الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 18، 2023

أقتفي خطواتي : عبده حقي

 


سأدع الظلام يتسع، ممرًا لا نهائيًا ينثني فيه السطح كورقة مجعدة، ويبقى الباب مفتوحًا، بوابة إلى أبعاد غير متوقعة.

الريح، هذا الرسول غير المرئي، سوف تهمس بالألغاز المنسية، وتتتبع تيارات تشبه الحلم عبر طي النسيان في الوجود.

هذا الباب، شرخ في نسيج المعلوم، دعوة لاختراق الكون دون عائق، حيث لا نغلق كتاب العجب أبدًا.

سافري يا خطواتي إلى نسيان الروابط الأرضية، واتركي خلفك حضن الأرض. خذي الدروب التي تتحول إلى سلالم ، لأن المنحدرات هي أعالي متخفية، سلالم إلى المجهول. سترشدك النجوم في صعودك، وترقص اليراعات على إيقاع لحن صامت.

رافقيني خطواتي يا من تتقدمين دائمًا، تائهين بالضرورة، فخلفك تتلاشى أصداء الماضي. لم يبق شيء، كل شيء معروض في أفق العدم، لأنه لم تعد هناك أرض تسند عليها ظهرك المتعب. أمامنا، كل شيء وعد، مشهد جديد يتشكل، لوحة لا حدود لها ، فجر غير متوقع.

الألوان، المنتظرة في غرفة انتظار الزمن، انفجرت مع انتهاء المطر، لتكشف عن روعتها الكامنة. إنهم ينتشرون مثل رشقات نارية من قوس قزح، ويرسمون لوحة العالم بلوحة ألوان لا نهائية. يبدأ نسيج الكون بالرقص، تحركه قوى غير مرئية، كل طية وطية همسة للكون.

تتلاشى الحدود، وتتلاشى الخطوط، وينزلق الواقع كالرمل بين الأصابع. تفسح القوانين المعروفة المجال أمام تصميم رقصات غريب، وهي رقصة كونية حيث يتشابك الزمان والمكان في احتضان غامض. تتذبذب المفاهيم، وتتلاشى اليقينيات، ويصبح السخافة هي الحقيقة الوحيدة.

الأبواب مفتوحة لعوالم غير مستكشفة، وممرات سرية في متاهة الكون. تمتزج الطاقات، وتتراقص الجزيئات، وتتحول المادة إلى حلم. تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، مما يخلق مشهدًا سرياليًا حيث تصبح كل فكرة شهابًا.

يتدفق اللانهائي إلى المحدود، وترقص الأبدية مع اللحظة، وتصبح كل لحظة أبدية معلقة. تزهر المفارقات كالورود في حديقة لا حدود لها، ويذبل المنطق أمام عبثية الوجود المثمرة. تتعثر اللغة بكلمات بلا شكل، وجمل بلا مضمون، ويمتد الشعر كالظل اللامتناهي.

أترك الباب مفتوحًا، صدعًا في الواقع، بوابة إلى ما لا يوصف. تتدفق الأحلام كأنهار من الضوء، تحمل في تيارها الأثيري الأوهام. تهمس النجوم بأسرار منسية، وتحمل الريح شظايا من القصص التي لم تُحكى. تصبح العتبة حدودًا غير واضحة، وسطًا حيث كل شيء ممكن، وحيث يصبح المستحيل ملموسًا.

اذهب، خطواتي، في متاهة الألغاز هذه، حيث كل دورة تخفي لغزًا، حيث كل خطوة يتردد صداها مثل نبض قلب كوني. انسَ خطورة الحقائق المعروفة، وارقص على خطوط الاحتمال، ودع الأبراج تقود مصيرك. المغامرة دعوة، مغامرة بلا وجهة، حيث الرحلة هي الهدف الوحيد.

وفي هذه الرقصة مع عدم اليقين، نتقدم للأمام، محمولين بأجنحة المراوغة. لأنه في هذا العالم اللامحدود، لم يعد هناك المزيد من نقاط الدعم، ولا مزيد من اليقين الذي يمكن التشبث به. كل شيء هو حركة، كل شيء تدفق، ونحن مسافرون سريعو الزوال، أرواح تتجول في باليه الوجود العظيم.

تستمر ألوان الكون في رقصتها اللانهائية، في زوبعة من الألوان غير المتوقعة. تؤلف أصوات الكون سيمفونية صامتة، وتختلط الطاقات في حضن كوني. كل لحظة هي لوحة بيضاء، جاهزة للرسم بفرش الخيال.

فلنتقدم، خطواتي، نحو المجهول الذي ينادينا، نحو النجوم التي تغني الألحان المنسية. حيث يلتقي المعلوم والمجهول، حيث تتلاشى الحدود، وحيث يصبح الشعر اللغة العالمية. لأنه في هذا العالم السريالي، كل كلمة هي نجمة، وكل فكرة هي مجرة، وكل حلم هو باب إلى اللانهاية.

0 التعليقات: