نستعيد من خلال نشر هذا الملف الهام جدا آراء عديد من الإعلاميين والمثقفين حول رأيهم في مستقبل الملاحق والمجلات الثقافية الورقية في ظل انتشار الوسائط الإلكترونية وإلى أي حد استطاع هذا الوسيط التقليدي الصمود في وجه اكتساح الوسيط الرقمي وبالتالي كيف نرى اليوم هذا التحول بعيون هؤلاء المستجوبين.
تقديم عبده حقي
اليوم مع الأديب المغربي الدكتور عبدالعالي بوطيب
الملاحق الثقافية الورقية و الرقمية تكامل أم تنازع ؟عبد العالي بوطيب باحث وناقد
لاشك أن ملاحق الجرائد الورقية ، كانت و ما زالت ، تلعب دورا رائدا
في تنشيط الحركة الثقافية ، الوطنية و الدولية ، سواء من خلال التعريف الدائم و
المستمر بأهم الإصدارات و أحدثها ، العربية منها و الأجنبية، في مختلف المجالات
المعرفية، أو من خلال نشر الدراسات و المتابعات النقدية المواكبة لها ، و ما إلى
ذلك من إنجازات ثقافية متنوعة، تشهد جميعها على أهمية دور هذه الوسيلة التواصلية و
مكانتها ، لدرجة أصبحت معها بمثابة قوة تقريرية حاسمة في تشكيل الذائقة الثقافية و
الإبداعية و توجيهها ، كما أصبحت في الوقت ذاته مجالا خصبا لاكتشاف المواهب و
الأقلام الواعدة الجديدة و احتضانها .
كل ذلك كان طبعا قبل اكتشاف الوسائط الجديدة ،
بنوعيها الإلكتروني و الرقمي، و بإمكاناتها التواصلية المتطورة ، جعلت منها في نظر
الكثير من المثقفين و المهتمين ، بما فيهم بعض مسئولي هذه المنابر أنفسهم ، منافسا
قويا للملاحق الثقافية الورقية، لدرجة دفعت الكثير منهم لمراجعة سياساتهم القديمة
، فسابقوا الزمن باستصدار نسخ إلكترونية موازية لملاحقهم الورقية ، كما هو الحال
عندنا بالمغرب بالنسبة لجريدتي ( العلم ) و ( الإتحاد الاشتراكي) على سبيل المثال
لا الحصر، مما يؤكد ، إن كان الأمر يحتاج طبعا لتأكيد ، جدية المنافسة التي تفرضها
الوسائط التواصلية الجديدة ، على المطبوعات الورقية بصفة عامة ، و الملاحق
الثقافية على وجه التحديد .
فهل معنى هذا أن هذه الملاحق الورقية ستختفي
تماما ، في المستقبل القريب أو البعيد ، من الساحة الثقافية ، لتترك مكانها
للملاحق الإلكترونية و الرقمية ، كما يروج لذلك البعض ؟. لا أعتقد ذلك ، لسببين
اثنين :
الأول موضوعي عام ، يتعلق أساسا بنوعية العلاقة
الوظيفية التكاملية المفروض قيامها بين مختلف الوسائط التواصلية ، على اختلاف
طبيعتها و مؤهلاتها و أزمنتها ، كما تؤكد ذلك الدلائل و القرائن التاريخية و
العلمية المتوفرة ، بحيث لم نسجل ، على امتداد تاريخ الإنسانية الطويل ، أي تنازع
وظيفي بين وسيلة تواصلية و أخرى ، أيا كانت طبيعتها و درجة كفاءتها . ما دام لكل
وسيلة وظائف تواصلية محددة ، ملائمة و مناسبة لمقوماتها النوعية الخاصة ، التي لا
يمكن بالتالي أن تنازعها فيها وسيلة ( أو وسائل ) أخرى ، مهما بلغت مؤهلاتها.
ناهيك طبعا عن أن مبدأ الابتكار في هذا المجال
، كما في غيره، يقوم أساسا ، كما يعلم الجميع ، على قاعدة توسيع الإمكانيات
التواصلية القديمة و تطويرها ، بما يتلاءم و حاجيات و متطلبات العصر، لا على إعادة
استنساخها حرفيا بوسائل جديدة ، تفاديا لما قد يتولد عن ذلك من نتائج سلبية وخيمة
يفقد معها الابتكار قيمته الوظيفية الحقيقية ليصبح مجرد إضاعة للوقت و الجهد دون
فائدة تذكر ، ما دام لا يضيف شيئا جديدا لما هو موجود سلفا ، كما تقتضي ذلك
القواعد العلمية : ( فما من داع يكون الدافع للإنسان إلى اختراع شيء ما ، إلا
الاحتياج إليه ، و إلا الافتقار إلى تميز و رقي و جودة خدماته)( د/ صالحة رحوني :
النشر الرقمي في المجال الأدبي ، مجلة مجرة ، العدد : 19، صفحة : 13).
لذلك كله ، أعتقد ، اعتقادا جازما ، أن العلاقة
الوظيفية بين مختلف الوسائط التواصلية ، القديمة منها و الجديدة، و خلافا لما
يعتقده الكثيرون ، علاقة تكاملية بالأساس ، و ليست تنازعية،
و عليه ، لا يمكن ، بأي حال من الأحوال ،
لوسيلة ( أي وسيلة) مهما بلغت إمكانياتها التواصلية ، أن تلغي أخرى نهائيا ، لتقوم
مقامها ، و أن ما قد يبدو كذلك ظاهريا ، لدى مناصري هذه الوسيلة أو تلك ، لا يعدو
أن يكون مجرد سوء تقدير لحقيقة طبيعة كل وسيلة في ارتباطها بإمكانياتها الوظيفية
الخاصة، مقارنة طبعا بباقي الوسائل التواصلية الأخرى ، لا أقل و لا أكثر.
و إن كان هذا لا يحول مستقبلا دون إعادة ترتيب
أوراق هذه العلاقة الشائكة و الملتبسة بين مختلف هذه الوسائل ، و تحديد مهام كل
واحدة منها على ضوء مهام الوسائل الأخرى ، في انسجام و تناغم تامين، تفاديا لما قد
يفضي إليه هذا التنافس المغلوط ، حول زعامة وهمية ، من نتائج سلبية مدمرة ، من
شأنها الزيادة في تأزيم وضعية الكتابة و القراءة ، الورقية منها و الإلكترونية ،
أكثر مما هي عليه الآن.
و الثاني وطني خاص يهم نسبة الأمية العالية
المتفشية عندنا ، كما عند غيرنا من دول العالم الثالث، لدرجة تكاد تصل الخمسين في
المائة عند الذكور ، و أكثر منها بكثير عند الإناث، لم نستطع محاربتها ، و لا
التقليل من حدة تفاقمها ، رغم الجهود و البرامج المتتالية المرصودة لهذا الغرض منذ
حصولنا على الاستقلال إلى اليوم ، و التي تعتبر ، في نظر الكثيرين ، من بين أهم
عوائق تنميتنا البشرية و الاجتماعية. و ما الأزمة المستعصية التي تتخبط فيها
القراءة عموما سوى إحدى تجلياتها الخطيرة.
و عليه ، إذا كان الأمر على هذه الدرجة من
التردي بالنسبة للمطبوعات الورقية عامة، بما فيها الملاحق الثقافية طبعا، فكيف
سيكون حال و مستقبل الكتابات الإلكترونية و الرقمية ، و هي التي ، كما يعلم الجميع
، تحتاج لازدهارها و انتشارها ، معرفة مركبة ، لغوية و معلوماتية، تفصلنا عنها في
المغرب ، كباقي الدول المتخلفة ، سنوات ضوئية طويلة.
كما أننا إذا كنا قد عجزنا ، طوال أكثر من نصف
قرن من الزمن ، عن تخطي عائق الأمية اللغوية ، فكم سيلزمنا من الوقت ، إذن ،
لتجاوز عائق أمية مزدوجة ، لغوية و إلكترونية ؟ هذا مع استبعاد باقي العوائق
الأخرى ، و المادية منها على وجه الخصوص.
لهذين السببين ، و غيرهما كثير، أعتقد ، و أرجو
أن أكون مخطئا في هذا الاعتقاد ، أن الحديث عن مسألة المنافسة ، مغربيا و عربيا ،
بين الملاحق الثقافية الورقية و نظيراتها الإلكترونية ، مسألة يعمها الكثير من
الخلط ، و ربما سابقة لأوانها ، لاعتبارات عديدة من أهمها و أبرزها على الإطلاق
معالجة أزمة القراءة في بعدها العام، بغض النظر عن نوعية المقروء ، أهو ورقي أم
رقمي ، قبل الدخول في تفاصيل مناقشة راهن و مستقبل حصة كل وسيلة منها .
أما الآن ، و في ظل ما تعرفه القراءة عموما من
أزمة مستعصية ، فإن أقصى ما ينبغي طرحه و مناقشته ، هو كيفية تضافر جهود مختلف
الوسائط ، القديمة منها و الجديدة ، الورقية و الإلكترونية ، للخروج منها ، بغض
النظر طبعا عن كل حسابات ضيقة تقوم أساسا على معادلة الربح و الخسارة ، الانتصار و
الهزيمة ، و لا شيء غير ذلك .
0 التعليقات:
إرسال تعليق