الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، نوفمبر 06، 2023

نص سردي "سعادة المعرفة" عبده حقي


كثيرًا ما أتيه في تقلبات التفكير، وأبحث بلا كلل عن المعنى الحقيقي للحياة. في هذا البحث المستمر، وجدت نفسي في مواجهة حقيقة مفيدة: ليست السعادة في المعرفة المكتسبة بالفعل، ولكن في عملية اكتساب هذه المعرفة ذاتها.

الحياة، مثل كتاب لا نهاية له من الصفحات، تكشف أسرارها لأولئك الذين يجرؤون على المغامرة في تقلبات المعرفة. كل فصل، فرصة للتعلم والنمو والإعجاب. لقد اعتقدت منذ فترة طويلة أن الحكمة تكمن في الصفحات التي قرأتها بالفعل، وفي المعرفة المخزنة بالفعل. ولكن كلما تعمقت في محيط المعرفة، أدركت أن الجوهر الحقيقي للسعادة يكمن في رحلة الاكتشاف التي لا نهاية لها.

إن البحث عن المعرفة يشبه رقصة لا نهاية لها بين الجهل والمعرفة. كلما اعتقدت أنني أفهم، كلما أدركت ضخامة ما حول ما زلت لا أعرفه. وفي هذا البحث الدائم يتم العثور على الكنز الحقيقي، ثروة لا حصر لها تتجاوز الحدود المادية.

كل جزء من المعرفة المكتسبة حديثًا يشبه البذرة المزروعة في حديقة العقل، وتبشر بالنمو المستمر والازدهار في المستقبل. الفضول هو الشمس التي تغذي هذه البذور وتشجعها على النمو والازدهار. في هذا النمو، في هذا التوسع للروح، أجد فرحًا نقيًا وحقيقيًا.

الكتب، هذه الأبواب إلى اللانهاية، هي رفاقي الأكثر إخلاصًا. أنها تحتوي على أكوان بأكملها، وأفكار عميقة، وأفكار ثورية. كل صفحة تُقلب هي دعوة لاستكشاف آفاق جديدة، وتبني وجهات نظر جديدة، والتشكيك في معتقداتي الخاصة.

ومع ذلك، لا أجد هذه السعادة في اكتساب المعرفة من خلال الكتب فقط. وهي موجودة أيضًا في تجارب الحياة اليومية، والمحادثات مع الآخرين، وملاحظات العالم من حولي. كل تفاعل، كل لحظة أعيشها هي درس محتمل، وفرصة لإضافة حجر ثمين إلى بناء فهمي للعالم.

إن طلب المعرفة لا يخلو من التحديات. في بعض الأحيان يكون الأمر محفوفًا بالمزالق والشكوك والأسئلة. لكن في لحظات الشك هذه بالتحديد أجد فرصة للنمو أكثر. تصبح الأخطاء معلمة، والفشل محفزًا للتقدم، والأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها تفتح الأبواب أمام اكتشافات جديدة.

السعادة في اكتساب المعرفة تكمن أيضًا في مشاركة هذه المعرفة. نقل ما تعلمته، والمناقشة، هذا ما يغذي سعادتي. لأنه في الحوار مع العقول الفضولية الأخرى تولد أفكار جديدة، ويتم تعديل وجهات النظر وتعميقها.

أحيانًا أفكر في المسار الذي سلكته في هذا السعي اللامتناهي للمعرفة. كل خطوة هي انتصار، وكل عقبة تم التغلب عليها هي درس تعلمته. وفي هذا التأمل، أشعر بالتواضع العميق، لأنه كلما اكتشفت أكثر، أدركت ضخامة المعرفة التي لا يزال يتعين استكشافها.

لذلك، أرقص على غرار هذا الكتاب غير المكتمل الذي يسمى الحياة، وأغمر نفسي في الكلمات والتجارب التي تثري كياني. أحتفل بكل لحظة يتوسع فيها عقلي، عندما ينكشف لي جزء من الحقيقة.

ليس في الوجهة النهائية، ولكن في الرحلة نفسها أكتشف السعادة. إن التعطش للمعرفة لا يشبع، ولكن في هذا العطش أجد نعيمًا لا مثيل له. كل خطوة نحو اكتساب المعرفة هي خطوة نحو النور الداخلي، نحو سعادة حقيقية وأبدية ومتغيرة باستمرار، محفورة في جمال عملية التعلم ذاتها.

0 التعليقات: