوغرافي . دراسة فيليب أورتيل (Philippe ORTEL) حول هذه الثورة الصامتة تسعى إذن لسد هذا الفراغ وملء هذه الفجوة . ولإنجاز ذلك رصد المؤلف هذه الظاهرة في القرن التاسع عشر ، بدءًا من 1820 عندما ازدهرت مع صور البانوراما إيستتيقا ما قبل التصوير "الرؤية vue" مع مارسيل بروست الذي تجاوز بإعماله عصره لكنه لعب دورًا انتقاليًا عندما دمج في عوالمه صورا جديدة شبيهة بالصور السينمائية  .
في مقدمة كتابه ، يتساءل المؤلف (Philippe ORTEL) عن طبيعة الاختراع الفوتوغرافي ويقترح الأسبابً التاريخية والثقافية التي أدت إلى هذا التجاهل القديم لتحليل العلاقة بين النص والصورة . إن التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر الذي تكاثر وانتشر على نطاق واسع قد فقد تدريجيًا وضعه كعلامة للانضمام إلى العالم الصامت للأشياء وأصبح شأنا مفيدًا ولكن بدون اعتراف على المستوى الجمالي . وبالرغم من حضوره المتعدد واللافت في كل مكان في الحياة اليومية ، فإنه لم يكن ينتمي إلى ما هو جميل (BEAU) . بالإضافة إلى هذه الأسباب هناك أيضا الصعوبات المنهجية : فالإقرار بأن النص يمنح "رؤية" وأن الصورة من جهتها تمنح "دلالة" فهذا قول اختزالي . الكاتب يلتف حول العقبة وذلك بوضع نفسه على مستوى فعل القراءة .
تعتبر قراءة نص عملية لتحويل العلامات المكتوبة إلى عالم ذهني حيث تجتمع الأفكار والصور بشكل متفاوت ، لذلك فإن الحديث عن التأثيرات البصرية في هذه الحالة ليس مجرد إثارة لمسألة استعارة فقط . أما بالنسبة للصورة ولفهمها يجب في نفس الوقت استبصارها بشكل عام ولكن أيضًا بتجزيء وحدتها . أخيرًا ، تلتقي النصوص والصور في مشاركتهما في تحقيق اللذات الجمالية ، والإخبارية ، إنهما تصنعان الحلم ، وتحافظان على الذكرى وتربطان ما بين عناصر الكائنات . يتعلق الأمر قبل كل شيء بسؤال محوري في هذا الكتاب هو (كيف فرض على الأعمال الأدبية في القرن التاسع عشر إعادة تعريف محتوياتها وقواعدها تحت ضغط الفوتوغرافيا ).
يرى فيليب أورتيل أنه من الضروري التذكير بالتغييرات التي يحدثها الفن الفوتوغرافي في أنماط إنتاج الصور ونشرها وتلقيها . إن آلية الفوتوغرافيا  تعدل قبل كل شيء وبشكل أعمق من "دور اليد في تنفيذ الصور وضبط الأجهزة الأولى تتيح فن الرؤية .
في مواجهة هذه الفجوة بين الحضور الفائق للفوتوغرافيا وتواري علامات تمظهرها في الأدب ، يحدد فيليب أورتيل ما سماه ب"نموذج غير معترف به" الذي سطر حدود معالمه . لقد صار التعريف ممكنا لأن فنون الغرافيا (La graphie) اضطرت إلى إعارة بعض قواعدها للفوتوغرافيا وبالتالي تحديد حقليهما الخاصين في صلب الإطار البصري المفروض عليهما ".
لا يحدد الكاتب فكرة النموذج حول مفهوم "الكود" البارتي ــ نسبة إلى رولان بارت ــ فحسب ، بل حول "مجموع الوسائل والإجراءات الفنية التي تشكل الممارسة الجاهزة للعب هذا الدور. إنه يأخذ في الاعتبار ثلاثة مستويات للتغيير ، وقبل كل شيء مشهد الإبداع (أو القول) الحاضر كثيرا في الأعمال الأدبية . ستكون مقارنة الممارسات هي الكشف عن ما يسمى بنظرية الحركة (باراكسيولوجيا) مشتركة للمصور الفاعل المجهز بالغرفة المظلمة (chambre noire) والكاتب كما هو وكما هي نشاطاته من خلال نصوصه . ثم إن تأطير الواقع يتطلب مستوى ثان . أخيرًا بما أن هذا التأطير مشروط بوسائط معرفية قادرة على ضبط الانتقاء ، يتم وضع المستوى الثالث حول المفسر "L'interpretant " الذي يشير إلى الوساطة بين الفنان والواقع . "رؤية الأشياء" بعين فوتوغرافية ستعني رصد المكونات القريبة من هذا الجهاز في العالم الخارجي لأن الطبيعة لا تفتقر إلى الصناديق السوداء مثل الكهوف والمغارات والمباني وعاكسات الضوء مثل البحيرات ، الأرضيات ، والأسوار والآثار والبصمات .
حول هذه المستويات الثلاثة - مشهد القول ، الإطار والتفسير – يدور محور كتاب  فيليب أورتيل . يرتبط مشهد الإبداع تحديدا بالمرحلة الرومانسية التي انشغلت بمكانة الفنان في العالم ؛ وتم قبل كل شيء إثارة مفهوم التأطير بواسطة الحركة الواقعية . أخيرًا ، لقد اقترب أدب أواخر القرن التاسع عشر المهتم بسيكولوجية الفرد من غرفة التصوير الفوتوغرافي ، التي أصبحت نوعًا من التفسير الشامل لوصف الإنسان وقدراته.
هكذا يتكون كتاب (الأدب في عصر الفوتوغرافيا)  من أربعة أجزاء مقسمة إلى أحد عشر فصلاً . يقترح عنوان الجزء الأول "مشهد إبداعي جديد"  ثلاثة فصول تقارن الاختراع وممارسة التصوير الفوتوغرافي بالسينوجرافيا التي طورها الشعراء الرومانسيون . ويتمحور الجزء الثاني المعنون ب"التصوير والتمثيل" حول أزمة التمثيل التي تندرج ضمن الفنون الحاضرة في هذه الأزمة ، وهي الفوتوغرافيا والشعر النثري اللذان أسهما في اختراع نظام قول جديد . أما الفصول الأربعة من الجزء الثالث المعنون ب"نموذج الفوتوغرافيا" فهي تضع تصورا لمكانة "الرؤية " والضوء في جماليات الواقع في ثلاثينيات القرن التاسع عشر في أعمال لأدباء مشاهير مثل هوغو وبلزاك وفلوبير وزولا . ويتساءل الجزء الأخير"التصوير والحداثة" عن الآثار العميقة للفوتوغرافيا على السلوكيات والقيم ، وموقع هذا الوسيط في الأزمة الاجتماعية التي أثارت حساسية الكتاب بشكل خاص . إن المكانة الجديدة للغرفة المظلمة ومنتجاتها قد أعادت بناء نظرة المجتمع وغيرت من مفهوم الإنسان الحديث وهكذا ، فإن البورتريه في بطاقة الزيارة الشخصية carte visite التي اخترعها ديسديري  Disdéri  سنة 1854 تقترح صورة ذاتية ساهمت في تحويل الإنسان في القرن التاسع عشر. ثم بعد ذلك طرحت أسئلة حول دلالة التصوير الفائق (Photogenie) وقيمته الجمالية .
ليس من السهل على المؤرخ الوصول بسهولة إلى قراءة كتاب فيليب أورتيل إذا كان غير متمكن من عديد من مفاهيم النقد الأدبي التي يستخدمها المؤلف والتي يعيد النظر فيها تلقائيا . ومع ذلك ، فإن كتاب (الأدب في عصر الفوتوغرافيا)  هو "بحث" كما يشير إلى ذلك عنوانه الفرعي إلى أنه يجعلنا نتصفح نصوصًا غير معروفة إلى حد كبير مثلما هو الشأن في الأعمال العظيمة لكتاب القرن التاسع عشر. يسلط الكتاب الضوء على مدى تعقيد العلاقة بين الفوتوغرافيا والأدب ، وينفتح على فهم العلاقة بين الأدب والتواصل و بنظرة أوسع كيف يصبح جهاز التصوير لدى الكتّاب بنية تخييلية تساعدهم على التفكير تصويريا في الفن الحديث والمجتمع والإنسان .
Philippe ORTEL, La littérature à l'ère de la photographie. Enquête sur une révolution invisible

0 التعليقات: