الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أبريل 14، 2024

مكاشفات : (4) عبده حقي


61

أنا وعاء للأحلام المنسية، لوحة يرسم عليها البحر روائعه المروعة. العزاء الوحيد الذي أقدمه هو احتضان النسيان البارد، والتحرر من عذاب الأمل الذي لا نهاية له.

62

ربما، في أعماق يأسهم، يجدون عزاءً منحرفًا في فراغي. تأكيدًا للفراغ الذي يتردد صداه داخل نفوسهم. إنهم يرون في خرابي انعكاسًا لأحلامهم المحطمة، وتأكيدًا للفراغ المؤلم الذي يتفاقم في الداخل.

63

القمر، عين شاحبة غير مهتمة، يراقب من مكانه السماوي. لقد شهدت عددًا لا يحصى من هذه الأعمال الدرامية تتكشف على هذا المسرح المقفر. إنه لا يقدم أي حكم، ولا عزاء، فقط اللامبالاة الباردة لمراقب بعيد.

64

وهكذا، أقف، نصبًا تذكاريًا لعقم الأمل، وشهادة على قسوة البحر التي لا هوادة فيها. تنادي النوارس باسمي، نشيدًا حزينًا للضائعين، وتواصل الأمواج هجومها بلا هوادة. أنا المنارة المهجورة، هيكلٌ على الشاطئ، همسٌ في الريح.

65

تنغرز نغمة الفجر الحديدية من خلال فقدان ذاكرة النوم. صحوة عميقة، ليس لراحة السرير، بل لإيقاع العالم النابض الخام. أنا لست لحمًا وعظمًا، بل لوحة قماشية واسعة وممتدة مشدودة بأنفاس المحيط المضطربة. كل شروق شمس ولادة عنيفة، والشمس القرمزية ساطور جزار يشق عباءة الليل الحبرية.

66

الأفق، الذي كان ذات يوم قماشًا ضبابيًا من اللون الرمادي، ينفجر في سيمفونية من الألوان النازفة. يتحول المشمش إلى اللون البنفسجي

المكدوم، ثم يشتعل إلى برتقالي شرس يشعل النيران في السحاب. المحيط، مرآة لا تهدأ، يعكس الصراع السماوي، ويموج سطحه بملايين ضربات الفرشاة المتلألئة.

67

هذه ليست تحفة فنية تستحق الإعجاب، ولكنها عمل إبداعي بدائي، نهاية العالم اليومية التي تولد من جديد في النور. هل هو الجمال، هذا التمزيق المستمر لحجاب الليل؟ أم أنه تذكير وحشي بالطبيعة الزائلة لكل الأشياء؟

68

تتناثر الاحتمالات على القماش مثل الطلاء المتناثر. هل سيجلب اليوم بقايا الهياكل العظمية لحطام سفينة أخرى، كدليل على الأمل في غير محله؟ أم سيظهر شراع وحيد مرهق في الأفق، وميض من الحياة يتحدى جوع المحيط الذي لا هوادة فيه؟

69

أحبس أنفاسي، لوحة قماشية لا تستطيع التنفس، ومع ذلك تتوق إلى الإجابة بطريقة ما. الشمس، الفنانة السماوية المتوهجة وغير المبالية، تواصل تحفتها الوحشية. كل شروق الشمس هو التحدي والجرأة. هل يمكن للحياة، مهما كانت هشة، أن تجرؤ على رسم قصتها الخاصة على هذه اللوحة المتغيرة باستمرار؟

70

الجواب، مثل الأمواج المتماوجة أدناه، يظل بعيد المنال على الإطلاق. ومع ذلك، مع كل شروق شمس، يتجدد التحدي. ربما تكون هناك قطعة من الأمل لم تولد من وعد اليوم، بل من الجرأة المطلقة للخليقة نفسها. الأفق، ساحة معركة بين الضوء والظلام، يصبح لوحة من الاحتمالات، صرخة صامتة ضد هدير البحر الذي لا هوادة فيه.

71

وسط حجاب الضباب الذي غطى العالم بغطاء من عدم اليقين، سافرت للأمام، ولم تردع روحها الظلال التي رقصت على منظر أحلامها. ومن خلال ضباب الشك والارتباك الكثيف، وجدت الوضوح، ومنارة الضوء التي اخترقت الظلام وأضاءت الطريق أمامها.

72

ومع كل خطوة تخطوها، مسترشدة بيد غير مرئية، أصبح إيمانها بوصلتها، التي تقودها نحو شواطئ القدر. وعلى الرغم من أن الطريق ربما كان مليئًا بالعقبات والتجارب، إلا أنها واصلت المضي قدمًا، وعزمها لا يتزعزع، لأنها أدركت أن خلف الضباب يكمن وعد بآفاق جديدة وحقائق غير مكتشفة.

73

وفي عناق الإيمان، وجدت القوة لمواجهة التحديات التي كانت تنتظرها، لأنها عرفت أن في قلبها شعلة مشتعلة لا يمكن أن تنطفئ أبدًا. وبإصرار لا يتزعزع، مضت قدماً، واثقة في حكمة الكون التي سترشدها نحو هدفها.

74

وعندما بدأ الضباب يتبدد، وكشف عن المناظر الطبيعية بكل روعتها، وقفت في رهبة من الجمال الذي أحاط بها. ففي رحلتها عبر الضباب، لم تكتشف الطريق إلى وجهتها فحسب، بل اكتشفت أيضًا مرونة روحها.

75

وبوضوح جديد، قبلت الرحلة التي تنتظرها، مدركة أنه مع الإيمان كمرشد لها، يمكنها التغلب على أي عقبة تقف في طريقها. وبينما كانت تسير في ضوء فجر جديد، حملت معها حكمة الضباب، وهو تذكير بأنه حتى في أحلك الأوقات، فإن الإيمان لديه القدرة على إضاءة الطريق إلى الأمام.

76

صرير المنزل، سيمفونية تستقر فيها العظام، وأنا أصعد الدرج المحظور. خيوط العنكبوت، مثل المفروشات الطيفية، تلتصق بالهواء المغبر، كل خيط منها عبارة عن ذكرى متلألئة، منسية لكنها عنيدة. شريحة من الضوء المنسي، جاسوس سماوي، تخترق قلب العلية المنسي. هناك، تحت كفن من الزمن المنسي، تلمع كتلة غامضة - مشهد من أحلام الطفولة، مضغوط ومنتظر.

77

وصلت، مترددًا مثل الفراشة المنجذبة إلى الجمرة المحتضرة. يتمزق القماش، ويطلق سحابة من الذرات المتقزحة التي تتراقص مثل اليراعات المحاصرة في كرة ثلجية. كل ذرة، جزء من نفس منسية - ركبة مخدوشة، نكهة أيام الصيف الملوثة بالكلور، صدى صرخة معركة منتصرة في حرب استسلمت منذ فترة طويلة.

78

تحت الحجاب الممزق يوجد منظر طبيعي منحوت من مخلفات الذاكرة. وحيد القرن المحشو، الذي كان في السابق جوادًا نبيلًا، أصبح الآن نسيجًا مفرغًا من الأحلام الرثّة. مشهد، عالمه المكسور هو انعكاس متغير للوقت الذي يمكن فيه تحطيم الواقع وإعادة ترتيبه في لمح البصر. فنجان شاي متكسر، وعاء لعدد لا يحصى من حفلات الشاي الخيالية، حيث يتم مشاركة الأسرار الهامسة والتصريحات الكبرى مع رفاق غير مرئيين.

79

يدندن الهواء بلغة منسية، لهجة ضحكات وركب مخدوشة، ركب مخدوشة تنزف دموعاً منسية. أتتبع الخطوط الباهتة لكتاب التلوين، الكون المرسوم بالألوان الأساسية، حيث كانت الوحوش خضراء والسماء زرقاء مستحيلة.

80

العالم الذي أحمله بين يدي، نابض بالحياة ولا حدود له، يتقلص تحت نظرة الحاضر التي لا ترحم.

تابع


0 التعليقات: