الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، نوفمبر 15، 2019

ماء الحياة (قصة قصيرة كاتالونية) كتب أندرو لانغ ترجمة عبده حقي


عاش ثلاثة أخوة وأخت جميعا في منزل صغير وكانوا يحبون بعضهم بعضًا. في أحد الأيام ، قال الأخ الأكبر ، الذي لا يعرف شيئا غير اللهو من شروق الشمس حتى غروبها ، للآخرين ، "تعالوا نعمل جميعًا بجد ، وربما سنصبح أغنياء ويمكننا بناء قصر". فرد عليه إخوته بفرح : "نعم ، هيا لنعمل جميعًا!
ثم بدأوا في العمل بكل قوتهم ، حتى صاروا أغنياء وقادرين على تشييد قصر جميل ؛ وجاء جميع الناس من مسافات بعيدة لرؤية عجائب القصر وليباركوا لهم ويقولوا للإخوة كم هو جميل قصرهم الجديد .
لم يفكر أحد من الزوار في العثور على أدنى خطأ ، حتى صرخت فجأة امرأة مسنة ، كانت تمشي في القاعات مع حشد من الناس : "نعم ، إنه قصر رائع ، ولكن لا يزال هناك شيء بحاجة إليه ! "
" وماذا يمكن أن يكون هذا الشيء ؟ "
"القصر في حاجة إلى كنيسة"
عندما سمعوا ذلك ، عاد الإخوة إلى العمل مرة أخرى لكسب المزيد من المال ، وبعد أن حصلوا عليه ، شرعوا في بناء كنيسة وقرروا أن تكون أيضًا كبيرة ورائعة مثل القصر نفسه. وبعد الانتهاء من بنائها ، لم يتدفق كما كان متوقعا عدد متزايد من الزوا لرؤية القصر ، والكنيسة ، والحدائق الواسعة والقاعات الرائعة.
لكن في أحد الأيام ، بينما كان الإخوة يكرمون ضيوفهم كالمعتاد ، التفت إليهم رجل عجوز وقال: "نعم ، إنه قصر جميل للغاية ، لكن لا يزال هناك شيء ينقصه ! "وماذا يمكن أن يكون ؟"
 "إبريق من ماء الحياة ، وفرع من الشجرة ذي رائحة الزهور ستعطي جمالا أبديا وطائرا يتكلم ".
"وأين يمكننا أن نجد كل هذه الأشياء؟"
"ليذهب أحدكم إلى الجبل البعيد ، وسيجد هناك ما يبحث عنه."
بعد أن توارى الرجل العجوز بأدب وتركهم  ، قال الأخ الأكبر لإخوته :
"سأذهب للبحث عن ماء الحياة ، والطائر المتكلم وفرع شجرة الجمال.
"لكن لنفترض أن شيئًا سيئًا ما حدث لك كيف سنعرف ذلك ؟" قالت الأخت.
"أنت على حق ــ رد عليها ــ لم أفكر في ذلك!"
ثم لاحقوا الرجل العجوز وقالوا له : "أخانا الأكبر سيخرج ليبحث عن ماء الحياة ، وفرع شجرة الجمال والطائر المتكلم ، الذي أخبرته بها ، لجعل قصرنا أكثر جمالا . لكن كيف سنعرف في حالة ما إذا كان حدث له أمر سيء في طريقه ؟ "
أخذ الرجل العجوز سكينًا وأعطاها إياهم ، وقال :" احتفظوا بها بعناية ، وطالما ظل السكينة ساطعا ، فسيبقى كل شيء على ما يرام ؛ ولكن إذا صارت النصل حمراء بلون الدم ، فاعلموا أن واقعة ما قد حدثت له. "
شكر الإخوة الرجل العجوز وذهبوا  مباشرة إلى القصر حيث وجدوا شقيقهم الشاب مستعدًا للرحيل إلى الجبل حيث تكمن الكنوز الثلاث التي يتوق إليها .
صار يمشي ويمشي لمسافة طويلة حتى ذهب بعيدا جدا ، وخلال رحلته التقى عملاقا وسأله : "هل يمكن أن تخبرني كم يلزمني من الوقت لأذهب إلى ذلك الجبل هنالك ؟ "
"ولماذا ستذهب إلى هناك ؟ " قال العملاق.
فرد عليه الشاب : " لكي أبحث عن ماء الحياة ، والطائر المتكلم وفرع شجرة الجمال. "
لقد ذهب قبلك كثيرون للبحث عن هذه الكنوز الثلاث ، لكن لا أحد منهم عاد بعد رحلة البحث ، ولن تعود بدورك أنت مرة أخرى إلا إذا تتبعت كلامي ، واتبعت هذا المسار ، وعندما تصل إلى الجبل ستجده مغطىً بالحجارة . لا تتوقف هناك للنظر إليها ، استمر في طريقك ، وسوف تسمع نوبات من الضحك خلفك ، إنها الحجارة تسخر منك ، لا تنصت إليها ، لا تدر وجهك إليها . إذا قمت بذلك ، ستصبح مثلهن حجرة ، بل استمر في رحلتك حتى تصل إلى القمة حيث ستجد ما تريد ".
شكره الشاب على نصيحته وواصل رحلته حتى وصل إلى الجبل . وبينما كان يصعد ويتسلق ، سمع صراخا ساخرا من خلفه ، غير أنه أصم أذنيه عن ذلك . أخيرًا ، صارت ضوضاء السخرية عالية جدًا لدرجة أنه فقد صبره فانحنى لالتقاط حجارة ورمي بها إلى منتصف الطريق . فجأة بدت ذراعه صلبة ، ثم في لحظة تالية أصبح هو نفسه بالكامل صخرة صلبة .
في نفس اليوم وبعد  تأخره في العودة أخرجت أخته السكين فوجدت أن النصل كان أحمر مثل الدم . ثم صرخت لإخوانها بأن شيئًا ما فظيعًا قد حدث لشقيقهم: "سأذهب لأبحث عنه ". قال أحدهم . وانصرف.
سار هو أيضا لمسافة طويلة حتى قابل العملاق ، وسأله عما إذا كان قد شاهد شابًا مسافرا إلى الجبل. فأجابه العملاق : "نعم رأيته ، لكنني لم أراه يعود بعد . قد يكون لقي مصيره .
"فما الذي يمكنني فعله لإنقاذه والعثور على ماء الحياة والطائر المتكلم وفرع شجرة الجمال ؟
فرد عليه العملاق : اتبع هذا الطريق ، وعندما تصل إلى الجبل ، ستجده مغطى بالحجارة. لا تتوقف للنظر إليها ، بل اصعد الجبل . قبل ذلك ، لا تعر اهتماما لقهقهات السخرية من خلفك ومن جميع الجوانب . ولا تلتفت إلى الوراء أبدًا ، وعندما ستصل إلى القمة ، يمكنك أن تنال كل ما تريد ".
شكره الشاب على نصيحته وغادر إلى الجبل . لكنه بالكاد تمكن من تجاهل صرخات السخرية التي كانت تنفجر حوله من جميع الجهات . ولفترة من الوقت ترك صرخات السخرية تدوي حتى تجاوزها بجرأة وتخطى المكان الذي كان يشغله أخوه ؛ ثم ، فجأة ، اعتقد أن من بين الأصوات الساخرة سمع صوت شقيقه . فتوقف والتفت إلى الخلف. فصار بدوره حجرة آخرى .
في هذه الأثناء ، ظلت أختهم في المنزل تعد الأيام التي غادرها خلالها شقيقاها ولم يعودا إليها . بدا الوقت طويلاً وكان من الصعب عليها تحديد عدد المرات التي أخرجت فيها السكين ونظرت إلى نصلها الصقيل للتأكد من أنها لا تزال آمنة . كانت السكين ساطعة وواضحة دائمًا ؛ في كل مرة تنظر إليها ، كانت تسعد بمعرفة أن كل شيء يجري على ما يرام حتى المساء ، كانت تفعل ذلك بسبب التعب والإرهاق في آخر النهار.. أخذت السكين من درجها و هاهو كما تراه ! كان النصل أحمر بلون الدم . فجأة صرخت وانطلقت إلى أخيها الأصغر وهي عاجزة عن الكلام وقدمت له السكين!
قال: "سأذهب إليهما . سار لمسافة طويلة حتى قابل العملاق ، وسأله " هل شاهدت شابين يسيران إلى ذلك الجبل ؟
قال الرجل العملاق : "أجل ، لقد مرا من هنا ، لكنهما لم يعودا أبدًا ، وذلك يعني أنهما قد وقعا في مصيرهما السيء .
إذن ما العمل لتحريرهما والحصول على ماء الحياة ، والطائر المتكلم وفرع شجرة الجمال؟ "
اذهب إلى الجبل الذي ستجد فيه حصى كثيرة جدا بحيث يصعب عليك وضع قدميك ، وتقدم إلى الأمام ، ولا تلوي على اليمين ولا اليسار ولا تعر انتباها إلى القهقهات من خلفك حتى تصل إلى القمة ، ثم يمكنك هناك أن تأخذ كل ما تريد .
شكر الشاب العملاق على نصيحته وذهب إلى الجبل . وعندما بدأ في الصعود ، انفجرت من حوله عاصفة من قهقهات السخرية ؛ لكنه فكر في كلمات العملاق ولم ينظر إلى اليمين أو اليسار في قمة الجبل أو من خلفه . وكان سيفوز بالكنوز الثلاث لولا أنه التفت حين سمع صوت أخويه وفجأة تحول هو بدوره إلى حجرة .
وقع هذا بينما كانت أختهم تضرب طولا وعرضا في القصر ، ولم تترك السكين من بيدها وهي تخشى ما ستعرفه وستراه . تحول النصل إلى اللون الأحمر أمام عينيها وقالت :
"لقد جاء دوري "
ثم انطلقت وسارت لمسافة طويلة حتى وصلت إلى العملاق ، وطلبت منه إخبارها إذا كان قد رأى ثلاثة شبان ذهبوا للبحث عن الجبل البعيد فرد عليها :
"أجل رأيتهم يمرون من هنا ، لكنهم لم يعودوا ، وأنا أعلم أن مصيبة قد ألمت بهم ". قالت له :
"وماذا يجب أن أفعل لتحريرهم وإيجاد ماء الحياة ، والطائر المتكلم وفرع شجرة الجمال؟ "
يجب عليك أن تذهبي إلى ذلك الجبل المليء بالحصى الكثيرة ، وعند صعودك ، سوف تسمعين صوتًا كما لو أن تلك الحصى جميعها تسخر منك ؛ لكن لا تهتمي بما تسمعينه وبمجرد وصولك إلى القمة ، تكوني قد فزت بكل شيء. "
شكرته الفتاة على نصيحته وذهبت إلى الجبل ؛ وحينما وصلت إلى أعلى القمة انفجرت صيحات وصراخ من حولها ، وشعرت وكأن كل الحجر الذي كانت تمشي عليه صار كائنات حية . لكنها تذكرت وصية العملاق وما حدث لأشقائها . حافظت على حزمها  وهي تتسلق نحو قمة الجبل . لكن مع صعودها كانت تتصاعد الضجة سبع مرات وكانت من بينها أصوات إخوتها الثلاثة تتعالى . لكن الفتاة لم تهتم بذلك وأخيرا وصلت إلى النهاية .
نظرت من حولها فشاهدت حوض ماء الحياة . وأخذت إبريقا نحاسيا  أحضرته معها ، وملأته حتى الشفتين . وعلى حافة البركة شاهدت شجرة الجمال ، حيث كان الطائر يتكلم على أحد فروعها ؛ ومسكت بالطائر ووضعته في قفص ، وكسرت أحد الفروع . وبعد ذلك ، استدارت ونزلت بسعادة عارمة من التل ، وأخذت كنوزها ، لكن صعودها الطويل قد أجهدها ، و كان إبريق النحاس ثقيلًا جدًا . عندما لمستهم ، تحولوا إلى شباب وفتيات ، يحتشدون حولها ليشكروها على خلاصهم.
لقد تعلمت كيف يمكن فك لغز الكنوز الثلاث وقامت ورشت كل حجر بعناية حتى لم يتبق منها أحد – كانت مجموعة كبيرة من الفتيان والفتيات الصغيرات اللائي يلاحقوها إلى الجبل . وعندما وصلوا إلى القصر ، لم تنتظر لحظة حتى قامت بغرس فرع شجرة الجمال ورشتها بماء الحياة . وتفتق غصن في شجرة وكان مغطى بالورود ، وكان الطائر المتكلم يقع على أحد فروعه.
انتشرت شهرة هذه العجائب في المدينة ، واحتشد الناس لرؤيتها والفتاة التي حصلت عليها . ومن بين الزوار، كان هناك ابن الملك ، الذي أصر أن يرى كل شيء وقبل أن يتعلم كيف حدث كل ذلك أبدى إعجابه بغرابة وجمال تلك كنوز ، لكن أعجب أكثر من كل ذلك بجمال وشجاعة الفتاة التي أحضرتها من قمة الجبل . ثم عاد الأمير إلى القصر وأبلغ والديه بالحكاية ثم حصل على موافقتهما للزواج من الفتاة . أقيم حفل الزفاف في الكنيسة المجاورة للقصر. ثم أخذ عروسه إلى المنزل ، حيث عاشا في سعادة دائمة.




0 التعليقات: