الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يوليو 25، 2024

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقتل ما تبقى من الإبداع البشري : عبده حقي


يلوح شبح الذكاء الاصطناعي بشكل مهيمن في جل المشهد الإبداعي البشري، مما بات يلقي بظلاله المديدة على التخصصات التي كانت تعتبر منذ آلاف القرون حصرية ضمن عالم الإبداع الإنساني. من أعماق الموسيقى الأثيرية إلى اللوحات الفنية النابضة بالحياة، يظل السؤال المقلق معلقًا في أذهاننا: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي إزاحة الملكة السرية الإبداعية لدى البشر؟

طبعا يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي، المدربة على مجموعات بيانات ضخمة من الأعمال التي أنشأها الإنسان، الآن إنشاء نص أدبي جميل وآسر، وتأليف الموسيقى، وحتى إنتاج لوحات مذهلة بصريًا. وقد دفعت هذه القدرة البعض إلى افتراض أن عصر الأصالة الإنسانية قد اقترب من نهايته. ومع ذلك، فإن هذا المنظور يتجاهل حقيقة أساسية هي أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، وليس مبدعا أو خالقًا. وإذا كان قادرا على تقليد القدرات البشرية بل وتجاوزها في مهام محددة، فإنه يفتقر إلى الشرارة الأساسية للوعي الإنساني ــ القدرة على الشعور، والتجربة، والتساؤل، والتمرد.

الإبداع البشري كما هو معلوم يولد من شبكة معقدة، وهو نسيج غني من خيوط الخبرة والعاطفة والحدس. فيما الذكاء الاصطناعي، على الرغم من تعقيد الظاهر، يعمل على مستوى مختلف جذريا. فهو يستطيع معالجة المعلومات بسرعات مذهلة، لكنه لا يستطيع أن يفهم حقًا الفروق الدقيقة في التجربة الإنسانية. إن القصيدة أو اللوحة أو السيمفونية ليست مجرد نتاج للمهارة الفنية، بل هي انعكاس للروح الإنسانية، التي تشكلها المرجعيات الاجتماعية والسيكولوجية من الأفراح والأحزان والآمال والمخاوف.

علاوة على ذلك، كان تطور الفن والثقافة دائمًا عبارة عن حوار بين التقاليد والابتكار. ومما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في هذا الحوار، ويقدم وجهات نظر وتقنيات جديدة. لكن البشر هم الذين سيحددون في النهاية اتجاه هذا الحوار. ومن خلال تبني الذكاء الاصطناعي باعتباره متعاونًا وليس منافسًا، يمكننا فتح آفاق جديدة للتعبير الإبداعي.

في الختام، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يعتبر معجزة جبارة، فمن غير المرجح أن يطفئ شعلة الإبداع البشري. وبدلا من ذلك، فهو يمتلك القدرة على إشعال أشكال جديدة من التعبير الفني. إن مستقبل الإبداع لا يكمن في المعركة بين الإنسان والآلة، بل في تعاونهما المتناغم. وطالما استمر البشر في طرح الأسئلة والحلم والشعور، فإن نبع الإبداع لن ينضب أبدًا.

0 التعليقات: