قدم "إعلان الرباط" الذي أصدرته مؤخرا مجموعة العمل الوطنية المغربية من أجل فلسطين يوم الخميس سابع نونبر 2024 وضوحا وحسما جديدا للسياسة الخارجية المغربية فيما يتصل بالصحراء المغربية والقضية الفلسطينية. وقد أصر الإعلان على التمييز الواضح بين سلامة أراضي المغرب من طنجة إلى الداخلة وأي ارتباط بإسرائيل، ويضع هذا في إطار التحرك من أجل إحقاق العدالة في قضية الصحراء المغربية. كما يدعو إلى اتباع منهج ثابت في تعزيز الحلول الدبلوماسية مع الجزائر مع إدانة تصرفات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. واكتسب الإعلان أهمية خاصة لأنه عبر عن موقف تضامني مع الشعب الفلسطيني في حين تعامل مع مشهد معقد من التحالفات الدولية والضغوط الإقليمية.
إن هذا الإعلان قد
اتخذ موقفاً قوياً ضد أي ربط مجاني بين قضية الصحراء المغربية والتحالفات مع إسرائيل.
ومن خلال الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها "كياناً محتلاً" و"مجرماً"،
فإن مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين تؤكد على التحذير من ربط طموحات المغرب الإقليمية
بعلاقاتها مع إسرائيل. إن الصحراء المغربية، وهي قضية وطنية بالغة الأهمية لكافة
الشعب المغربي ، كانت لنصف قرن من الزمان بمثابة النقطة المحورية في خطاب الأمن والسلام
الإقليمي للمغرب، وأي ارتباط بقوة احتلال مفترضة من شأنه أن يقوض شرعيتها، وخاصة في
نظر المجتمعات العربية والإسلامية. إن إعلان الرباط واضح: يجب فحص أي تقارب أو تبادل
دبلوماسي مع إسرائيل بعناية لتجنب تهديد موقف المغرب بشأن مطالبه الإقليمية.
وعلاوة على ذلك، فإن
فريق العمل يشير ضمناً إلى أن خلط قضية الصحراء المغربية بالتحالفات التي تشمل إسرائيل
قد يصب في مصلحة أولئك الذين يعارضون سيادة المغرب على مناطقه الجنوبية. ومن خلال التأكيد
على التزام المغرب بإبقاء كفاحه من أجل السلام الإقليمي منفصلاً عن علاقاته الدبلوماسية،
يسعى الإعلان إلى الحفاظ على نقاء مطالب المغرب وتجنب ردود الفعل العكسية المحتملة
من العالم العربي، حيث يعارض الرأي العام إلى حد كبير السياسات الإسرائيلية. ويعزز
هذا الشعور موقف المغرب كدولة تتمسك بثبات بمبادئ العدالة وتقرير المصير للشعب
الفلسطيني- وهي القيم التي تسعى البلاد إلى الحفاظ عليها في علاقاتها الداخلية والدولية.
ويؤكد إعلان الرباط
على التزام المغرب التاريخي والثقافي بالقضية الفلسطينية، ويصفها بأنها "قضية
وطنية". ويعكس هذا دعم المغرب اللامشروط لفلسطين، والذي يتجذر في السياسة الحكومية
والوعي الجماعي للشعب المغربي. ويحث البيان المسؤولين المغاربة على دعم المساعدات الإنسانية
وغوث للفلسطينيين الذين يعانون من عواقب الصراعات المستمرة. ومن خلال إدانة الإجراءات
الإسرائيلية باعتبارها "إبادة جماعية"، يتماشى الإعلان مع موقف المغرب الإقليمي
الأوسع نطاقًا لتعزيز السلام والاستقرار.
تشكل القضية الفلسطينية
عامل توحيد للقوى السياسية والنقابية والمدنية المغربية، وتعزز اللحمة الوطنية في قضايا
العدالة والتحرر. ومن خلال هذا الموقف، يهدف المغرب إلى تعزيز وحدة شعبه مع الحفاظ
على التضامن مع المجتمعات المضطهدة في المنطقة. ويوفر هذا التضامن للمغرب أرضية أخلاقية
أقوى في المحافل الإقليمية والدولية، مما يؤكد موقفه كمدافع عن العدالة لشعبه وللآخرين
الذين يواجهون نفس النضالات مماثلة.
كما يؤكد إعلان الرباط
على رغبة المغرب في إقامة علاقات سلمية مع جارته الشقيقة الجزائر، ويحث هذه الأخيرة
على تبني موقف أكثر تعاوناً في المغرب الكبير. ومن خلال حث الجزائر على "استخدام
العقل والتوقف عن معارضة حق المغرب في استكمال سيادته على الصحراء"، يمد البيان
غصن الزيتون، حتى مع استمرار التوترات بشأن الصحراء المغربية. وتعكس دعوة المغرب إلى
استمرار الحوار رغبة في رأب الصدع وإيجاد حلول مفيدة للطرفين. وهذا مهم في سياق حيث
كانت الخصومات التاريخية غالباً ما تحجب التقدم الدبلوماسي وتعزز عدم الاستقرار الإقليمي.
وعلاوة على ذلك، يشير
الإعلان إلى أن سياسة "اليد الممدودة" المستمرة تجاه الجزائر تشكل أهمية
بالغة لتحقيق أهداف المغرب في نشر الوئام الإقليمي. ومن المؤكد أن الحل السلمي لقضية
الصحراء وخفض الأعمال العدائية لن يفيد المغرب والجزائر فحسب، بل وأيضاً المغرب الكبير
بأكمله.
ويواصل إعلان الرباط
التحذير من "الخطط الخبيثة" التي تتبناها القوى الاستعمارية، التاريخية والمعاصرة،
والتي تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة من خلال إثارة الفتنة بين المغرب والجزائر. ووفقاً
للإعلان، فإن هذه الخطط مدعومة برغبة في إشعال حرب من شأنها أن تبتلع المغرب الكبير
وتقوض أي تقدم نحو الوحدة في المنطقة. والمعنى الضمني لذلك هو أن هذه القوى الاستعمارية
تسعى إلى استغلال الانقسامات للحفاظ على نفوذها ومنع المنطقة من تحقيق الاستقرار. ويعكس
إصرار المغرب على اليقظة ضد مثل هذه التلاعبات فهمه للمشهد الجيوسياسي الواسع، حيث
قد يكون للقوى الخارجية مصلحة في تفاقم الصراعات المحلية لتأمين موطئ قدم لها في شمال
أفريقيا.
إن إعلان الرباط ليس
مجرد بيان للمبادئ؛ بل هو بمثابة خريطة طريق للاستراتيجيات الدبلوماسية والاجتماعية
والإقليمية التي يتبناها المغرب للمضي قدماً. ومن خلال التمييز بين أهدافه الإقليمية
والتشابكات الخارجية، وإعادة تأكيد دعمه لفلسطين، والدعوة إلى الحوار مع الجزائر، يعمل
المغرب على ترسيخ مكانته القيادية المبدئية في المنطقة. ويشير الالتزام بمعالجة القضية
الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية إلى رغبة المغرب في أن يُنظَر إليه ليس فقط باعتباره
لاعباً إقليمياً بل وأيضاً باعتباره مدافعا عن العدالة على الساحتين المحلية والدولية.
ومن خلال هذا المنهج المتوازن، يمكن للمغرب أن يأمل في بناء تحالفات أقوى، سواء على
المستوى المحلي أو عبر العالمين العربي والإسلامي، ومواجهة الآثار والنوايا المزعزعة
للاستقرار الناجمة عن الصراعات في عصر الاستعمار والضغوط الجيوسياسية في العصر الحديث.
إن هذه الرؤية، التي
ترتكز على البراجماتية والمبادئ، تشير إلى التزام المغرب بخلق مستقبل مستقر وعادل،
ليس فقط لنفسه، بل وللمغرب بأكمله ولكل أولئك الذين يقدرون تقرير المصير والعدالة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق