الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يوليو 26، 2024

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التقارير الإخبارية التقليدية: (1) تحليل مقارن عبده حقي


مقدمة

في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا غنى عنه من الحياة اليومية لمليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم. لقد أحدثت منصات مثل فيس بوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب ثورة في كيفية نشر المعلومات واستهلاكها، مما أثر بشكل كبير على التقارير الإخبارية التقليدية.

تتعمق هذه المقالة في الطرق المختلفة التي أثرت بها وسائل التواصل الاجتماعي على الصحافة التقليدية، مع تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا التحول. من خلال تحليل مقارن، سوف نستكشف تطور نشر الأخبار، والدور المتغير للصحفيين، والتأثير على جودة الأخبار والأخلاق، ومستقبل التقارير الإخبارية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.

قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، كانت وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون والإذاعة تهيمن على ساحة التقارير الإخبارية. كانت المؤسسات الإخبارية مثل الصحف الكبرى والقنوات التلفزيونية والإذاعية هي الحراس الرئيسيون للأخبار والمعلومات، مما منحها سلطة كبيرة في تحديد الأجندة الإعلامية وتشكيل الرأي العام. كان لهذه المؤسسات القدرة على اختيار الأخبار التي تعتبرها مهمة وجديرة بالنشر، وتحديد كيفية تقديم هذه الأخبار للجمهور.

عملية النشر في هذا السياق كانت خطية وأحادية الاتجاه. كانت المعلومات تنتقل من المصدر، سواء كان ذلك مراسلاً ميدانياً أو وكالة أنباء، إلى غرفة الأخبار، حيث يتم تحريرها وصياغتها وفقاً لمعايير تحريرية محددة. ثم يتم بث الأخبار أو نشرها عبر الصحف أو نشرات الأخبار التلفزيونية أو الإذاعية. كان الجمهور يتلقى الأخبار بطريقة سلبية دون إمكانية التفاعل المباشر مع المحتوى أو مناقشته مع المنتجين.

هذا النموذج التقليدي كانت له ميزات معينة، منها القدرة على التحكم في جودة ودقة المعلومات المقدمة. كانت المؤسسات الإخبارية تلتزم بمعايير مهنية صارمة للتحقق من الحقائق وتقديم تقارير متوازنة. كما كانت هناك عمليات تحريرية متعددة تضمن مراجعة المحتوى قبل نشره، مما يقلل من احتمال نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة.

من ناحية أخرى، فقد عرف هذا النموذج بعض القيود. كان الجمهور يعتمد بشكل كامل على المؤسسات الإخبارية للحصول على المعلومات، مما يعني أن الأخبار التي لا تعتبرها هذه المؤسسات ذات أهمية قد لا تصل إلى الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تأخير زمني بين وقوع الحدث ونشره، نظراً للحاجة إلى وقت للتحقق والتحرير. كان الجمهور يفتقر أيضاً إلى الفرص للتفاعل مع الأخبار أو التعبير عن آرائه بشكل فوري، حيث كانت التغذية الراجعة تحدث بطرق تقليدية مثل الرسائل إلى المحرر أو المكالمات الهاتفية إلى البرامج الحوارية.

بالمجمل، كانت فترة ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي تتميز بهيمنة المؤسسات الإعلامية التقليدية على عملية نشر الأخبار، مما منحها سيطرة كبيرة على المحتوى الإعلامي، لكن مع بعض القيود المتعلقة بالتفاعل الفوري وسرعة نقل المعلومات.

أدى صعود وسائل التواصل الاجتماعي إلى إحداث تحول جذري في كيفية نشر المعلومات، مما أضفى طابعًا ديمقراطيًا على هذه العملية. منصات مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام ويوتيوب تتيح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت مشاركة الأخبار والآراء على الفور، مما يتجاوز الحواجز التقليدية التي كانت تفرضها المؤسسات الإعلامية التقليدية. هذا التغيير الجذري أتاح للمستخدمين العاديين أن يصبحوا ناشرين ومصادر للأخبار بأنفسهم، مما أدى إلى انتشار أوسع وأسرع للمعلومات.

هذا التحول نحو الديمقراطية في نشر المعلومات مكّن من توفير تحديثات في الوقت الفعلي، حيث يمكن للمستخدمين نشر الأخبار فور وقوعها، مما يتيح للجمهور الحصول على المعلومات بشكل أسرع وأكثر تفاعلية. على سبيل المثال، خلال الأحداث الطارئة مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية، يمكن لشهود العيان نشر تحديثات مباشرة من موقع الحدث، مما يوفر صورة حية وفورية للأحداث.

علاوة على ذلك، فإن العلاقة بين منتجي الأخبار ومستهلكيها أصبحت أكثر تفاعلية. يمكن للجمهور الآن التعليق على الأخبار، والمشاركة في النقاشات، وتقديم ردود فعل فورية، مما يعزز التواصل بين الصحفيين والجمهور. هذا النوع من التفاعل يعزز الشفافية ويمكن أن يؤدي إلى تحسين جودة التقارير الإخبارية، حيث يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستفادة من التعليقات والاقتراحات التي يقدمها الجمهور.

وسائل التواصل الاجتماعي سهلت أيضًا انتشار الأخبار على نطاق واسع وبسرعة غير مسبوقة. بفضل ميزات مثل إعادة التغريد على تويتر والمشاركة على فيسبوك، يمكن أن تصل القصص إلى جماهير عالمية في غضون دقائق. هذا الانتشار السريع يمكن أن يزيد من الوعي بالقضايا العالمية ويعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة.

ومع ذلك، فإن هذه السرعة في نشر المعلومات تأتي مع تحدياتها، مثل انتشار الشائعات والمعلومات الخاطئة. لكن بالمجمل، لا يمكن إنكار أن صعود وسائل التواصل الاجتماعي قد غيّر بشكل جذري الطريقة التي نتلقى بها الأخبار ونتفاعل معها، مما يعزز دور الجمهور كمشارك فعال في عملية نشر المعلومات.

تابع


0 التعليقات: