الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يناير 31، 2025

إشكالية المفاهيم والإبداع في الأدب الرقمي:عبدو حقي

 


يُعدُّ الأدب الرقمي أحد الظواهر الحديثة التي فرضها التطور التكنولوجي، حيث أصبح النص الأدبي يتفاعل مع وسائط رقمية متنوعة، كالوسائط المتعددة، والذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي. إلا أن هناك إشكالية واضحة في هذا المجال: لدينا مفاهيم عديدة تتناول الأدب الرقمي، لكننا لا نجد إبداعًا أدبيًا رقمياً حقيقيًا يوازي تلك المفاهيم. كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ وهل هناك معوقات تمنع ظهور إبداع أدبي رقمي حقيقي؟

1. تعريف الأدب الرقمي وتنوع مفاهيمه الأدب الرقمي هو ذلك النوع من الأدب الذي يُنتَجُ ويُستهلك في البيئة الرقمية، حيث يعتمد على تفاعل القارئ مع النص بطرق مختلفة. ويشمل عدة أنواع مثل: الأدب التوليدي: الذي يستخدم الخوارزميات لإنتاج نصوص متغيرة. الأدب التفاعلي: حيث يلعب القارئ دورًا في تشكيل النص من خلال التفاعل مع الوسائط المختلفة. الأدب الإلكتروني متعدد الوسائط: الذي يستخدم النص والصوت والصورة والرسوم المتحركة لتعزيز تجربة القراءة. بسبب هذا التنوع، ظهرت مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي تحاول تأطير الأدب الرقمي، مثل "النص التشعبي"، "التفاعل السردي"، "الواقع الافتراضي الأدبي"، وغيرها. لكن على الرغم من هذه الوفرة المفاهيمية، يظل هناك نقص واضح في الإبداع الأدبي الرقمي القوي. 2. الإشكالية: لماذا المفاهيم أكثر من الإبداع؟ إذا نظرنا إلى الأدب التقليدي، نجد أن المفاهيم النقدية نشأت بعد ظهور الإبداع وليس قبله. على سبيل المثال، لم تظهر نظريات الحداثة الأدبية إلا بعد أن قدم كتاب مثل جيمس جويس، وفرجينيا وولف، وفرانز كافكا أعمالًا تجريبية. أما في الأدب الرقمي، فالوضع معكوس؛ إذ ظهرت المفاهيم والنظريات قبل أن نرى إنتاجًا أدبيًا رقميًا يرقى إلى مستوى الأدب العظيم. يمكن تفسير هذه الظاهرة بعدة أسباب: أ. الأدب الرقمي لا يزال في مرحلة التجريب الأدب الرقمي لم يصل بعد إلى مرحلة النضج. لا تزال معظم التجارب في هذا المجال تقتصر على المشاريع الأكاديمية والتجريبية، ولم تنجح بعد في استقطاب جمهور واسع كما حدث مع الروايات الورقية أو الشعر التقليدي. ب. التكنولوجيا تتقدم أسرع من الأدب التطور التكنولوجي يتسارع بوتيرة تفوق قدرة الأدب على استيعابه. كلما بدأ الأدباء في استكشاف وسيلة رقمية، تظهر أخرى جديدة، مما يجعل الإنتاج الأدبي الرقمي في حالة مستمرة من إعادة التكيف والتجريب، بدلاً من الاستقرار والإنتاج المتميز. ج. هيمنة الطابع التقني على الأدب الرقمي الأدب الرقمي يتطلب مهارات تقنية قد لا يمتلكها جميع الأدباء. على سبيل المثال، يحتاج الكاتب الرقمي إلى فهم البرمجة، والتفاعل الرقمي، والتصميم البصري، وهو ما يجعل العملية الإبداعية معقدة مقارنة بالأدب التقليدي الذي يعتمد أساسًا على اللغة. د. غياب البيئة النقدية الداعمة في الأدب الورقي، هناك مؤسسات نقدية، ومجلات أدبية، وجوائز تدعم الإبداع وتشجع الأدباء على تطوير أعمالهم. في المقابل، لا تزال المؤسسات الثقافية والنقدية غير متكيفة مع الأدب الرقمي، مما يحد من انتشاره وتأثيره. 3. كيف يمكن تجاوز هذه الإشكالية؟ أأ. تطوير بيئة إنتاج أدبي رقمي حقيقية يحتاج الأدب الرقمي إلى بيئة إبداعية تتضمن منصات للنشر، وتمويلًا لدعم المشاريع الرقمية، وجوائز أدبية تشجع الأدباء على استكشاف هذا المجال بجدية. ب. تعليم الأدباء المهارات الرقمية ينبغي تعزيز تكوين الأدباء في المهارات الرقمية، سواء من خلال ورش العمل، أو الشراكات مع المبرمجين والمصممين، حتى يتمكنوا من إنتاج أعمال رقمية دون أن تكون التقنية عائقًا أمام الإبداع. ج. تعزيز دور القارئ التفاعلي يجب تشجيع القارئ على لعب دور أكثر فاعلية في النص الرقمي، حيث يمكن أن يصبح مشاركًا في تشكيل القصة أو التفاعل مع مسارات النص المختلفة، مما يجعله جزءًا من عملية الإبداع. د. دعم المؤسسات الثقافية للأدب الرقمي ينبغي أن تعترف المؤسسات الثقافية، مثل دور النشر، والمجلات الأدبية، والجامعات، بأن الأدب الرقمي هو شكل جديد من أشكال الأدب، وتعمل على دعمه أكاديميًا وإعلاميًا. الأدب الرقمي مليء بالمفاهيم، لكنه يفتقر إلى الإبداع لأسباب تتعلق بحداثته، وطبيعته التقنية، وسرعة تطور التكنولوجيا، وغياب الدعم المؤسسي. لكن هذا لا يعني أن الأدب الرقمي لن يصل إلى مرحلة النضج، بل يحتاج إلى بيئة حاضنة تساعد على تحويل النظريات إلى أعمال أدبية حقيقية. بمجرد توفر هذه البيئة، سنشهد إبداعات رقمية تضاهي في تأثيرها وإبداعها أعظم الأعمال الأدبية التقليدية.

0 التعليقات: