الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 03، 2024

حفريات في تاريخ المعجزات ، اليوم مع " تكثير الخبز والسمك المسيحية" ملف من إعداد : عبده حقي


أطعم يسوع 5000 شخص بخمسة أرغفة من الخبز وسمكتين.

إن معجزة تكثير الخبز والسمك حدث مهم في العهد الجديد، فهي توضح شفقة المسيح وسلطانه الإلهي. إن هذه المعجزة، التي سجلت في الأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا)، تظهر لحظة عميقة حيث أطعم المسيح حوالي 5000 رجل، باستثناء النساء

والأطفال، بخمسة أرغفة شعير وسمكتين فقط. إن هذا الحدث لا يسلط الضوء على قوى المسيح المعجزية فحسب، بل إنه يشكل أيضًا مصدرًا غنيًا للتأمل اللاهوتي.

إن الإطار الذي حدثت فيه هذه المعجزة بالغ الأهمية. فقد علم يسوع بموت يوحنا المعمدان وسعى إلى العزلة. ولكن حشدًا كبيرًا تبعه، انجذب إلى تعاليمه وشفائه. وعندما رأى يسوع هذا الجمع، تأثر بالشفقة، إذ أدرك احتياجاتهم الجسدية والروحية. لقد أجرى هذه المعجزة ليس فقط لإشباع الجوع، بل لإظهار وفرة نعمة الله وعنايته في أوقات الحاجة..

في الرواية، يأمر يسوع تلاميذه بإطعام الحشد. ويعبرون عن يأسهم، مشيرين إلى أن حتى أجور ستة أشهر لن تكفي لشراء ما يكفي من الخبز للجميع. وهنا يذكر أندراوس، أحد التلاميذ، صبيًا لديه خمسة أرغفة شعير وسمكتان. يأخذ يسوع هذه الموارد الضئيلة، ويشكر، ويبدأ في توزيع الطعام. وبشكل معجزي، يأكل الجميع حتى يشبعوا، ثم يتم جمع اثنتي عشرة سلة من بقايا الطعام بعد ذلك. هذه التفاصيل المتعلقة بالبقايا مهمة، وترمز إلى كرم الله الفائض وفكرة أن التدبير الإلهي يتجاوز التوقعات البشرية.

إن تكثير الخبز والسمك غني بالرمزية. فالأرغفة، وخاصة أرغفة الشعير، جديرة بالملاحظة حيث كان الشعير يعتبر طعام الفقراء. وتؤكد هذه التفاصيل على تواضع الموارد المستخدمة وتسلط الضوء على موضوع أن الله قادر على عمل العجائب من خلال ما يبدو تافهاً. وعلاوة على ذلك، فإن السلال الاثنتي عشرة من بقايا الطعام يمكن أن ترمز إلى أسباط إسرائيل الاثنتي عشرة، مما يشير إلى أن خدمة يسوع شاملة وموجهة إلى شعب الله بأكمله..

كما أن المعجزة بمثابة مقدمة للقربان المقدس، حيث يكسر يسوع الخبز ويشاركه مع أتباعه. إن فعل تقديم الشكر قبل توزيع الطعام يعكس التقليد الإفخارستي، مما يعزز الارتباط بين هذه المعجزة والعشاء الأخير. يشير هذا الارتباط إلى أن يسوع لا يلبي الاحتياجات الجسدية فحسب، بل يعالج أيضًا الجوع الروحي، ويقدم نفسه كخبز الحياة.

وتدعو القصة إلى التأمل في عدة موضوعات رئيسية:

الرحمة والعمل : إن رحمة يسوع تدفعه إلى العمل. وهذا بمثابة نموذج للمؤمنين، يشجعهم على الاستجابة لاحتياجات الآخرين بالتعاطف والمساعدة العملية.

الإيمان بالندرة : إن الشك الأولي الذي انتاب التلاميذ يسلط الضوء على الاستجابة البشرية المشتركة للندرة. وتعلمنا المعجزة أن الإيمان قادر على تحويل الموارد المحدودة إلى وفرة عندما توضع بين يدي الله.

المجتمع والمشاركة : إن تجمع الحشود وتقاسم الطعام يؤكدان على أهمية المجتمع. وتؤكد المعجزة على أهمية المشاركة والاهتمام ببعضنا البعض، وهو مبدأ أساسي في التعاليم المسيحية.

العناية الإلهية : في نهاية المطاف، توضح المعجزة العناية الإلهية. فهي تطمئن المؤمنين بأن الله على علم باحتياجاتهم وقادر على توفيرها لهم، حتى عندما تبدو الظروف صعبة.

إن معجزة تكثير الخبز والسمك ليس مجرد معجزة؛ بل هو درس عميق في الإيمان والمجتمع والتدبير الإلهي. وهو يتحدى المؤمنين بالثقة في قدرة الله على الإمداد بوفرة ويشجعهم على التصرف برحمة تجاه الآخرين. ومن خلال هذه المعجزة، يكشف يسوع عن هويته كمسيح وينذر بالعطية النهائية لنفسه في القربان المقدس، ويدعو الجميع للمشاركة في الوفرة الإلهية التي تتجاوز القوت المادي.

0 التعليقات: