الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يوليو 02، 2024

رهان المغرب على تحقيق السيادة في صناعة الحواسيب: عبده حقي


في السنوات الأخيرة، خطى المغرب خطوات كبيرة نحو تحقيق السيادة في صناعة الكمبيوتر. ويعد هذا الهدف الطموح جزءًا من استراتيجية أوسع لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار داخل البلاد. فما هي مختلف جوانب رحلة المغرب نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، وما الاستراتيجيات والتحديات والآثار المحتملة لهذا المسعى.

لقد ظلت الشركات الأجنبية تهيمن على المشهد التكنولوجي في المغرب. وقد أنشأت الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وجودًا قويًا في البلاد، حيث توفر البنية التحتية والخدمات الحيوية. لكن هذه التبعية جعلت المغرب عرضة للضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية. وإدراكًا لنقاط الضعف هذه، أطلقت الحكومة المغربية عدة مبادرات تهدف إلى بناء صناعة كمبيوتر قوية ومستقلة.

لقد كانت الحكومة المغربية سباقة في خلق بيئة مواتية لنمو صناعة الكمبيوتر المحلية. وتشمل السياسات والمبادرات الرئيسية ما يلي:

المغرب الرقمي 2020: تهدف هذه الخطة الإستراتيجية إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتعزيز الحوكمة الإلكترونية، ودعم الشركات الناشئة المحلية. وعلى الرغم من انتهاء الجدول الزمني للخطة، إلا أن مبادئها الأساسية لا تزال توجه السياسات الحالية.

المغرب الرقمي 2025: بناء على نجاح الخطة السابقة، تركز هذه المبادرة على النهوض بمحو الأمية الرقمية، وتشجيع الابتكار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة التنمية التكنولوجية.

وإدراكا لأهمية رأس المال البشري، استثمر المغرب بكثافة في برامج التعليم والتدريب حيث تعتبر مؤسسات مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في طليعة إنتاج الخريجين المهرة الذين يمكنهم المساهمة في صناعة الكمبيوتر.

وهناك حوافز للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة حيث تقدم الحكومة حوافز مختلفة، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والمنح، لتشجيع نمو الشركات الناشئة المحلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاع التكنولوجيا.

وقد برز العديد من اللاعبين والشراكات الرئيسية كمكونات حيوية لاستراتيجية المغرب لتحقيق السيادة التكنولوجية ومنها شركات التكنولوجيا المحلية حيث تعد شركات مثل HPS، الشركة الرائدة في مجال توفير حلول الدفع، وNextronic، المتخصصة في الأنظمة الإلكترونية، أمثلة على شركات التكنولوجيا المغربية الناجحة التي تقود الابتكار والنمو.

وعلى مستوى الشراكات الدولية فقد أقام المغرب شراكات استراتيجية مع دول مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة لتعزيز التبادل والتعاون التكنولوجي. وتسهل هذه الشراكات نقل المعرفة وتتيح للشركات المغربية الولوج إلى التكنولوجيات المتقدمة.

أما فيما يخص الشراكات بين القطاعين العام والخاص فيعد التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص أمراً بالغ الأهمية لتطوير البنية التحتية الحيوية وأنظمة الابتكار. وتجسد مبادرات مثل الدار البيضاء تكنوبارك نجاح مثل هذه الشراكات.

على الرغم من التقدم، يواجه المغرب عدة تحديات في سعيه للسيادة التكنولوجية ومن بينها:

فجوات البنية التحتية: فإذا كانت المناطق الحضرية قد شهدت تحسينات كبيرة في البنية التحتية الرقمية، إلا أن المناطق الريفية متخلفة عن الركب. إن سد هذه الفجوة أمر ضروري لتحقيق النمو الشامل.

التمويل والاستثمار: لا يزال تأمين التمويل الكافي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا يمثل تحديًا. وعلى الرغم من أن الحكومة توفر الحوافز، إلا أن الوصول إلى رأس المال الاستثماري والاستثمار الخاص محدود.

الاحتفاظ بالمواهب: يواجه المغرب مشكلة هجرة الأدمغة، حيث يبحث العديد من المهنيين المهرة عن فرص في الخارج. يعد الاحتفاظ بالمواهب أمرًا بالغ الأهمية للنمو المستدام لصناعة التكنولوجيا المحلية.

العقبات التنظيمية: قد يشكل التنقل في المشهد التنظيمي تحديًا للشركات الجديدة. ومن الضروري تبسيط العمليات البيروقراطية وضمان وجود إطار تنظيمي شفاف لتعزيز الابتكار.

إن دراسة دراسات الحالة الناجحة توفر رؤى قيمة حول رحلة المغرب نحو السيادة التكنولوجية:

تأسست HPS في عام 1995، وتطورت لتصبح شركة رائدة عالميًا في حلول الدفع الإلكتروني. ويعزى نجاح الشركة إلى تركيزها على الابتكار والجودة والشراكات الدولية الاستراتيجية.

الدار البيضاء تكنوبارك: تأسست الدار البيضاء تكنوبارك في عام 2001، وهي مركز للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. فهو يوفر نظامًا بيئيًا داعمًا، بما في ذلك المساحات المكتبية وفرص التواصل والوصول إلى التمويل، مما يساعد العديد من الشركات الناشئة على الازدهار.

المجموعة الرقمية المغربية: تركز هذه المبادرة على تعزيز الابتكار والتعاون بين شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ومن خلال تسهيل أنشطة البحث والتطوير، فإنها تلعب دورًا حاسمًا في النهوض بصناعة التكنولوجيا في المغرب.

يشكل التعليم والبحث حجر الزاوية في استراتيجية المغرب لتحقيق السيادة التكنولوجية. تشمل الجوانب الرئيسية ما يلي:

تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات: يعد تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) أمرًا حيويًا لإنتاج قوة عاملة ماهرة. تعد المبادرات مثل معسكرات تدريب البرمجة والمناهج التي تركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المدارس خطوات في الاتجاه الصحيح.

مؤسسات البحث: تلعب الجامعات ومؤسسات البحث مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية دوراً حاسماً في النهوض بالبحث التكنولوجي والابتكار. يتم تشجيع التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعة لضمان التطبيق العملي لنتائج البحوث.

التعلم المستمر: تعد برامج التعلم مدى الحياة وفرص التطوير المهني ضرورية لإبقاء القوى العاملة على اطلاع بأحدث التطورات التكنولوجية.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن رؤية المغرب لتحقيق السيادة في صناعة الكمبيوتر طموحة ولكنها قابلة للتحقيق. وتشمل العناصر الرئيسية لهذه الرؤية ما يلي:

المدن الذكية والتحول الرقمي: يعد تطوير المدن الذكية ذات الخدمات الرقمية المتكاملة والبنية التحتية من الأولويات. تُظهر مشاريع مثل مبادرة مدينة الدار البيضاء الذكية إمكانات التحول الرقمي في التخطيط والإدارة الحضرية.

مراكز الابتكار: سيؤدي إنشاء المزيد من مراكز الابتكار في جميع أنحاء البلاد إلى تعزيز الإبداع وريادة الأعمال. ويمكن لهذه المراكز أن تكون بمثابة حاضنات للأفكار الجديدة وتقديم الدعم للشركات الناشئة.

التنمية المستدامة: يعد دمج الممارسات المستدامة في صناعة التكنولوجيا أمرًا بالغ الأهمية. إن التركيز على التكنولوجيا الخضراء والحلول الصديقة للبيئة يمكن أن يجعل المغرب رائدا في مجال الابتكار المستدام.

القيادة الإقليمية: يهدف المغرب إلى أن يصبح رائدا إقليميا في صناعة التكنولوجيا، بالاستفادة من موقعه الاستراتيجي وبنيته التحتية القوية لجذب الاستثمار والمواهب من جميع أنحاء أفريقيا وخارجها.

إن رهان المغرب على تحقيق السيادة في صناعة الكمبيوتر هو مسعى ديناميكي ومتعدد الأوجه. ومن خلال السياسات الحكومية الاستراتيجية، والاستثمار في التعليم والبنية التحتية، وتعزيز الابتكار، قطع المغرب شوطا طويلا في طريقه لبناء نظام بيئي تكنولوجي قوي ومكتفي ذاتيا. ورغم استمرار التحديات، فإن التزام البلاد بالسيادة التكنولوجية يَعِد بمستقبل من النمو الاقتصادي، والإبداع، وزيادة القدرة التنافسية العالمية. ومع استمرار المغرب في تنفيذ رؤيته، فهو بمثابة نموذج للدول النامية الأخرى التي تطمح إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي.

0 التعليقات: