عن منشورات كتاب الدوحة( مجلة
الدوحة عدد غشت 2019)، صدر كتاب جديد للباحث المغربي د. حسن المودن بعنوان: الأدب
والتحليل النفسي؛ وفكرته الأساس هي
أنالمحلِّـل النفسيّ للأدب لم يَعد اليوم يتقدَّم باعتباره
يملك تلك المعرفة الجاهزة الخاصة التي تفهم في كل شيءٍ، بل إنه يمنح الفرصة
للأعمال الأدبية من أجل أن تحاورَه، وأن تسائلَ معرفته النفسانية الجامدة، ذلك لأن
الأدب هو الذي بإمكانه، على حدِّ تعبير المعلم الثاني في التحليل النفسي جاك
لاكان، أن يُرسل هواءً جديدًا إلى التحليل النفسي، وليس العكس. ولهذا ينتقد الناقد
النفسي المعاصر بيير بيار هذا التمــثُّـــلَ الذي يقود التحليلَ النفسيَّ إلى
استنزاف الأدب، وذلك عندما يحصر الناقدُ النفسيُّ دورَ هذا الأخير في دورٍ
ثانويٍّ: أن يؤكدَ إلى ما لانهاية صحةَ ما تقوله النظرياتُ النفسانية..وهكذا، فلاشيء
يمنع من أن نعود إلى نصٍّ أدبيٍّ اشتغل به محلِّلٌ نفسانيٌّ سابقٌ، وأن نكتشف فيه
حقيقةً غير التي ادعاها السابقون، إذ بهذا نحافظ للأدب على طبيعته الجوهرية: أنه
قابلٌ للتأويل باستمرار؛ وعلى سبيل التمثيل، يكفي أن نستحضر مسرحية شكسبير:هاملت،
لِـنَـكتشفَ أن " هاملت " فرويد ليس هو " هاملت " لاكان...
وأنه إذا كانت أعمال سوفوكل وراء حديث فرويد عن " تراجيديا المصير
"، فإن أعمال شكسبير قد كانت وراء حديث لاكان عن " تراجيديا الرغبة
"..ويتألف هذا الكتاب الجديد من أربعة فصول، ومقدمة وخاتمة:تقدم المقدمة صورة عامة عن تاريخ هذه العلاقة الاشكالية بين الأدب والتحليل النفسي؛أما الفصل الأول فمباحثه تدور كلها حول هذه العودة الى فرويد التي دشنها المحلل النفسي جاك لاكان الذي خلق حوارا بين فرويد وسوسير، ودشنها الناقدان الفرنسيان رولان بارت الذي أعاد الاعتبار لفرويد الأنثروبولوجي، وجان بيلمان نويل الذي أعاد الاعتبار للتحليل النصي الفرويدي؛ أما الفصل الثاني، فهو مكرس في مبحثيه لسؤال التحليل النفسي والترجمة، وكيف تبدو ترجمة أعمال فرويد كأنها مهمة من دون نهاية، وكيف تبدو ترجمة نصوص لاكان كأنها مهمة مستحيلة؛ والفصل الثالث يقدم نظرية الناقد الفرنسي المعاصر بيير بيار الذي يطبق الأدب على التحليل النفسي على النقيض مما كان سائدا من قبل، حيث كان التحليل النفسي هو الذي يطبق على الأدب؛ وفي هذا الاطار، يضم هذا الفصل مبحثا تطبيقيا يحاول أن يستخلص من قصص بورخيس تحليلا نفسيا غير الذي وضعه فرويد، ما يفسر لماذا لم يكن هذا الكاتب الارجنتيني الشهير يتحدث عن فرويد و التحليل النفسي؛ أما الفصل الرابع فهو يلقي الضوء في مباحثه على هذا النوع الجديد من النقد الذي يؤسسه بيير بيار، والذي يمكن ان نسميه ب-: المحكي النظري او الرواية النقدية، وخاصة من خلال أعماله حول الرواية البوليسية وأدب الرحلة، حيث يصعب الفصل بين التنظير والتخييل، بين العلم والأدب، بين النقد والسرد..وفي الخاتمة، يعود السؤال: هل نعود من جديد إلى فرويد؟..خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن فرويد كان يطمح إلى كتابة رواية، وبالأخص إذا استحضرنا أن الكثير من الروايات اليوم تجعل من فرويد شخصية من شخصياتها التخييلية...ما يؤكد ان العلاقة بين فرويد والأدب، بين التحليل النفسي والأدب أعقد مما نتصور، فهما معا أرض رغباتنا وأمنياتنا، أرض آلامنا وآمالنا، أرض خصوصيتنا وحميميتنا...
0 التعليقات:
إرسال تعليق