في خطوة حاسمة لتعزيز قطاع الصحافة في المغرب، أعلن وزير الشباب والثقافة والاتصال محمد مهدي بنسعيد عن مبادرات هامة جدا تهدف إلى ضمان استدامة ونزاهة المشهد الإعلامي برمته . فماهي آثار هذه التدابير والتحديات التي تعالجها وأهميتها للمجتمع المغربي.
في كلمة ألقاها أمام لجنة التعليم والثقافة بمجلس المستشارين بالبرلمان المغربي، أكد السيد الوزير، على الحاجة الملحة إلى النهوض بمهنة الصحافة. وأشار إلى أن برنامج الدعم المالي الاستثنائي لأجور الصحفيين والتغطية الصحية ومزايا التقاعد من المقرر أن ينتهي في مارس 2025. وسيتحول هذا البرنامج إلى آلية تمويل عامة أعيدت هيكلتها تهدف إلى تعزيز المؤسسات الإعلامية وضمان حماية حقوق الصحفيين بشكل كاف.
إن رؤية السيد
الوزير تتلخص في تبني منهج شامل لدعم كافة الممارسين الصحفيين. ويعكس التزامه برفع
الرواتب، وإضفاء الطابع الرسمي على التوظيف من خلال التسجيل في الضمان الاجتماعي، وتوفير
تعويضات إضافية عن العمل الإضافي، هدفاً واسع النطاق يتمثل في استعادة الكرامة والاحترافية
داخل القطاع. ومن خلال معالجة هذه القضايا الأساسية، تسعى الحكومة إلى تمكين الصحفيين
من العمل باستقلالية والحفاظ على المعايير الأخلاقية، بعيداً عن الضغوط الخارجية أو
انعدام الأمن المالي.
إن أحد المكونات المحورية
للإصلاحات المقترحة هو المرسوم المشترك الذي تم توقيعه مع وزير الميزانية فوزي لقجع.
إن هذا المرسوم يحدد المعايير التي يجب أن تلتزم بها شركات الإعلام للوصول إلى إطار
التمويل العام الجديد حيث يجب أن تفي الشركات بمتطلبات محددة، بما في ذلك عتبات الإيرادات
الدنيا ومعايير التشغيل. على سبيل المثال، يتعين على مؤسسات الإعلام الورقي توظيف ما
لا يقل عن 12 صحفيًا محترفًا والحفاظ على دورة النشر، في حين يجب على المنصات الرقمية
توظيف ما لا يقل عن 10 صحفيين محترفين. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الصحافة المستدامة
و عزل المواقع التي تفتقر إلى الاحترافية أو الرؤية طويلة الأجل.
وتخصص آلية التمويل
ما يصل إلى 50% من دعمها لتعويض تكاليف الإنتاج والأجور للشركات المؤهلة، بشرط امتثالها
للمعايير المعمول بها. ومن خلال ربط المساعدة المالية بالشفافية والتقارير الأخلاقية،
تهدف الحكومة إلى تعزيز قطاع إعلامي قوي وموثوق بمنتوجه. بالإضافة إلى ذلك، تعكس بنية
التخصيص فهمًا للواقع الاقتصادي الذي تواجهه شركات الإعلام، وخاصة في مواجهة انخفاض
عائدات الطباعة والهيمنة المتزايدة للمنصات الرقمية.
ولا تقتصر مبادرات
الوزير بنسعيد على معالجة التحديات الاقتصادية في مجال الصحافة. فقد أعرب أيضًا عن
قلقه بشأن التأثير المجتمعي الواسع للمحتوى الفوضوي على منصات رقمية وخصوصا تيك توك.
وفي إشارة إلى انتشار المعلومات المضللة والمواد الضارة ثقافيًا، أكد الوزير على الحاجة
الملحة إلى حماية شباب المغرب من مثل هذه التأثيرات الضارة. وكشف أن النقاشات
والحوارات جارية مع مدير سياسة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في تيك توك، وائل عزت، لتطبيق
ضوابط أكثر صرامة على المحتوى. وقد تؤدي هذه المفاوضات إلى إنشاء مكتب جهوي لتيك توك
في المغرب، مما يعزز قدرة البلاد على مراقبة وتنظيم المحتوى الرقمي.
كما تطرقت تصريحات
الوزير إلى قضية التضليل المتزايدة وصعود المؤثرين الذين يستغلون منصات التواصل الاجتماعي
لتشويه سمعة المغرب أو نشر الأكاذيب. وقد حث الصحفيين المتضررين على اللجوء إلى القضاء
ضد مثل هذه الممارسات التشهيرية مع تشجيع الآباء على تبني أدوات المراقبة لحماية الأطفال
من المحتوى الضار المحتمل عبر الإنترنت. ويؤكد هذا المنهج المزدوج على اعتراف الحكومة
بالتفاعل المعقد بين نزاهة وسائل الإعلام والقيم المجتمعية.
وقد أثار منتقدو إصلاحات
تمويل وسائل الإعلام مخاوف بشأن احتمالات المحسوبية أو الافتقار إلى الشمولية في تخصيص
الأموال. ومع ذلك، فإن إدراج معايير أهلية واضحة وأداء يهدف إلى تبديد هذه المخاوف.
ومن خلال التأكيد على الدعم القائم على الاستحقاق والجدارة، تطمح المبادرة إلى رعاية
فضاء إعلامي تنافسي ومبتكر. ويمكن أن يكون هذا المنهج بمثابة نموذج للقطاعات الأخرى
التي تناضل ضد تحديات مماثلة، مثل الموازنة بين التحديث والحفاظ على الثقافة.
وبعيدا عن التداعيات
المحلية، فإن هذه الإصلاحات ستكون لها أهمية واسعة في وضع وسائل الإعلام المغربية على
الساحة الإقليمية والعالمية. وسلط بنسعيد الضوء على الأهمية الاستراتيجية لتعزيز رؤية
ومصداقية الصحافة المغربية في السياقات العربية والإفريقية والدولية. وقال أن إرساء
قواعد وأسس قطاع إعلامي حيوي وأخلاقي أمر ضروري ليس فقط للخطاب الوطني ولكن أيضا لإبراز
صورة المغرب في الخارج.
إن توقيت هذه التدابير
يتماشى مع الاتجاهات العالمية الراهنة ، حيث تكافح الحكومات والمؤسسات الإعلامية التحديات
المزدوجة المتمثلة في الاستدامة الاقتصادية والتحول الرقمي. ويعكس المنهج الاستباقي
للمغرب اعترافه بالدور الذي لا غنى عنه لوسائل الإعلام في الديمقراطية والتنمية. ومن
خلال الاستثمار في احترافية القطاع، تعالج البلاد أيضًا الحاجة الملحة لمكافحة المعلومات
المضللة وتعزيز الخطاب العام المتنور.
ويشير قرار إنهاء برنامج
دعم الأجور غير العادي في عام 2025 إلى التحول من التدخلات المالية قصيرة الأجل إلى
نظام دعم أكثر هيكلة واستدامة. ومن المتوقع أن تجبر هذه الخطوة شركات الإعلام على تبني
أفضل الممارسات والابتكارات في عملياتها. على سبيل المثال، تعمل المعايير التي تؤكد
على الحد الأدنى من الإيرادات والمعايير التشغيلية على تحفيز شركات الإعلام على توسيع
نطاقها وتنويع مصادر دخلها، مما يعزز المرونة في سوق تنافسية واسعة.
وتحمل الإصلاحات المقترحة
أيضًا آثارًا كبيرة على أخلاقيات الصحافة. فمن خلال ضمان الأجور العادلة وظروف العمل
الرسمية، تهدف الحكومة إلى الحد من تعرض الصحفيين للممارسات غير الأخلاقية التي يقودها
العوز المالي. ويشكل هذا التركيز على النزاهة المهنية أهمية بالغة في عصر حيث غالبًا
ما تعمل المعلومات المضللة والإثارة على تقويض ثقة الجمهور في المؤسسات الإعلامية.
وأخيرا تمثل مبادرات
محمد مهدي بنسعيد محاولة جريئة وشاملة لضخ دماء جديدة في المشهد الإعلامي في المغرب.
ومن خلال معالجة التحديات الاقتصادية، وتعزيز الصحافة الأخلاقية، وحماية القيم المجتمعية،
فإن هذه الإصلاحات لديها القدرة على تحويل القطاع إلى حجر الزاوية في الهوية الديمقراطية
والثقافية للمغرب. ومع ذلك، فإن نجاحها سيعتمد على التنفيذ الشفاف، والمشاركة المستمرة
لأصحاب المصلحة، والالتزام بموازنة الضرورات الاقتصادية مع الصالح العام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق