الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، ديسمبر 31، 2019

كتاب اليوم ( من النص إلى النص المترابط (مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي)


سعيد يقطين ناقد وأكاديمي مغربي حاز على دكتوراه دولة في الآداب من جامعة محمد الخامس الرباط، أستاذ جامعي مشارك في فرنسا. ورئيس شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بالرباط، وقد ألّف كتباً عديدة في ما اختصّ به في مجال السرديات والنقد الأدبي والسِير الشعبية، وله موقع إلكتروني خاص باسم «سرديات» يضيء جانباً من سيرته ومؤلّفاته وإنتاجه الأدبي. 
ويأتي كتابه الجديد «من النصّ إلى النصّ المترابط» بمثابة انعطافة نوعية في توجّهاته البحثيّة والكتابية السابقة، فهو كما يتّضح من العنوان يتوجّه إلى عالم الحاسوب المتعدد الإمكانات، ويدعو قرّاءه والكتّاب إلى الاستفادة من المنجز الثقافي الغربي في هذا المجال، وحفر حيّز مناسب لثقافتنا العربية يمكّنها من أن تساهم بدورها في الثقافة الإنسانية كثقافة فاعلة.

وليست مستهلكة، وخصوصاً مع الثورة المعلوماتية والوسائط المتفاعلة التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، ولكن هذه القرية لا يمكن ولوج أسوارها بدون استيعاب واستثمار هذه التكنولوجيا المتطوّرة على النحو الأكمل، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب.

وإنما على صعيد النصّ الأدبي أيضاً، حيث إن زمن المطبعة والكتابة على الورق ذاهب إلى الأفول، نظراً للإمكانيات المدهشة التي يقدّمها الحاسوب لهذا النصّ من جهة العلاقة ما بين: مبدع يقدّم نصّاً جديداً ومختلفاً يتخطّى ثلاثية: الكاتب النصّ المتلقّي التقليدية، نحو رباعية:

المبدع، النصّ المترابط، الحاسوب، المتلقّي. ومتلقّ سيتفاعل مع هذا النصّ باعتباره أحد أطراف العملية الإبداعية من جهة، ومنتجاً ثانياً للنصّ من جهة أخرى.

وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدلّ على أن الحاسوب كآلة للكتابة يتّسع لممارسات أخرى تؤثّر في النصّ وفي مجمل العملية الإبداعية، فتدفع بها نحو فضاء جديد من التفكير والبحث في الإبداع والفن والأدب والنظرية الأدبية. بمعنى آخر أن نكون أمام رؤية وممارسة جديدتين للثقافة والفكر.

ومما تقدّم سنلحظ أن المؤلّف شأنه في ذلك شأن الكثير من المثقفين العرب، يشعر بأهمية ردم الفجوة الكائنة ما بيننا وبين الغرب، ولكنه لا يكتفي بتفسيرها كما يفعل البعض بالإشارة إلى منجزات الغرب وقصور العرب.

وإنما سيقدّم اجتهاده في هذا الإطار، تماماً كما فعل في كتبه الأولى التي عنيت بأقلمة المفاهيم النقدية، وأعني بذلك دعوته لدخول ثقافة العصر الإلكترونية نظراً لما تحتويه هذه الثقافة من إنتاج معرفيّ قادر بالضرورة على التفاعل مع ثقافة العالم حتى وإن تمّ ذلك في نطاق غير متكافئ.

وإلى ذلك، فإنه سوف ينتقد الكثير من الآراء العربية التي لا ترى في مثل هذا التفاعل سوى التقليد أو التغريب أو التبعية، وسوف يؤكّد بأنها آراء متسرعة وجاهزة، وكان الأولى بهؤلاء الحريصين إطلاق أحكامهم هذه على «الاستهلاك» العربي للمنتوجات الغربية والتي يروّج لها بمختلف أنواع الإشهار في مختلف وسائطنا المتعددة على حدّ تعبيره.

ومن هنا فإن تعريبه مفهوم Hypertexte «الترابط النصّي»، وهو «نظام يتشكّل من مجموعة من النصوص ومن روابط liens تجمع بينها، متيحاً بذلك للمستعمل إمكانية الانتقال من نصّ إلى آخر حسب حاجته ».

و تعريب مفهوم computer mediated communication بـ «الوسائط المتفاعلة» سوف يرتبطان بشكل حاسم مع الحاسوب وبالنصّ الإلكتروني كمفهوم جديد تمّ توظيفه للدلالة على النصّ الذي يتحقق من خلال شاشة الحاسوب بناء على تطوّر وسائل الاتّصال الحديثة من جهة.

ولخلق أساليب جديدة للتواصل بين الناس تتعدى ما كان معروفاً مثل الهاتف والفاكس، إلى التواصل المتكامل بواسطة جديدة مع الإبداع بشروط ومظاهر مختلفة.

ومن جهة أخرى فإن «النصّ الإلكتروني» بصفته شكلاً إبداعياً جديداً أو إبدالاً جديداً في التفكير، على حدّ تعبيره، له أثره البيّن في علوم النصّ ونظرياته كـ «التناص» و«المتعاليات النصّية»، وليقترح بعد ذلك مفهوم «التفاعل النصّي» بدلاً من المتعاليات، لأنه بتعبيره أعمّ وأشمل من «التناص»، وأدق من «المتعاليات النصّية».

وهو إلى ذلك سوف يشير إلى أنه ما كان من الممكن الحديث عن «النصّ الإلكتروني» لولا التطوّر الذي طرأ على مستوى النظرية والتعامل مع النصوص في الحقبة البنيوية، حيث اتّسع مفهوم النصّ ليشمل الكلمة والصورة الثابتة والمتحركة، بالإضافة إلى الصوت، وذلك سواء اتّصلت هذه العلامات أو انفصل بعضها عن بعض. وبالتالي فإن هذا النصّ سوف يتيح للقارئ إمكانيات كبيرة للتفاعل والتعامل معه.

وفي هذا الصدد أيضاً، سوف يؤكّد الكاتب أن «النصّ الإلكتروني» قد ساهم في تطوير أنواع وفنون أدبية جديدة في أوربا وأميركا، وساهم في ظهور تيارات فكرية وثقافية ونقدية تعنى جميعاً بحصيلة هذا الوسيط الجديد وبالدور الذي اضطلع به في مسار الاتصال والتواصل، مما يعني أن «خلق أدوات جديدة للاتّصال معناه خلق مفاهيم جديدة للتواصل».

وتبعاً لذلك لا يمكن أن نفهم جيداً معنى «النصّ الإلكتروني» بدون وضعه في سياق «الثورة البنيوية» وما تلاها من اجتهادات وتطوّرات على المستوى المعرفيّ والتكنولوجي. بمعنى أن معاينة «النصّ الإلكتروني» على شبكة الإنترنت أو على قرص مدمّج يجعل التعامل معه مختلفاً اختلافاً كلّياً عن الكتاب الورقيّ المطبوع أو المخطوط.

وبالتالي فإنه سوف يمايز ما بين حقبتين: حقبة النصّ ـ التناص، وحقبة النصّ الإلكتروني ـ الترابط النصّي القائم على مبدأ التفاعل الذي يتغيّر ويتطوّر بتطوّر الوسائط، نظراً لأنه يعطي إمكانيات مهمّة للتحكّم فيه وتوجيهه وفق متطلّبات القارئ وتدخّله فيه وفق ما يرافق حاجياته ورغباته، وذلك يستدعي بتعبيره خبرة أساسية في إجادة على الحاسوب.

ولكن ماذا عن الإبداع العربيّ في شكله الحالي، وهل ثمة آفاق تشير إلى توجّهات جديدة في ظلّ التطوّرات التقنية والفكرية العالمية؟

سوف يخصص المؤلّف الباب الأخير من الكتاب لهذا الجانب، وسيتناول فيه جوانب إبداعية مختلفة كالرواية والشعر والترجمة.

وقد دعا من خلاله إلى كتابة الرواية التفاعلية عربياً قبل فوات الأوان، نظراً للتحديات الجديدة التي يفرضها واقع التحوّل على هذا الجنس الأدبي، وكذلك الأمر بالنسبة للنقد الروائي.

سيما وأن الطرفين راكماً تجارب وخبرات عديدة، بات من الضروري معها تجاوز الصورة التقليدية للكاتب والناقد الذي ما زال يخشى من عدوى التكنولوجيا أو اعتبارها شيئاً زائداً لا قيمة له، لأن استثمار الحاسوب وتقنيات الكتابة التي تمنحها «الوسائط المتفاعلة» بات أمراً أساسياً للإبداع والنقد.

وعلى صعيد الشعر، فإنه بدوره أكّد على أهمية «الوسائط المتفاعلة» نظراً لأن هذه الوسائط تختزل كلّ الحقب الشعرية من اللحظة الشفاهية إلى الكتابية، بمعنى أنه بات بالإمكان الآن المزاوجة ما بين الإلقاء الشعري والتشكيل البصري الكتابي، وكلّ ما يّصل بهما من مؤثّرات صوتية وموسيقية وصورية.

أما بالنسبة للترجمة، فقد دعا إلى تنسيق الجهود بين المؤسسات الأكاديمية العربية، وتوفير الإمكانيات المادية للاستثمار في هذا المجال على نحو منظم ومضبوط، وخصوصاً في مجال صناعة المعاجم العامة والخاصة والثنائية اللغة أو المتعددة اللغات.

والانتقال من النشر الورقي إلى النشر الإليكتروني، وتطوير صناعة البرمجيات، مما يساعد على تحقيق «الترابط» مع العالم من خلال حلّ مشكل اللغة، وبذلك يحصل التفاعل الحقيقي مع العالم الذي ما نزال نعيش على هامشه.

*الكتاب: من النصّ إلى النصّ المترابط

مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي

*الناشر:المركز الثقافي العربي بيروت 2005

*الصفحات: 280 صفحة من القطع الكبير

عزت عمر

0 التعليقات: