أحدث تعليق الدورة السابعة من "اختيار غونكور الجزائري" التي تنظمها أكاديمية غونكور المرموقة في 3 ديسمبر 2024، موجة من الصدمات في المشهدين الأدبي والسياسي. ويؤكد هذا القرار، الذي حرضته الرقابة التي فرضتها الحكومة الجزائرية على رواية «حوريات» للكاتب كمال داود، واستبعاد دار غاليمار للنشر من معرض الجزائر للكتاب، على التزام الأكاديمية الراسخ بمبدأ حرية التعبير. ومع تطور هذه الإجراءات على خلفية التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا، يجد عالم الأدب نفسه عند مفترق طرق بين الفن والسياسة وحقوق الإنسان.
في قلب الجدل تكمن
رواية " «حوريات»" ، وهي عمل يتعمق في موضوعات اجتماعية دينية معقدة. ويرمز
حظرها في الجزائر إلى التحديات الواسعة التي يواجهها الكتاب في المجتمعات التي تتعارض
فيها حرية الفكر مع السيطرة المؤسسية. إن قرار السلطات الجزائرية لن يسكت كمال داود
فحسب، بل يهمش أيضًا تقليدًا كاملاً من الأصوات المعارضة التي تشكك في المعايير الراسخة.
إن استبعاد غاليمار من حدث أدبي كبير مثل معرض الجزائر للكتاب يضاعف من هذه الإهانة،
مما يشير إلى محاولة أوسع نطاقًا لقمع المشاركة الدولية في المجال الفكري في الجزائر.
في الوقت نفسه، يمثل
اعتقال بوعلام صنصال في 16 نوفمبر2024 تصعيدًا مرعبًا في قمع حرية التعبير. ياتهم صنصال،
الروائي الشهير المعروف بنقده اللاذع للقضايا السياسية والاجتماعية في الجزائر، بـ
"تقويض الوحدة الوطنية"، ويمثل سلسلة طويلة من الكتاب الذين تم إسكات أصواتهم
بسبب التزامهم الثابت بالحقيقة. لقد أثار اعتقاله صرخة عالمية، حيث طالب بعض الحائزين
على جائزة نوبل والمثقفين والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان بالإفراج عنه. وتؤكد
هذه الدعوات إلى العدالة على الاعتراف المتزايد بالأدب كخط أمامي في النضال من أجل
حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية.
تعكس تصرفات أكاديمية
غونكور تضامنًا أعمق مع كتاب مثل داود وصنصل، الذين يواجهون الاضطهاد بسبب مهنتهم
كمبدعين. من خلال تعليق "اختيار غونكور في الجزائر"، اختارت الأكاديمية إرسال
رسالة قوية: أن الرقابة والقمع ليس لهما مكان في العالم الأدبي. هذه الخطوة ليست مجرد
عمل من أعمال التحدي ضد السلطات الجزائرية ولكنها أيضًا إعادة تأكيد لدور الأدب كمساحة
للحوار والنقد والسعي وراء الحقائق العالمية.
إن هذه الحلقة ليست
حادثة معزولة بل هي جزء من سياق تاريخي وسياسي واسع. لقد كانت العلاقة بين الجزائر
وفرنسا محفوفة بالتوترات منذ فترة طويلة، والتي ترجع جذورها إلى إرث الاستعمار وندوب
حرب الاستقلال الجزائرية. وقد شكلت هذه الجروح الديناميكيات الثقافية والسياسية بين
البلدين، مما جعل الأدب في كثير من الأحيان ساحة معركة للسرديات المتنافسة. وفي هذا
السياق، يكشف قمع الحور العين واستهداف كتاب مثل صنصال عن حساسية حادة لقوة السرد في
تشكيل الذاكرة والهوية الجماعية.
وعلاوة على ذلك، فإن
هذه الأحداث لها آثار كبيرة على المجتمع الأدبي العالمي حيث ويسلط رد الفعل الدولي
على تصرفات الحكومة الجزائرية الضوء على الترابط بين التعبير الأدبي والدعوة العالمية
لحقوق الإنسان. فالأدب، كشكل فني، يتجاوز الحدود، ويحمل القدرة على تعزيز التفاهم والتضامن
بين الثقافات. وتؤكد الأصوات التي ارتفعت دفاعاً عن كمال داود وبوعلام صنصل على إدراك
جماعي بأن تقييد حرية كاتب واحد يعني تقليص النسيج الثقافي والفكري الأوسع للإنسانية.
كما يثير الجدل تساؤلات
بالغة الأهمية حول مسؤوليات مؤسسات مثل أكاديمية غونكور. فمن خلال اتخاذ موقف ضد الرقابة،
لا تتمسك الأكاديمية بالتزامها بالحرية الفنية فحسب، بل إنها تضع سابقة ينبغي للهيئات
الثقافية الأخرى أن تحذو حذوها. ويشكل قرارها بتعليق جائزة أدبية كبرى تذكيراً بأن
مثل هذه المؤسسات لها دور تلعبه يتجاوز مجرد الاحتفال بالتميز الأدبي؛ فهي أيضاً أمينة
على القيم التي تدعم التعبير الإبداعي.
بالنسبة للجزائر، تشير
هذه الإجراءات إلى اتجاه مقلق نحو الاستبداد في عالم الثقافة. إن إسكات الأصوات المعارضة
من خلال الرقابة والاضطهاد القانوني يعكس استراتيجية أوسع للسيطرة على الخطاب العام.
ومع ذلك، غالبًا ما يكون لهذه التدابير عواقب غير مقصودة تتمثل في حشد المعارضة ولفت
الانتباه الدولي إلى قضايا قد تظل محلية لولا ذلك. إن الإدانة الواسعة النطاق للرقابة
على داود واعتقال صنصال توضح قدرة المجتمع المدني العالمي على مقاومة الجهود الرامية
إلى قمع حرية التعبير.
وبينما يكافح عالم
الأدب مع هذه التطورات، فمن الجدير أن نتأمل القوة الدائمة التي تتمتع بها الأدب في
تحدي السلطة وإثارة التغيير. ويجسد كتاب مثل داود وصانصال الشجاعة اللازمة للتحدث بالحقيقة
للسلطة في بيئات معادية للمعارضة. ورغم استهداف أعمالهما للقمع، فإنها لا تزال تلهم
القراء في جميع أنحاء العالم، وتذكرنا بالإمكانات التحويلية للروايات في سد الفجوات
وإشعال الحركات.
إن قرار أكاديمية غونكور
بتعليق جائزتها الجزائرية ليس مجرد لفتة رمزية؛ بل هو تأكيد على المبادئ التي تجعل
الأدب حجر الزاوية للحضارة الإنسانية. ومن خلال الوقوف إلى جانب الكتاب المضطهدين،
أكدت الأكاديمية اعتقادها بأن الفن لا ينفصل عن الحريات التي تدعمه. ومع تطور هذه الملحمة،
فإنها بمثابة دعوة إلى العمل للكتاب والقراء والمؤسسات على حد سواء للدفاع عن الحق
في التحدث والسماع، لأنه بدون هذا الحق، فإن القصص التي تحدد إنسانيتنا المشتركة معرضة
لخطر الضياع في الصمت.
في عالم يواجه فيه
حرية التعبير تهديدات متزايدة، تذكرنا الأحداث المحيطة بكمال داود، وبوعلام صنصال،
وأكاديمية غونكور بالمخاطر التي تنطوي عليها. إنها تتحدانا للنظر في الدور الذي نلعبه
جميعًا في حماية المساحات التي تسمح للإبداع والاختلاف بالازدهار. وبينما يستمر الأدب
في إلقاء الضوء على أظلم زوايا التجربة الإنسانية، فمن الواجب علينا جميعًا ضمان عدم
انطفاء الضوء الذي يلقيه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق