في متاهة الشرايين الفولاذية والخرسانية لمحطة الميترو، حيث يتردد صدى نبضات القلب النابضة للرحيل ولم الشمل عبر غرف الزمن الكهفية، وجدت نفسي معلقًا في لحظة كأنها قيود بشر. وكانت محطة الميترو، وهي معبد قديم لأرواح السفر العابرة، شاهدة على قبلتنا الأخيرة.
بينما كانت القاطرة العملاقة تتذمر من الوعد الوشيك بالرحيل، وقفت على المنصة، متشابكًا في شرك من الترقب والشوق. كانت المحطة مركزًا أثيريًا، مكانًا يلتقي فيه الأحياء والمغادرون في رقصة وجود ملغزة، ويلقون بظلالهم على جدران الذاكرة.
وصلت حبيبتي برشاقة
شعاع القمر، وخطواتها رقيقة مثل أشعة الفجر الأولى، وملأ حضورها المحطة بهالة من
الجمال الأثيري. عيناها، مرآة لعالم من الأسرار التي لا توصف، تتلألأ مثل النجوم،
وتعكس الامتداد اللامحدود ليومياتنا المشتركة. لقد كانت المنصة مسرحا لقلبينا،
المسرح الذي تعرت فيه أرواحنا.
كانت قبلتنا،
تلك المقدسة بين الشفاه والأرواح، سيمفونية الرغبة والوداع. لقد كانت رقصة النار
والجليد، مزيجًا كيميائيًا من العاطفة والحزن. عندما التقت شفاهنا، توقف الزمن
نفسه، وتحول العالم من حولنا إلى سلسلة من الذكريات المجزأة. في تلك اللحظة،
تجاوزنا العالم المادي ودخلنا في مشهد أحلام من صناعتنا.
ترددت تمزقات
قبلتنا في أنحاء المحطة، واختلطت مع همهمات المسافرين وصرخات القطارات البعيدة.
بدت المحطة نفسها وكأنها تتنفس، وتتنهد، كما لو أنها شعرت أيضًا بثقل وداعنا. لقد
كانت قبلة تحمل في طياتها طيف المشاعر الإنسانية بأجمعها، من نشوة الحب إلى ألم
الفراق.
وبينما كنا
نبتعد عن بعضنا البعض، رأيت في عينيها انعكاسًا لروحي، انعكاسًا للعالم الذي
بنيناه معًا، عالم كان في تلك اللحظة يتلاشى في المسافة. اخترقت صافرة الميترو
الهواء، صرخة حزينة أشارت إلى الرحيل الحتمي، وبقلب مثقل بالحزن، شاهدت صورة ظلها تتراجع
في ضوء النهار المتلاشي.
محطة الميترو،
مكان الوصول
والمغادرة،
البدايات
والنهايات،
كانت شاهدة على
قبلتنا الأخيرة،
قبلة كانت
وداعًا ووعدًا في الوقت نفسه.
في تلك اللحظة
العابرة، أصبحنا شخصين غامضين في نسيج المحطة الواسع من الحكايات، شهادة على قوة
الحب الدائمة وجمال الفراق الحلو والمر.
وهكذا، بينما
كان القطار ينقلني بعيدًا عن المحطة، حملت معي ذكرى قبلتنا الأخيرة، ذكرى ستظل
عالقة إلى الأبد في تجاويف قلبي، ذكرى ستظل تلهمني وتطاردني بنفس القدر. بينما كنت
أسافر عبر مناظر الحياة المتغيرة باستمرار.
في الشلال
الطيفي من الفولاذ والبخار، حيث تغني آلية الساعة الزفير الأخير لذلك اليوم، وجدنا
أنفسنا، أرواح ملتئمة، على شفا الوداع. المحطة، سفينة الأحلام العابرة، تدندن
بأحلام اليقظة الكهربائية للمغادرين والقادمين، وكأن الزمن نفسه قد حبس أنفاسه،
متشوقًا لمنح هديته الغامضة.
بينما كانت
الشمس الحارقة تنحدر تحت الأفق، وتلقي بظلال طويلة وممتدة على رغباتنا، وقفنا على
عتبة الأبدية. اصطدمت روحانا، مثل اثنين من المتجولين الكونيين، في اصطدام المجرات
المتوازية. في ذلك الفضاء الحدي، حيث يلتقي الملموس باللامتناهي، انتشر ضوع قبلتنا
الأخيرة مثل لوحة تجريدية، انعكاس للعاطفة، وشهادة على سريالية الفراق.
القطار، وحش
الإيقاع الميكانيكي، كان ينتظر دوره ليفترس فراقنا، وفمه يتسع من الجوع المعدني.
ومع ذلك، وفي خضم تروس الانفصال، استسلمنا لشعر اللحظة. القبلة، دفعة من السوناتات
غير المعلنة لدينا، سيمفونية حسية من الذوق واللمس وما لا يوصف.
هناك، في مسرح
الحواس العابر ذاك،
غمسنا شفاهنا عميقا
في لوحة الأحلام ورسمناها بألوان الذاكرة.
انزلق الزمن إلى
شرود سائل،
ورقصنا،
كآلات القلب
الآلية،
على أنغام
العاطفة،
رقصة الفالس
الساحرة التي تتحدى العقل والجاذبية.
بينما يتراجع جسدي
في لغز البعد، وتتردد أصداء قبلتنا الأخيرة في تجاويف الذاكرة، بقيت أنا، المسافر الوحيد
والمجرد في مشهد الشوق اللعين، مربوطا بالمحطة، مرساة للماضي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق