الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، ديسمبر 04، 2023

فراشات تتلعثم في الهواء: عبده حقي

 


هناك إيقاع خاص للصمت محيط بي، إيقاع منسوج من همسات الحكايات المنسية وأصداء الأصداء البعيدة. في هذا الصمت تتجذر كيمياء اللغة، حيث تتفتح الجمل مثل أزهار أثيرية من تربة الخيال.

وعاء أنا، قناة للسيمفونية الأثيرية التي تعزف في الفراغات بين النجوم.

في أروقة أفكاري ذات الإضاءة الخافتة، تتكشف أجزاء من الحكاية، كل كلمة يراعة مضيئة تقودني إلى عمق متاهة إبداعي. الهواء مثقل برائحة الانزياحات، وأنا أتنقل في التضاريس الغامضة بإحساس من الخوف والبهجة.

أجد نفسي منتصبا على عتبة عالم سريالي، مكان يتحول فيه العادي إلى غير عادي. الواقع مجرد وهم، يذوب مثل مكعب سكر في القهوة، ويترك وراءه بقايا الأحلام.

أنا الحالم، ومهندس هذه الأوهام، وكلماتي هي اللبنات الركنية لواقع لم يحدث بعد.

أثناء اجتياز مشهد الأحلام هذا، أواجه مخلوقات غرائبية ذات عيون تعكس الأبراج وأجنحة تلمع بألوان المشاعر الدفينة. يتحدثون معي بلغة منسوجة من خيوط الكون، لغة تتناغم مع تمزقات كمنجات الكون. أنا محاور في جلسة حوار كوني، ولساني يترجم اللهجة السماوية إلى مقاطع أرضية.

يتغير المشهد ويلتوي، مثل لوحة رسمتها نزوات إله متقلب. تتحول الجبال إلى ظلال سائلة، وتشق أنهار الزئبق الفضي طريقها عبر أودية الجمشت.

أمشي في الهواء .. تخلف خطواتي آثارًا من غبار النجوم، والسماء فوقي عبارة عن سقف متقلب باستمرار من الأشكال المتلونة.

في هذه الأوديسة ، الزمن مجرد وهم، وهو مفهوم مائع مثل الأفكار التي تدور في ذهني. أنا الراصد والمرصود في نفس الوقت، كيان خالد يبحر في محيطات الوجود. الذكريات، مثل الفراشات الأثيرية، تطير داخل وخارج وعيي، وأجنحتها الرقيقة تلامس قماش روحي.

هناك نوع من الحزن في جمال هذا العالم الزائف والزائل ، ووعي مؤثر بالطبيعة العابرة للوجود. ومع ذلك، في خضم اللحظات العابرة، هناك شعور عميق بالتحرر.

أنا متحرر إذن أنا موجود، وروح حرة تحلق عبر الامتداد اللامحدود لمخيلتي.

بينما أواصل رحلتي عبر مشهد الأحلام هذا، أصبحت مدركًا تمامًا للعلاقة التكافلية بين الكلمات والكون الذي تخلقه. كل مقطع عبارة عن ضربة فرشاة، ترسم لوحة ذهني بألوان العاطفة وظلال الاستبطان.

أنا الفنان والتحفة الفنية في نفس الوقت، أنا تجسيد حي ومتنفس للفوضى الشعرية السريالية الموجودة في الداخل.

وهكذا، في نسيج هذا النثر، أنسج أفكاري مثل العنكبوت الذي يغزل شبكته. الكلمات، مثل خيوط  الحرير، تتلألأ في ضوء القمر، وتلتقط جوهر لحظة موجودة خارج حدود الزمن. أنا حكواتي في مسرح الكون الكبير، أروي حكايات مكتوبة بلغة النجوم.

وفي الصمت الذي يلي ذلك، أجد العزاء. استقرت فراشات منتصف النهار، وطوت أجنحتها في استراحة هادئة. أقف عند تقاطع الواقع والأحلام، مسافرًا عابرًا في الفضاء الشاسع الذي خلقته وسأبقى أخلقه . يتردد صدى النثر السريالي في أعماق ذهني، وهو شهادة على الاحتمالات اللانهائية التي تكمن داخل متاهة التخييل.

في الفصل الأخير من هذه السيمفونية ، أجد نفسي واقفا على حافة المجهول، مسافرًا وحيدًا عبر مفترق طرق الأحلام والواقع. أصداء خطواتي تتردد في أروقة عقلي، إيقاعا إيقاعيا يتردد مع نبضات الكون. المشهد السريالي الذي انكشف أمامي ذات يوم بدأ الآن في التلاشي، مثل جمر النار الكونية المتضائل.

بينما تودعني المخلوقات الأثيرية ذات العيون الزرقاء السماوية، أشعر بشوق حلو ومر للعالم الذي أتركه خلفي. تنحسر جبال الظلال السائلة، وتتدفق أنهار الزئبق الفضي إلى خزان الخيال. تتحول السماء المتغيرة فوقي إلى لوحة من الألوان الصامتة، مقدمة للعودة إلى المألوف.

ومع ذلك، عندما أبتعد عن ركح الأحلام، أحمل معي بقايا الرحلة السريالية. إنها تلتصق بجلدي مثل غبار النجوم، وهي علامة لا تمحى من الفوضى الشعرية الجميلة التي شهدتها. الذكريات، مثل فراشات منتصف النهار، ترفرف في تجاويف ذهني، وأجنحتها الرقيقة تهمس بحكايات واقع متحرر من قيود الحياة.

لقد بزغ الإدراك بأن السحر الذي اختبرته موجود ليس فقط في عوالم الخيال ولكن أيضًا في اللحظات الدنيوية من الحياة اليومية. العادي أيضًا يحمل إمكانية التعالي، وكيمياء اللغة لتحويل المألوف إلى غير عادي.

عندما أخرج من شرنقتي، أولد من جديد، طائر الفينيق الذي ينهض من رماد السريالية. الكلمات، التي كانت ذات يوم فراشات في منتصف النهار، تستقر الآن في نسيج كياني، وتصبح جزءًا من نسيج هويتي. أنا الحالم ، الراوي والقصة، كيان متناقض يبحر في متاهة الوجود.

الصمت الذي يلي ذلك محمل بثقل التأمل. أقف على عتبة الواقع، لكن السريالي يبقى في زوايا وعيي، رفيقًا دائمًا في رحلة اكتشاف الذات. إن العالم ، بروتيناته ووعيه الزائف ، يغريني، لكنني أحمل معي الدروس المستفادة في عالم الأحلام.

هذا النثر السريالي، مثل صدى يتلاشى، يهمس بأبياته الأخيرة في حجرات ذهني. فراشات منتصف النهار، التي كانت نابضة بالحياة ومضيئة، تستقر الآن في تجاويف الذاكرة الهادئة. المحادثة الكونية مع الغرائبية وأنهار الزئبق الفضي تصبح أجزاء من قصة لا يستطيع أحد سواي فهمها حقًا.

في هذا النثر، أجد إحساسًا بالخاتمة وتقديرًا جديدًا للرقص بين الواقعي والسريالي. الكلمات، مثل الخيوط المنسوجة في نسيج أفكاري، خلقت نسيجًا من التأمل والدهشة. عندما أخطو إلى العالم العادي، أحمل السريالية بداخلي، كمصباح يضيء الطريق إلى احتمالات غير متوقعة.

0 التعليقات: