دور المغرب في مصير المنطقة وموقف فرنسا من القضية الإقليمية المعقدة
استقبل الملك محمد
السادس ماكرون في الرباط، المغرب، في زيارة ترمز إلى شراكة متجددة، مع اتفاقيات بقيمة
10 مليارات يورو لتعزيز التعاون في مختلف القطاعات.
في خطوة تهدف إلى تعزيز التقارب بين البلدين، وبعد اعتراف فرنسا بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية، وصل الرئيس الفرنسي إلى المغرب الاثنين في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وفي اليوم الثاني من
زيارته إلى الرباط، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام البرلمان المغربي،
دعم بلاده لـ "سيادة المغرب" على الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن "حاضر
ومستقبل الصحراء يقعان في إطار السيادة المغربية".
وأعلن ماكرون أيضا
التزام فرنسا بتوفير الاستثمارات في المنطقة، عقب توقيع البلدين اتفاقيات تقدر قيمتها
بنحو 10 مليارات يورو. وأكد ماكرون أن موقف بلاده "لا يحمل أي عداء تجاه أي طرف،
بل دعوة للتعاون مع كافة الأطراف الساعية إلى تعزيز الاستقرار والتنمية".
واستقبل العاهل المغربي
ضيفه في المطار قبل أن يتوجها معا إلى القصر الملكي في موكب رسمي، حيث عقدا بعد ذلك
لقاء ثنائيا، تلا ذلك التوقيع على اتفاقيات في مجالات مختلفة، منها الدفاع والأمن والهجرة
والطاقة والتعليم.
وتبدو الزيارة بروتوكولية،
لكنها تكتسب أهمية مضاعفة، إذ إنها أول زيارة لماكرون للمغرب منذ 2018، فضلا عن أنها
تأتي بعد نحو ثلاث سنوات من التوتر والبرود الدبلوماسي بين باريس والرباط، وهي العلاقات
التي تأثرت كثيرا بقضية "بيغاسوس"، التي تفجرت إثر تحقيقات إعلامية في صيف
2021، تضمنت اتهامات للمغرب بالتجسس على مسؤولين فرنسيين، بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون.
ورغم نفي المغرب تورطه
في القضية آنذاك، إلا أن القضية تركت آثارا سلبية على العلاقات بين البلدين، ثم جاء
قرار فرنسا في سبتمبر/أيلول 2021 بتشديد شروط الحصول على التأشيرة للمغاربة ليعمق الخلاف
أكثر. وهدأ الوضع نسبيا بعد زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا للمغرب
في يناير/كانون الثاني 2022 وإعلانها انتهاء أزمة التأشيرة.
لكن الخلافات عادت
إلى الظهور مجددا في 2023 مع اتهامات مغربية لفرنسا بالوقوف وراء تقارير أوروبية تنتقد
وضع حرية الصحافة في المغرب، إضافة إلى استياء الرباط من التقارب الفرنسي مع الجزائر،
ومطالبة الرباط بموقف أكثر وضوحا بشأن قضية الصحراء المغربية.
الصحراء نقطة تحول
في عودة العلاقات
اعترفت إدارة ترامب
بالصحراء المغربية في ديسمبر 2020. وتصنف الرباط شركاءها وخصومها على أساس موقفهم من
قضية الصحراء، وقد تعزز هذا التصنيف أكثر بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بسيادة المغرب على الصحراء أواخر عام 2020. وعلى مدى عقود، حاولت فرنسا الحفاظ
على "الحياد" في نزاع الصحراء المغربية، سعيا إلى الحفاظ على سياسة التوازن
في علاقاتها مع كل من الجزائر والمغرب.
لكن في 30 يوليو/تموز
الماضي، طرأ تحول في الموقف الفرنسي، حيث أعلن ماكرون دعمه لمبادرة المغرب للحكم الذاتي،
معتبرا إياها "الحل الوحيد" للنزاع. وأنهى هذا الموقف فترة الفتور الدبلوماسي
بين البلدين، حيث ظهرت بوادر التقارب مع تعيين سفير مغربي جديد في باريس وتسريع الزيارات
الوزارية المتبادلة تمهيدا لزيارة ماكرون.
المغرب شريك موثوق
به لفرنسا وأوروبا
ولا يقتصر الاهتمام
الكبير بزيارة ماكرون على محاولتها إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بل يمتد
إلى السياق الإقليمي والدولي الحساس الذي يرافقها، خاصة في ظل التحديات السياسية والأمنية
المتزايدة في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي.
ويعطي هذا السياق للزيارة
بعدا استراتيجيا خاصا بالنسبة لفرنسا التي تجد نفسها أمام ضرورة تعزيز حضورها ودورها
من خلال شراكات تضمن مصالحها في إفريقيا، خاصة بعد تراجع نفوذها في المنطقة وتوجه العديد
من الدول نحوها.
إن المغرب، بفضل موقعه
وعلاقاته القوية في إفريقيا، قادر على الاضطلاع بدور استراتيجي في إعادة صياغة مصالح
فرنسا في القارة، فالمملكة شريك تاريخي موثوق به لفرنسا، حيث ظلت ملتزمة بالنظام الليبرالي
الذي يقوده الغرب، وخاصة تجاه الولايات المتحدة وفرنسا.
إن المغرب لا يشكل
بوابة حيوية لمنطقة الساحل والصحراء فحسب، بل إنه أيضا رائد في الاستثمارات الأجنبية
في العديد من الدول الإفريقية، حيث أصبح ثاني أكبر مستثمر إفريقي بعد جنوب إفريقيا.
وقد أدركت فرنسا أهمية المغرب كشريك استراتيجي، لذا فإن الزيارة الفرنسية تعكس تحولا
استراتيجيا في العلاقات مع التأكيد على دعم الموقف المغربي بشأن الصحراء.
وتعتمد فرنسا على المغرب
في عدة ملفات، على عكس الجزائر التي تعتبر الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل
عديم الفائدة، وتمثل القضايا الاقتصادية نقطة مهمة بالنسبة لفرنسا، حيث ترى أن التعامل
التجاري مع المغرب أكثر سلاسة من التعامل مع الجزائر.
المصالح الاقتصادية
بين المغرب وفرنسا
وحافظت فرنسا على مكانتها
كأهم شريك اقتصادي للمغرب، حيث تعمل في البلاد حوالي 1300 شركة فرنسية، باستثمارات
تصل إلى حوالي 8.1 مليار يورو في عام 2022. ويفتح التحسن في العلاقات الفرنسية المغربية
آفاقا جديدة للشركات الفرنسية المتأثرة بالخلافات السياسية، وهو ما قد يعزز اهتمامها
بالاستثمار في الصحراء المغربية، وخاصة في قطاعات الطاقة وتحلية المياه والبنية التحتية.
كما تتمتع شركة ألستوم،
المتخصصة في توليد الطاقة والبنية التحتية للسكك الحديدية، بفرصة قوية للفوز بعقد توريد
قطارات جديدة لخط القطار فائق السرعة المخطط له بين مراكش والقنيطرة. كما أن استضافة
المغرب لكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال تشكل أيضًا فرصة استثمارية
كبرى لفرنسا لتقديم خبرتها في البنية التحتية.
التعاون في مجال الهجرة
والأمن
أحبطت السلطات المغربية
أكثر من 45 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية منذ بداية عام 2024. وتلعب الهجرة دورا محوريا
في العلاقات المغربية الفرنسية، حيث تعتبر باريس الرباط شريكا استراتيجيا في مواجهة
الضغوط الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية.
ويرى محللون أن أحد
الأسباب الرئيسية التي دفعت فرنسا وإسبانيا إلى اتخاذ موقفيهما بشأن الصحراء هو
"الخوف من استغلال ورقة الهجرة للضغط عليهما، حيث أن الأوروبيين قلقون للغاية
من الهجرة غير الشرعية ويعولون على المغرب لمواجهتها باعتباره أقرب دولة إلى أوروبا".
ويشير محللون آخرون
إلى أن اعتقال المغرب لنحو 87 ألف مهاجر في عام 2023 يظهر التزامه بالتعاون الأمني
مع أوروبا، حيث تقول السلطات المغربية إنها أحبطت أكثر من 45 ألف محاولة للهجرة غير
الشرعية منذ بداية العام الجاري.
ورغم التقلبات التي
تشهدها العلاقات بين المغرب وفرنسا، إلا أن الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين
ظلت قوية، فاللغة الفرنسية هي اللغة غير الرسمية الأولى في المغرب، كما أن ثوابت السياسة
الفرنسية تجاه المغرب لا تتأثر بتناوب الرؤساء بين اليمين واليسار، وهو ما قد يعكس
استقرار العلاقة بين البلدين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق