قرب الرجل العجوز الكأس إلى شفتيه، وفي تلك اللحظة، أصبح سطح السائل بالكامل مرآة تكثفت فيها القرون مثل الشمع المنصهر. لم يكن قهوة ولا نبيذًا، بل سائلًا مقطرًا من نخاع الأبراج المنسية، يدور في دوامات بطيئة، يعكس وجه عازف جيتار كانت موسيقاه ذات يوم تحكم مد وجزر كوكب مجهول الاسم.
ارتشف، وارتشف الهاوية بدورها.
كان الطعم بلون الكسوف.
حمل رائحة الكلمات غير المنطوقة، والشبح الراتنجي للغابات التي لم توجد أبدًا. وبينما
انزلق الدفء إلى حلقه، شعر بلحيته تتشقق مثل أوراق الخريف، وتحولت إلى غبار أعاد تجميع
نفسه في ممرات منزل لم يعش فيه قط ولكنه كان ملكًا له دائمًا.
من الطرف البعيد من
المسرح المظلم، انحنى الموسيقي إلى الأمام، وكانت أصابعه تولد نغمات غير مرئية. كان
وجهه متشكلاً من ألحان غير مكتملة، وشفتاه تشكلان حرفا من الدهشة الدائمة. لقد تم القبض عليه في
منتصف الأغنية، متجمداً في لحظة تجاوزت أصدائها الخاصة. كانت أوتار قيثارته تطن بغمغمة
اللهجات المنسية، وكان الهواء بينهما يرتجف، على وشك الكلام.
لكن الكلام لم يكن
ضرورياً. لقد فهم الرجل العجوز بالفعل.
لم يكن فنجان القهوة
مجرد شراب؛ بل كان باباً.
مع كل رشفة، تتلاشى
المدينة بالخارج، ويتجعد الرصيف مثل الورق المحترق. تتحول أضواء الشوارع إلى قناديل
البحر، تحوم، تنبض في غياب الجاذبية. لقد فقدت السيارات عجلاتها وانجرفت مثل شواهد
القبور المقتلعة من جذورها عبر سماء فقدت لونها. حتى الناس - تلك الخطوط العريضة الباهتة
التي تتحرك في قطع ناقصة يمكن التنبؤ بها - بدأت في التشويش، وتتفكك حوافهم مثل أربطة
الحذاء المربوطة بشكل سيئ.
تركت آخر رشفة قطرة
واحدة في قاع الكوب.
وفي داخل تلك القطرة،
دار عالم صغير حول محوره.
كان هناك مقهى في ذلك
العالم، وعلى طاولته في الزاوية جلس رجل، يرفع فنجانًا إلى شفتيه. كانت لحيته خريطة
لمسارات منسية، وكانت عيناه مختبئتين خلف زجاج المعرفة الملون. وفي مواجهته، انحنى
عازف جيتار على نغمة لم تُعزف بعد.
كانا يشربان بعضهما
البعض لسنوات.
ولم تنته الأغنية أبدًا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق