الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أكتوبر 27، 2023

قصة قصيرة "حفيد في قفص" عبده حقي


عثرت على لوحة محيرة ومؤثرة في نفس الوقت، وهي عبارة عن مشهد من العواطف والرمزية الغامضة. لقد كانت قصة محفورة في الأثير، رحلة مجردة إلى أعماق التجربة الإنسانية.

وفي هذا المخيط الذهني النابض بالحياة، وجدت نفسي منجذبًا إلى مشهد كئيب: حفيد مسجون، معلق في فراغ شاسع من الفضاء. القفص، ليس من الفولاذ أو الحديد، بل من الذكريات والأحلام التي لم تتحقق، حبس الروح الشابة في رقصة غامضة من الظلال والضوء.

كان القفص عبارة عن فسيفساء من الأنماط والألوان المعقدة، وأجزاء من واقع ممزق. كانت تحمل أصداء الضحكات المنسية وهمسات الرغبات غير المعلنة. وبينما كنت أراقب هذه اللوحة المحيرة، أدركت أن سجن الحفيد لم يكن جسديًا، بل كان مظهرًا من مظاهر نفسيته، ورمزًا للقيود التي ربطته طوال حياته.

كانت عيناه نافذتين لروح مضطربة، وكانت تتحدث عن قصص لم تُحكى بعد ومصائر لم تتحقق. لقد حملا انعكاسًا لآلاف الكلمات غير المنطوقة، وكوكبة من المشاعر المجهولة. الحفيد، المحاصر داخل شبكة عقله، ناضل من أجل التحرر، وتجاوز حدود القفص الذي فرضه على نفسه.

ومن حوله، رقصت مجموعة من الورود في تناغم مروع.

المخلوقات الوهمية، كل جانب من جوانب اضطرابه الداخلي، تهمس بأسرار ذكريات منسية منذ زمن طويل وأحلام نصف متذكرة. لقد نسجوا من المشاعر المجردة التي تحدت العقلانية، ورسموا لوحة وجوده بضربات حية من اليأس والأمل، والفوضى والصفاء.

كانت رحلة الحفيد عبر هذا المشهد التجريدي بمثابة رحلة من المفارقات، رحلة للوجود والشوق. كان يتنقل بين قضبان قفصه الوهمي، تارة برشاقة وتارة بكفاح، ساعيًا إلى فك خيوط ماضيه وكشف لغز مستقبله.

عندما لاحظت هذا المشهد الغامض، أصبح من الواضح أن قفص الحفيد لم يكن سجنا بل بوتقة، ومساحة للتحول. لقد كان وعاءً تم فيه تحويل المواد الخام لتجاربه إلى ذهب اكتشاف الذات. لقد أبحر في متاهة عقله، وتخلص من ثقل ندم الماضي واحتضن الإمكانيات الأثيرية للحاضر.

كانت رحلة الحفيد بمثابة قصيدة لمرونة الروح الإنسانية وقدرتها على التجديد. لقد كانت شهادة على قوة العقل في الخلق والتدمير والربط والتحرير. وفي نسيج وجوده التجريدي والسريالي، وجد الجمال في الفوضى والشعر في النثر.

0 التعليقات: