الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يوليو 03، 2024

ما التداعيات المستقبلية لتعازي الرئيس تبون لملك المغرب؟ عبده حقي


كانت العلاقة بين الجزائر والمغرب مشحونة منذ خمسة عقود بالتوتر المتذبذب، وكانت جذورها في النزاعات التاريخية والاختلافات الأيديولوجية والصراعات الجيوسياسية. ومع ذلك، فإن بوادر حسن النية الأخيرة، مثل تعازي الرئيس عبد المجيد تبون لملك المغرب محمد السادس، أثارت مناقشات حول إمكانية ذوبان الجليد في هذه العلاقات بين الجارتين العربيتين.

في السنوات الأخيرة، جرت عدة محاولات متفرقة لتحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب. ومع ذلك، غالبًا ما يتم تقويض هذه الجهود بسبب النزاعات المستمرة وانعدام الثقة المتبادلة. على هذه الخلفية، أثارت اللفتة الأخيرة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون بتقديم التعازي للملك محمد السادس بعد وفاة والدته، الأميرة للا لطيفة رحمها الله، اهتماما كبيرا.

إن تعزية الرئيس تبون جديرة بالملاحظة لعدة أسباب. أولاً، إنها تمثل خروجاً عن خطاب العداء والشك المعتاد الذي ميز العلاقات الجزائرية المغربية. ومن خلال التواصل مع الملك محمد السادس في لحظة حزن شخصي، أبدى الرئيس تبون استعداده للمشاركة في تبادلات أكثر تعاطفاً ودبلوماسية.

ثانيًا، تتوافق هذه البادرة مع الديناميكيات الإقليمية الأوسع، حيث تتصارع العديد من البلدان في منطقتي المغرب العربي والساحل مع التحديات الأمنية والصعوبات الاقتصادية وتأثير جائحة كوفيد-19. وفي هذا السياق، أصبح تعزيز التعاون والاستقرار الإقليميين ذا أهمية متزايدة. ويمكن اعتبار تعازي الرئيس تبون خطوة صغيرة ولكنها ذات مغزى نحو خلق بيئة أكثر ملاءمة للحوار والتعاون.

وعلى الرغم من الرمزية الإيجابية التي تحملها لفتة الرئيس تبون، لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات التي قد تعيق استعادة الدفء في العلاقات الجزائرية المغربية.

ولا يزال نزاع الصحراء المغربية قضية راسخة بعمق. إن تأكيد المغرب لسيادته على الصحراء المغربية ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو يخلقان مأزقا أساسيا راسخا. وفي حين أن بادرة التعزية التي قدمها الرئيس تبون مهمة، إلا أنها لا تعالج القضايا الأساسية التي غذت هذا النزاع الطويل الأمد.

لقد خلفت سنوات من العداء ندوباً عميقة، مما أدى إلى انعدام الثقة المتبادلة والمظالم التاريخية. وأدت حوادث مثل إغلاق الحدود البرية بين البلدين في عام 1994 والمشاحنات الدبلوماسية اللاحقة إلى تفاقم التوترات. وسوف تتطلب إعادة بناء الثقة بذل جهود متواصلة واتخاذ تدابير لبناء الثقة من الجانبين.

كانت ولاتزال الجزائر تنافس المغرب على النفوذ الإقليمي والقيادة في شمال إفريقيا. وتتجلى هذه المنافسة في أدوار كل منهما في المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي (AU) واتحاد المغرب العربي (AMU).  ويسعى كلا البلدين إلى إبراز القوة والنفوذ خارج حدودهما، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تضارب المصالح.

ورغم أن التحديات هائلة، إلا أن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تساهم في تحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب في المستقبل.

فقد أصبح المشهد الأمني ​​في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل معقدا على نحو متزايد، مع صعود الجماعات المتطرفة، والاتجار بالبشر، وغير ذلك من التهديدات العابرة للحدود الوطنية. لدى كل من الجزائر والمغرب مصلحة راسخة في الاستقرار والأمن الإقليميين. ومن الممكن أن تكون الجهود التعاونية لمعالجة هذه التحديات بمثابة أساس لتحسين العلاقات الثنائية.

ومن الممكن أيضاً أن يلعب الترابط الاقتصادي وفرص التجارة والاستثمار دوراً في تعزيز العلاقات الأفضل. تتمتع كل من الجزائر والمغرب بإمكانات اقتصادية كبيرة، ومن الممكن أن يؤدي التعاون في قطاعات مثل الطاقة والسياحة والزراعة إلى تحقيق منافع متبادلة. ومن الممكن أن تساعد العلاقات الاقتصادية المعززة في تخفيف التوترات السياسية وبناء ديناميكية أكثر إيجابية.

وستكون المبادرات الدبلوماسية وتدابير بناء الثقة حاسمة في إعادة بناء الثقة. ومن الممكن أن تعمل دبلوماسية المسار الثاني، التي تشمل المجتمع المدني، والتبادلات الأكاديمية، والمبادرات الثقافية، على خلق قنوات للحوار والتفاهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تسهيل الوساطة ودعم الجهود الرامية إلى سد الفجوة.

إن تعزية الرئيس تبون للملك محمد السادس تمثل لفتة رمزية تحمل القدرة على تعزيز أجواء أكثر إيجابية في العلاقات الجزائرية المغربية. ورغم أن التحديات كبيرة، إلا أن هذه البادرة تمثل خروجاً عن خطاب الماضي العدائي وتفتح الباب لمزيد من المشاركة البناءة. إن معالجة القضايا العميقة مثل نزاع الصحراء المغربية، وانعدام الثقة المتبادلة، والمنافسة الجيوسياسية سوف تتطلب جهوداً متواصلة واستعداداً للتسوية. ومع ذلك، مع وجود الاستقرار الإقليمي والفرص الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية كمحركات محتملة للتغيير، هناك أمل في أن تتمكن الجزائر والمغرب من التحرك نحو علاقة أكثر تعاونية ومفيدة للطرفين في المستقبل.


0 التعليقات: