الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 26، 2019

الإعداد على البحث وإنتاج المعارف العلمية: حالة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الإعداد على البحث وإنتاج المعارف العلمية: حالة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، وتتناول فيه
الباحثة اللبنانية هلا عواضة مسائل متعلقة بتكوين طلاب معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في مرحلة الدكتوراه، وتستطلع نتاجهم البحثي باعتباره تتويجًا لعملية الإعداد على البحث، لتحديد نوعية المعرفة المنتَجة، وتسعى إلى تقديم صورة عن واقع التكوين في مؤسسة ملحقة بالسلطة السياسية الطائفية. ويتألف الكتاب (432 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة أقسام رئيسة.

الإعداد على البحث ومقدماته النظرية

في القسم الأول، "الإعداد على البحث ومقدماته النظرية"، ثلاثة فصول. وتمهد المؤلفة في الفصل الأول، "الإعداد على البحث قضية للدراسة"، لموضوع بحثها من خلال إطلالة سريعة على أدبيات تناولت مسألة التعليم العالي في لبنان والعالم، مشيرةً إلى مقاربات مختلفة تناولت مسألة الإعداد على البحث في مرحلة الدكتوراه، وهذه المقاربات غَيّبت مسألةَ التكوين على البحث بصفتها مسألة خاصّة ومهمّة للدراسة في هذه المرحلة؛ إذ كانت أغلبية الطروحات تتناول مسألة الإعداد على نحو ثانوي ولم تُدرَس في حدّ ذاتها.
وتبحث المؤلفة في الفصل الثاني، "العلوم الاجتماعية - الإرث الغربي والمحددات المحلية"، في الشروط المحلية لتوطّن علم الاجتماع ومؤسساته في لبنان مقارنةً بمصر والمغرب، وتُبيِّن أن علاقة العلوم الاجتماعية و/أو علم الاجتماع في تجربتَي مصر والمغرب كانت على حافتَي نقيض؛ إذ قبضت الدولة المصرية على العلم الوافد واستخدمته في تشريع سياساتها الاجتماعية، في حين قطع المغرب الطريق على مؤسسات علم الاجتماع تخوفًا منها.
في الفصل الثالث، "الإطار المفاهيمي والمنهجي للبحث"، تتبنى المؤلفة توليفة نظرية تتيح ربط العلاقة بين الحقل الأكاديمي من جهة، وحقل السلطة من جهة أخرى، كما تقدم الآلية المنهجية التي ارتأت أنها ملائمة، عبر توليف المقاربتين الكمية والنوعية، إنْ لناحية جمع المعطيات أو لناحية معالجته، وفي هذا السياق تقول: "شكّلت التوليفة النظرية التي قامت على ربط العلاقة بين الحقل الأكاديمي من جهة، وحقل السلطة من جهة أخرى، مفتاحًا نظريًّا للفهم. شكّلت النظرية الصراعية عونًا لنا في هذا الخصوص، في الوقت الذي شكّل عمل بورديو عن الحقل الأكاديمي ورساميله المتنوعة هو الآخر رافدًا مهمًّا لتفسير ديناميات هذا الحقل، إذ سمح هذا العون النظري بالكشف عن إواليات المؤسسة الجامعية ودينامياتها من جهة، وكشف استراتيجيات فاعليها من جهة أخرى".

معهد العلوم الاجتماعية وخياراته المصيرية

في القسم الثاني، "معهد العلوم الاجتماعية وخياراته المصيرية"، فصلان. وفي الفصل الرابع، "معهد العلوم الاجتماعية: التأسيس والتوسّع والانشطار وإعادة التموضع"، تعرض المؤلفة أهم المحطات التي خبرها المعهد منذ التأسيس وانخراطه في ورشة تأكيد خياره الأكاديمي والبحثي حتى الخضوع للتعليم الجماهيري، قاصدةً "التثبت من صلاحية الفرضيتين الأولى والثانية لبحثنا اللتين تتكلّمان عن اقتحام السلطة السياسية الطائفية المجال العام، وإعادة توزيعه بما يتلاءم مع مصالحها، في مقابل تراخي فاعلي الحقل الأكاديمي أمام إلحاقهم بحقل السلطة على رغم التداعيات المتعددة لذلك التوجّه على التعليم والبحث. وشكَّل التعليم الجماهيري، فرضيتنا الثانية، محورَ اهتمامنا، نظرًا إلى ما لتزايد الطلب الاجتماعي على التعليم من أثر في بنية المؤسسة".
أمّا في الفصل الخامس، "موقع المعهد بين الإغراق في المحلية وهامشية اندراجه في عولمة التعليم"، فتهتم المؤلفة بإبراز الصراعات التي قام بها فاعلو الحقل الأكاديمي لإعادة صوغ هوية المعهد الأكاديمية عبر الخوض في غمار تعديل المناهج والبرامج. ولقد قُرئت هذه الصراعات في ضوء فرضيتها التي تشير إلى أنَّ العملية الأكاديمية لا تتم في لبنان بمعزل عن سياق عولمة التعليم. وتخلص المؤلفة إلى استنتاج مفاده وجود تيارين متصارعين شكّلت البرامج والمناهج عدّة الصراع لديهما، كما تشير إلى غياب التكوين على البحث عن فاعلي الحقل الأكاديمي، بحيث لم يشكّل هذا المكوّن بالنسبة إليهم همًّا للصراع بصورة صريحة ومحددة.

الإشراف على البحث والنتاج المعرفي

في القسم الثالث، "معهد العلوم الاجتماعية: الإشراف على البحث ونتاجه المعرفي"، فصلان أيضًا. وفي الفصل السادس، "الإشراف على البحث من خلال أعين فاعليه"، تقول المؤلفة إن الإشراف على البحث وتتبع آلياته يشكّلان همَّها الأول، إضافة إلى تكوين صورة عن أثر هذه العملية في مَن خضع لها من الطلاب/ الخريجين، حيث تُعرضُ نتائج الإشراف على أطروحات الدكتوراه بإجراء عملية تقاطع للمعطيات الكمية المستخلصة من نتائج الاستمارة التي طاولت خريجي المعهد مع معطيات المقابلة النوعية التي أجريت مع ستة عشر أستاذًا مشرفًا على الدكتوراه. وتفند عيوبًا طاولت التكوين المنهجي والبحثي، كاستقالة الإدارة الجامعية من القيام بواجباتها، والتراخي، وخرق أبسط القواعد الأكاديمية كالإشراف على أعداد كبيرة من الطلاب وتمرير أطروحات لطلاب لا تتّصف بالمعايير العلمية. وبحسبها، ساهم طلاب معهد العلوم الاجتماعية عمومًا في هذا المسار التنازلي "نظرًا إلى عدم تطلبهم وتدنّي توقعاتهم مما يريدونه من تخصّصهم في المعهد".

في الفصل السابع (الأخير)، "نماذج تحليلية للمقاربات المنهجية في أطروحات الدكتوراه 1990–2011"، تُعنى المؤلفة بتحليل نماذج من أطروحات الدكتوراه لقياس نجاعتها المنهجية، كما تعمل على قياس نجاعة المسار المنهجي لأربعين أطروحة دكتوراه اختيرت من نتاج الخريجين على مدى عشرين عامًا من التكوين على البحث، وتنتهي إلى تحديد أهم معالم القصور المنهجي التي عانتها هذه الأطروحات. وتستنتج المؤلفة أنه لم ينشأ في معهد العلوم الاجتماعية منذ البدء في عملية التكوين على البحث في شهادة الدكتوراه تقليد مؤسسي راسخ على البحث؛ إذ تقول: "والدليل على ذلك هو التقيّد الشكلي لبعض نماذج الأطروحات بالمسار البحثي، إضافة إلى المحاولات الحثيثة عند البعض، على الرغم مما اعترى هذا المسار من خلل في بناء العناصر المنهجية، والأهم من هذين الشكلين هو تغاضي البعض الآخر عن التزامه".

0 التعليقات: