تشكل وسائل الإعلام، باعتبارها أداة اتصال قوية، تصورات الجمهور، وتؤثر على المعايير الثقافية، وتعمل كمرآة تعكس القيم المجتمعية. إن تصوير النوع الاجتماعي في التغطية الإخبارية، وهو موضوع يحظى باهتمام وقلق متزايدين، يسلط الضوء على
تعقيدات التمثيل ويؤكد على التحديات المستمرة في تحقيق المساواة بين الجنسين. من الروايات المشوهة إلى التحيزات الخفية، تظل معالجة وسائل الإعلام لقضايا النوع الاجتماعي عاملاً حاسماً في المحادثة الأوسع حول المساواة وتمكين المرأة.غالبًا ما يتسم تمثيل
الجنسين في التغطية الإخبارية بعدم التوازن والنمطية. تاريخيًا، كانت وسائل الإعلام
تميل إلى تهميش أصوات النساء، وإبعادهن إلى أدوار ثانوية أو تأطيرهن ضمن قوالب نمطية
ضيقة. على النقيض من ذلك، غالبًا ما يهيمن الرجال على السرديات الإعلامية، وغالبًا
ما يتم تصويرهم كشخصيات السلطة الافتراضية في مجالات مثل السياسة والعلوم والأعمال.
هذا التمثيل غير المتساوي يديم المعايير المجتمعية التي تعطي الأولوية لوجهات نظر الذكور
بينما تقلل من قيمة مساهمات النساء، مما يعزز التسلسل الهرمي التقليدي بين الجنسين.
إن تأطير الأخبار يشكل
عاملاً رئيسياً في تشكيل كيفية إدراك الجمهور لقضايا النوع الاجتماعي. وكثيراً ما تركز
وسائل الإعلام على مظهر المرأة أو حياتها الشخصية أو عواطفها، وخاصة عند تغطية الشخصيات
العامة النسائية. ويتناقض هذا بشكل حاد مع التركيز على الإنجازات والخبرة والقيادة
عند تغطية نظرائهن من الرجال. ولا يؤدي هذا التأطير إلى تقليص مصداقية المرأة فحسب،
بل ويساهم أيضاً في إدامة التصور بأن قيمتها تكمن في المقام الأول في مظهرها الجسدي
أو أدوارها المنزلية. وبذلك، تساهم وسائل الإعلام في ثقافة حيث يتعين على المرأة أن
تناضل باستمرار من أجل الاعتراف بها بما يتجاوز السمات السطحية.
وعلاوة على ذلك، يمتد
التفاوت في تمثيل الجنسين إلى اختيار المصادر والخبراء الذين يظهرون في الأخبار الإخبارية.
وتُظهِر الدراسات باستمرار أن الرجال يُستشهد بهم بشكل غير متناسب كخبراء ومعلقين ومصادر
أساسية في التغطية الإخبارية، حتى في القضايا التي تؤثر على النساء بشكل مباشر. وتعمل
هذه الممارسة على تهميش أصوات النساء وخبرتهن، مما يحد من تأثيرهن على الخطاب العام.
كما تعمل على تعزيز تصور السلطة الذكورية، مما يوحي بشكل خفي بأن آراء الرجال تحمل
وزناً أكبر في تشكيل القرارات المجتمعية.
إن التغطية الإعلامية
للعنف القائم على النوع الاجتماعي توفر نافذة أخرى يمكن من خلالها فحص دور وسائل الإعلام
في تشكيل التصورات. وفي حين تم إحراز بعض التقدم في لفت الانتباه إلى قضايا مثل العنف
المنزلي والتحرش الجنسي والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، فإن الطريقة التي يتم
بها الإبلاغ عن هذه الأخبار غالبًا ما تقوض تأثيرها. إن الروايات التي تلقي باللوم
على الضحية والعناوين الرئيسية المثيرة والافتقار إلى التركيز على الأسباب النظامية
تعمل على إدامة الصور النمطية الضارة وتطمس السياق الأوسع لعدم المساواة بين الجنسين.
إن مسؤولية وسائل الإعلام في هذه الحالات تمتد إلى ما هو أبعد من الإبلاغ عن الحوادث؛
فهي تشمل تعزيز الحوار العام المستنير والمتعاطف الذي يتحدى التحيزات الراسخة ويدعو
إلى التغيير.
لقد قدمت وسائل التواصل
الاجتماعي، وهي لاعب جديد نسبيا في المشهد الإعلامي، فرصا وتحديات في تصوير قضايا النوع
الاجتماعي. فقد عملت منصات مثل تويتر وإنستغرام وفيسبوك على تضخيم الأصوات المهمشة،
مما مكن الناشطين من تحدي الروايات التقليدية ولفت الانتباه إلى الأخبار التي لم يتم
الإبلاغ عنها بشكل كاف. وقد أظهرت حملات مثل #MeToo و#TimesUp قوة وسائل
الإعلام الرقمية في حشد الحركات العالمية من أجل العدالة بين الجنسين. ومع ذلك، فإن
الطبيعة اللامركزية لوسائل التواصل الاجتماعي تسهل أيضا انتشار المعلومات المضللة وكراهية
النساء والتحرش، مما يعقد الجهود الرامية إلى تعزيز المحادثات البناءة حول تمثيل النوع
الاجتماعي.
إن المؤسسات الإعلامية
نفسها ليست بمنأى عن التحيزات التي تروج لها. فالتفاوت بين الجنسين داخل غرف الأخبار،
بما في ذلك التمثيل الناقص للمرأة في الأدوار القيادية، يساهم في تصوير القضايا الجنسانية
بشكل منحرف. وكثيراً ما يؤدي الافتقار إلى التنوع بين الصحفيين والمحررين إلى ظهور
نقاط عمياء، حيث يتم تجاهل بعض الأخبار أو تغطيتها بشكل غير كاف. إن معالجة هذه الاختلالات
الداخلية أمر ضروري لإنتاج تقارير أكثر إنصافاً ودقة تعكس حقائق المجتمع المتنوع.
ومع ذلك، من المهم
الاعتراف بالخطوات الكبيرة التي قطعناها نحو تحسين تمثيل الجنسين في وسائل الإعلام.
وقد أدى الوعي المتزايد بالتحيزات الجنسانية إلى دفع بعض المنافذ الإخبارية إلى تبني
ممارسات أكثر شمولاً، مثل إرشادات إعداد التقارير التي تراعي الفوارق بين الجنسين وسياسات
المصادر المتوازنة. كما بدأت المبادرات الرامية إلى توجيه وتشجيع الصحفيات في معالجة
الفجوة بين الجنسين داخل غرف الأخبار. وتشير هذه الجهود إلى اعتراف متزايد بمسؤولية
وسائل الإعلام عن تحدي عدم المساواة المجتمعية، بدلاً من تعزيزها.
إن تأثير تمثيل الجنسين
في التغطية الإخبارية يمتد إلى ما هو أبعد من حدود وسائل الإعلام. فهو يؤثر على الرأي
العام، ويشكل المناقشات السياسية، ويؤثر على كيفية إدراك الأفراد لأدوارهم وإمكاناتهم
داخل المجتمع. وبالنسبة للجمهور الشاب على وجه الخصوص، تلعب الرسائل التي تنقلها السرديات
الإعلامية دورًا مهمًا في تشكيل التطلعات والتصور الذاتي. وبالتالي فإن ضمان التمثيل
الدقيق والعادل لجميع الجنسين ليس مجرد مسألة عدالة فحسب، بل إنه أيضًا خطوة حاسمة
نحو تعزيز مجتمع أكثر شمولاً وتقدمًا.
إن تحقيق تغيير ملموس
في تمثيل الجنسين يتطلب نهجا متعدد الأوجه. ويتعين على المؤسسات الإعلامية أن تلتزم
بفحص الذات، ومواجهة تحيزاتها وتنفيذ سياسات تعزز التنوع والشمول. ويتعين على المؤسسات
التعليمية أن تزود الصحفيين في المستقبل بالأدوات اللازمة للتعرف على التحيزات الجنسانية
في عملهم وتحديها. كما يتعين على الجماهير أن تلعب دورا في المطالبة بتمثيل أفضل ومحاسبة
المنافذ الإعلامية على تصويرها لقضايا الجنسين.
إن الطريق إلى التمثيل
العادل للجنسين في التغطية الإخبارية ليس بالأمر السهل ولا يخلو من المقاومة. ومع ذلك،
فهي رحلة تستحق أن نخوضها. إن وسائل الإعلام، باعتبارها انعكاسًا وصانعًا للمجتمع،
تمارس قوة هائلة في التأثير على كيفية فهم وتقدير الجنس. ومن خلال السعي إلى تصوير
متوازن ودقيق ومحترم لجميع الجنسين، يمكن لوسائل الإعلام أن تساهم في تفكيك أوجه عدم
المساواة المتجذرة وتمهيد الطريق لمستقبل حيث يعكس التمثيل حقًا ثراء وتنوع التجربة
الإنسانية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق