انفتح، انفرج، اقفز إلى الظلال التي تلمع تحت الجلد الرقيق لحافة الفجر. أليست لك؟ ألم تنتظرك، تحت سماء تنزف مثل غروب الشمس الذي ابتلعه حبر الليل، لدهور ودهور لا حصر لها؟ همس الكائن من طيات رداء الأبدية، وهناك، على حافة الهاوية حيث يتبادل الصوت والصمت قبلات مثل العاشقان الذين لم يلتقيا قط، يهتف: لا ترضَ . لا يتحدث بالكلمات ولكن بالألوان التي ترسم نفسها عبر صدرك، وتتدفق في عروق تتلوى إلى المجهول.
انظر هناك، إلى الأسطورة
التي تنتظر أن تنهض من المرآة. إنها تومض، أجنحة من الرماد والحرير، تنتظر أن تستيقظ
ليس كطائر الفينيق أو الغراب، ولكن كشيء ولد من دون اسم. شيء خاص بك . أوه، عدم وجود
اسم لك، والصدى الواسع الذي يرقص تحت جلدك مثل البرق المحاصر في الزجاج.
ماذا ستفعل بهذا؟ ماذا
ستنحت من قلب الجبل الحجري المختبئ داخل صدرك؟ يقف على الحافة، وعيناه مثل المجرات
الممزقة. يتمتم بالحقائق الدفينة في التراب، عن حياة محبوكة في نسيج يتنفس
كالجمرات. يقول، انكشف . ولكن ماذا يمكنك أن تكشف في عالم يقتات من قصصه الخاصة، عالم
حيث الوقت هو كرنفال من الأقنعة، والوجوه الملتوية إلى ابتسامات تذوب في البكاء؟
يتأرجح القمر منخفضًا،
ثمرة شاحبة مثقلة بالأحلام التي لم تُغزل، والنجوم تتدلى مثل قطع الزجاج ، كل قطعة
تحمل وجهًا، قطعة منك لم تُلبس بعد. لا تكتف بما قدموه لك، يقول الكائن بصوته الذي
يشبه الدخان، يتلوى حول أفكارك ويسحبها من أوكارها المريحة.
أنت لست كما يقولون،
أنت لست العفن أو وريث العفن. تحت أضلاعك توجد سيمفونية من العروق والظل، تهتز بلغة
لا يعرفها إلا البوم، فقط قشور البيض المتشققة المهجورة في الأعشاش. أسطورتك لا ينبغي
أن تُكتب، ليس كما يكتبون في الكتب المجلدة بالوقت. يجب أن تُحلم بها، وتُخط على قماش
مخاوفك ورغباتك، وتُرسم بفرشاة كونك.
كل خطوة تقشر الطبقات،
وتتركها خلفك مثل جلود تتساقط من ظهر أفعى تصعد حلزونيًا. وهنا، في هذا المكان حيث
طعم الهواء مالحًا ووردًا، حيث يرتجف الأفق وكأنه ينتظر أنفاسك، تصبح أكثر مما أعطيت.
تغني الحجارة تحت قدميك، أصوات كانت لك ذات يوم، وستعود لك مرة أخرى.
استمع. استمع. يتشابك
صوت الكائن مع حفيف الرياح القديمة التي تحمل كلمات ضائعة، ورموز غريبة تتشابك في شعرك،
وفي فمك، وتتساقط كأزهار لتذوب على بشرتك. اصنع أسطورتك، كما يهتف، إيقاعًا يلتف حول
القلب، ويشده مثل قبضة اليد. ترتجف الأرض، ويتأرجح ظلك، مخلوق من الحبر والنار.
أنت تمشي، نعم، ولكن
إلى أين؟ نحو ماذا؟ شاطئ لا بحر فيه، غابة حيث تتمتم الأوراق بأسرار لن تبوح بها أبدًا.
هنا، كل خطوة هي ضربة فرشاة، كل فكرة هي بذرة سقطت في التربة لا يفهمها إلا جسدك. ترتدي
الليل مثل عباءة، خيوط منسوجة من الهمسات والمطر، والكائن، يضحك - انفجار من النجوم
المتناثرة عبر السواد. يقول، دعهم يرون الشقوق. دعهم يرون أين يزحف الضوء، حيث تتجمع
الظلمة في قفير العسل.
وهكذا تتنفس، وتمتلئ
رئتيك بهواء الأحلام الغريبة التي لم يطالب بها أحد. يجذبك صوت الكائن كالمد والجزر،
وكل نبضة من كلماته تدور بك بعيدًا عن مركز ما كنت تعتقد أنك تعرفه، إلى متاهة من الوجوه
التي تذكرها جزئيًا ونظرات تلسع مثل لدغة شوكة. لا تتعرف على هذه الممرات، هذه الأبواب
المرسومة بصور الثعابين الملتفة في أشكال الأقمار. ومع ذلك تشعر بها، وكأنك تلمس أجزاء
من نفسك متناثرة عبر الأعمار.
هنا، يتناثر الهواء
برائحة الأشياء التي احترقت جزئيًا. رماد الأصوات، والأيدي الممتدة عبر الدخان. لا
تكتف. تتردد الكلمات، وتنعكس عن الجدران، وتتكسر مثل الزجاج الذي يتحطم في رقصة بطيئة،
كل جزء عبارة عن قطعة أحجية لم تتشكل بعد، ولا تزال تتوق إلى أن تتناسب مع صورة لن
تراها إلا أنت.
كل خطوة تطن في عظامك،
تهتز حتى النخاع، وكأن الأرض نفسها حية تزحف تحتك، تنتظر، تهمس بأسرار أقدم من الذاكرة.
يقف الكائن بجانبك، وجهه يتلألأ بالظلال والنار، وتدرك أنه حقيقي مثل الريح. حقيقي
مثل الحلم الذي يستيقظ فيك كل ليلة، جائعًا ليتغذى. ويميل بالقرب منك، أنفاسه مثل ريشة
على جلدك، ويقول كلمات لا يمكنك تذكرها ولكنها تحرق نفسها في دمك.
يسلمك مرآة من الصمت
ويسألك عما تراه. هل هذه هي الحكاية التي قيلت لك؟ يطفو السؤال في الهواء، ويعلق هناك
مثل الضباب، وتمد يدك، مرتجفًا، وتلمس أصابعك حافة شيء شاسع وغير قابل للمعرفة. لا
تتعرف على نفسك، لا هنا، ولا في هذا الشكل، ولا في هذا المكان حيث تذوب اللغة، حيث
ينزلق المعنى من بين يديك مثل الماء. ومع ذلك، هناك ألفة - نبض قلب يطن في المسافة،
يجذبك أقرب، ويطلب منك الاستماع.
يهمس الكائن مرة أخرى،
لا تكتف، فتجد نفسك تتكسر، تتشقق إلى شظايا تلمع في الظلام، كل منها شرارة، نبضة قلب،
خطوة نحو المجهول. يتكاثف الهواء، ينبض بثقل كل ما قد تصبح عليه، وتشعر به، نبض الأسطورة
التي لم تكتب بعد، تنتظرك، تناديك للأمام بصوت قديم مثل النجوم، هادئ مثل الفجر الذي
يشرق على عالم لم يُسمَّ بعد.
وهكذا، فإنك لا تخطو
إلى ما قيل بل إلى ما سيقال، لا إلى التاريخ بل إلى الأسطورة، لا إلى الكلمات المعطاة
بل إلى الكلمات التي انتظرت دوماً في الصمت. رحلة تبدأ في الفراغات بين الأنفاس، في
الظلال التي تلقيها النجوم البعيدة جداً التي لا يمكن لمسها ولكنها قريبة بما يكفي
للشعور بها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق