لعلي أتعرف على
الأدب الرقمي من خلال جسدي. هناك شيء ما تغير في نفسي . لا أجرؤ على الحديث عن
الدورة الدموية أو إيقاع أنفاسي لكن هناك أشياء أدركها فورًا على أنها قصائد (بورخيس
مقتطف من حوار مع جورج شاربونييه)
يتمتع الأدب
الرقمي اليوم بدعم دولي كبير بفضل "منظمة الأدب الإلكتروني" التي تأسست
في عام 1999 ومهرجان الشعر الإلكتروني الذي تم إنشاؤه في عام 2001. كما كانت للأدب
الرقمي مجلة خاصة منذ عام 1989 وهي السنة التي أطلق فيها فيليب بوز مجلة "ألير" alire التي تم نشرها من طرف "مو فوارMots
voir كما يمكننا أيضًا الاستشهاد بمجلة "بلو
أورانج BleuOrang
.
تمثل قائمة
المختبر الكندي NT2 في جامعة كوينزلاند
أيضًا تنوعا استثنائيا من خلال 3500عملًا استفادت منها منظمة الأدب الإلكتروني
لتأسيس ركائزها الأدبية الأولى .
بعض خصائص الأدب
الرقمي
في مقالته التي
خصصها لتعريف الأدب الرقمي اقترح ألكسندر سامير سنة 2013 بعض المعايير التوافقية لتحديد مفهوم الإبداع
الأدبي الرقمي منها :
إنتاج النص وانزياح
اللغة.
هذه المعايير هي
في الواقع معايير نقاد الأدب (التي يعترف بها أ. سايمر) ولا سيما الشكلانيين الروسيين
الذين يعرفون العمل الأدبي من خلال انزياحه الواضح عن اللغة اليومية. هذا التعريف المدرج
هنا محصور وغير قابل للتعد، كما يؤكد ذلك بلانشو وهذا يعني أنه لا يسمح لنفسه بأن
يقتصر على التبادل والتواصل: عندما نسمع مثل هذا القول نفاجأ بوجوده ولا نسمح
لأنفسنا بأن نتجاوزه دون التشكيك في طبيعته أو وظيفته أو آثاره. بمعنى ستكون مهمة الشاعر هي أن يكرس اللغة كهدف
للقصيدة .
القصيدة هي
العمق المنفتح على التجربة التي تجعلها قصيدة ممكنة.. إنها الحركة الغريبة التي
تذهب بالنص إلى جذر النص ذاته ، والنص نفسه يصبح في حد ذاته أيضا هو البحث القلق
واللانهائي عن منبعه . [...] إن ما يجذب الفنان [...] ليس عمله المباشر بل إنه
البحث والحركة التي تؤدي إليه [...] حيث لا يفضل الرسام اللوحة في شكلها النهائي بل
يفضل خطوات إنجازها . لذلك نادرا ما يطمح الكاتب إلى إتمام أي عمل أدبي تقريبًا لذلك
فهو يفضل ترك عشرات النصوص على شكل شذرات التي يكون هدفها أن تقوده إلى نقطة معينة
والتي يجب عليه أن يتخلى عنها في محاولة لتجاوزها. (بلانشوت الكتاب القادم
Le livre a venir)
في هذا المنظور سيسعى
العمل الأدبي الرقمي إلى قلب الصور النمطية وخلخلة الحس السليم أو تحوير
الاستعمالات إلى وجهات أخرى أو التفكير في الجهاز التقني وباختصار الارتقاء بنا
نحو مراتب الوعي، باستخدام وسائله الخاصة.
تمكننا أشكال الاستعمالات من تكسير التلاحم
التوافقي والعمليات الروتينية التي نواجهها يوميًا (النقرات ، النسخ / اللصق والضغطة
.. إلخ) بسبب إدراج الصعاب والشراك التي تفشل المحاكاة الميكانيكية والآليات
الإيمائية .
القبض على
القارئ والحركة الشاشاتية
لقد اشتغل كل من
فيليب بوتز وسيرج بوشاردون حسب معرفتي القليلة على هذا السؤال المادي والحسي فضلا عن
الأسئلة الفكرية والتجريبية والنظرية.
على سبيل المثال
في عمله الموسوم ب Déprise
عمد سيرج بوشاردون إلى شيء أدى به إلى "خلق منصة من أجل وضع
القارئ في عمل تفاعلي". هذا الأخير وخلافًا لما يُعتقد غالبًا ليس حرا طليقا تمامًا
: إن حريته في الواقع مقيدة بالجهاز الذي يحدد بطريقة معينة مساره وإمكانياته في
التحرك. مما يجعل القارئ يستكشف بأن تلك العملية تجري على حسابه وليس بإرادته.
لقد وضع فيليب
بوتز نظرية لهذه المؤسسة من خلال شخصية "القارئ المقبوض عليه lecteur capturé . ففي رأيه يُفهم الجهاز بكونه
مجرد مركب تقني - دلالي تتحدد مسؤوليته في اصطياد مستخدميه عبر استراتيجيات قراءة
محددة تشمل التلاعب بالجسد والألعاب الفكرية.
اقترح سيرج
بوشاردون مؤخرا تصنيفًا لهذه الحركات المتوقعة والشاشاتية من خلال إدراجها ضمن
منظور بلاغي. نظرًا لأن الجهاز (على سبيل المثال إعلان على منصة يوتيوب) يتسبب في
قيام المستخدم بإجراء عدد معين من العمليات (المشاهدة والنقر وما إلى ذلك) بهدف
تحقيق نتيجة محددة، ودراسته تمر عبر وصف استراتيجياته. لذلك يفضل استخدام مصطلحات
أكثر غموضًا وغير دقيقة من الناحية العلمية (نقرة ، ضغطة .. إلخ) على تشفير أكثر
صرامة (إيماءة ، فعل ، وغير ذلك ) التي يمكن تطبيقها بشكل عملي على المصنفات
الرقمية.
"القيمة الإرشادية للأدب الرقمي"
سيرج بوشاردون .
"القارئ" و"الالتقاط" و"الطباعة"
و"الحركة " و"المادة " و"القراءة"
و"النص" كل هذه العناصر غالبًا ما تكون في قلب العمليات الإبداعية.
وبالتالي فإن الأدب الرقمي يجعل من الممكن العثور عليها بمعنى استكناه الأشياء التي
أخفتها الجامعة والتي انتهى بها الأمر إلى الاختفاء من الساحة العامة.
في حين نحن لم
نتوقف اليوم عن الجدال فإما أننا نشجب للمرة الألف موت الكتاب وتحلله المادي
الأبدي / الحسي أو أننا نعبر عن المخاوف بشأن حقوق القارئ أو المؤلف.
النص والسند أو الربح والخسارة .
لكي نكون
مقتنعين يكفي أن نعيد طرح سؤال فيليب بوتز في برنامجه : "هل النص مستقل عن
سنده ؟ " وهو السؤال الذي أعاد صياغته كريستيان جاكوب عام 2001:
إلى أي حد وإلى
أي مدى يمكن فصل النص عن سنده ومنحه الاستقلال الذاتي الفكري؟
وما هي الحالات
التي يحتفظ فيها هذا السند بقيمة جوهرية وهو يعتمد مثلا على رابط دائم وحصري مع
النص الذي يحتويه؟ وما هي الظروف التي تؤدي قيمة النصوص وسلطتها إلى نسخها على
أسانيد أخرى متعددة ؟ أين يتقاطع الحد الفاصل بين سلطة الكتاب وسلطة النص؟ في كل
ثقافة وفي كل مرة تحدد الإجابات على هذه الأسئلة حول تداول النصوص، ونقلها وطرق
اعتمادها من قبل شريحة القراء.
إنها بالفعل
إشكالية قديمة وقد تمت مناقشتها منذ القرن الثاني عشر وهو التاريخ الذي انفصل فيه
النص بفضل اختراع مجموعة من تقنيات المعاينة (الفهرس ، جدول المحتويات ..إلخ) عن
سنده لاكتساب قدر من الاستقلال الذاتي والتحليق مثل ظل فوق السند . هذه النظرية
المنتشرة حاليا على نطاق واسع (كيفما كان السند فما يهم هو القراءة) كانت موضع
نقاش سريع من قبل مؤيدي المراجع المادية الذين أظهروا على مدى عقود أن الأشكال
المادية (الطباعة ، التخطيط في الصفحة وغير ذلك ) إبلاغ النص بمعنى تعديل شروط
القراءة والإقراء وبالتالي شروط خصوصية النص . بالتأكيد هذا إذن هو ما جعل بعض الباحثين
مرتبطين جزئياً بالأدب الرقمي لأنهم ينتمون بشكل خاص إلى شعبة علوم المعلوميات
والتواصل (SIC ) الذين سعوا للتفكير في التعبير عن ارتباطهم
بالتاريخ النصي وبابستمولوجيته (انظر أيضا
"من البيبليوعرافيا المادية إلى الدراسات الرقمية؟ “
لعل أجمل الكلمات
هي الكلمة التي يكون معناها حاضرا مسبقا في ملمح الشكل . إن ما يهم في الواقع ليس
هو معرفة ما إذا كانت تأثيرات المعاني ناتجة عن الأشكال أو إذا كانت الأشكال تعتمد
على معاني مرسلة ولكن لتحديد ما نحن على استعداد لفقدانه أو لربحه من التحولات الرقمية
التي نوظفها .
لقد تم طرح سؤال
الأدب الرقمي منذ الخمسينيات من القرن الماضي ولم يتم إنتاج هذا الأدب من خلال
الآيباد ( لا أحد يشك في ذلك لكن فيليب بوتز قد ألح في كثير من الأحيان على هذه
النقطة) التي عرفت لعدة عقود حيوية ممتعة تمت تغطيتها جزئيا من خلال بعض الفئات نذكر
منها على الخصوص:
الأدب التوليدي: يعتمد على خوارزميات لتوليد النصوص
عشوائياً (جان بيير بالب) والجمع بينها على المستوى البويتيقي الشعري أو إدراجها
في تجربة ما. بخلاف الأعمال التركيبية المطبوعة والتي تجعل أدوارها مرئية دائمًا ،
فإن الأعمال المركبة المعلوماتية مليئة بالألغاز لأنها تخفي عن قرائها العوامل
التي تحركها . إن هذا الأدب الذي يعود أصله إلى جماعة أوليبو Oulipo قد عانى من الصحافة
السيئة والنقد الجائر. وبالتالي فقد اعتبر بورخيس أنه "كان من الأسهل التفكير
أو النظم أكثر
من اللجوء إلى هذه الأساليب المصطنعة والمؤلمة."
النص التشعبي
والوسائط التشعبية:
النص التشعبي
عبارة عن بنية لتنظيم المعلومات النصية أي " مجموعة عقد مرتبطة بعضها ببعض عن
طريق الروابط التي تندرج ضمن جزء من التقليد الأدبي الداعي إلى تفكيك السرد من
خلال تكليف القارئ بمهمة بناء الخطاب الذي سيقرؤه عبر إبحاره الشبكي . بمعنى أن
النص التشعبي هو الأداة التي تجعل الوصول إلى "ثمرة الرقمية" شيئا ممكنا
أي هي عملية الاستخدام. في حين أن الوسائط التشعبية تقوم بنفس الشيء ولكنها تضاعف
من تسخير الوسائط (فيديو مثلا) لنفس الغرض.
وبالرغم من
تحقيق تميزه الخاص إلا أن النص التشعبي يعتبر اليوم نوعا من "المتخيل
المتجاوز على مستوى تكنولوجيا المستقبل وكما عبر عن ذلك أيضا روني أوديت الذي ثمن
نقطة التحول هذه وتباهى بمجموعة من الأعمال التي أنجزها فرانسوا بون هذا الكاتب المعروف
باهتمامه القليل بعلاقة المؤلف / القارئ.
القصيدة
المتحركة :
تم إبداع
القصيدة المتحركة في فرنسا سنة 1985 و"القصيدة المتحركة هي تعميم للأدب
المتحرك: حيث يمكن للعلامات المستعملة أن تأتي من رموز مختلفة (لغوية ، موسيقية ،
تصويرية ، فيديو.. إلخ) وحيث السرد لا يحتل سوى مكانة ثانوية ".
في شعره البصري كشف
يورج برينجر عن الصورة الموجودة في أي نص أي الخصائص المادية بما في ذلك الحروف
الحية والنشيطة. وبالتالي فإننا نشهد نوعا من التوتر بين كيفية وجود الكائن
(قابليته) وهويته المستديمة مما يسمح لنا بالتعرف عليه. هذا الضيق الوجودي خاص
بالشعر الرقمي.
يتم تعريف الأدب
الرقمي أكثر فأكثر على أنه تقاطع تياران: التجربة المرتبطة بأدب الوسائط الفائقة
والتحويل الرقمي للأدب التقليدي […] يبدو أن تلقي [إنتاج الوسائط التشعبية] سواء
كان سيئًا أو نادرًا قد دفع بعض المبدعين إلى العودة إلى الحضن الأدبي بوضع
التفكير في إمكانات النص في أفق الانتظار الذي لن يتم بناؤه كليا ". (فرانسوا
بون)
وهكذا فإن خط
التقارب والمشاركة - الذي لا أؤمن به - سينفذ بين أدب ذي جوهر رقمي وأدب معاصر لا
يُكتب إلا من خلال الأسانيد / الأجهزة الرقمية من دون التفكير في شروط إنتاجه.
Peut-on reconnaître la littérature numérique ? par Marc Jahjah
0 التعليقات:
إرسال تعليق