أذكر أن السماء في ذلك اليوم كانت بلون المشمش المحروق، وكأنها امتصت كل أحزان العالم وقررت أن تعكسها. وفي البعيد، وراء الكثبان الرملية التي همست بأسرار لم يجرؤ أحد على تفسيرها، وقفت صورة هشة لخيمة، ترتجف مثل دقات قلب طائر وقع في القفص أثناء طيرانه. وفي الداخل، بدا أن الزمن نفسه قد انكشف. كانت همسات الأرواح النازحة تنجرف مثل دخان السجائر، تلتف حول أذني وتملأ ذهني بكلمات غير مكتملة.
هناك، في تلك الخيمة،
التقيت بالفروج، رسام الخرائط المتجول للخسارة. كانت خرائطه مخيطة على جلده، ومسارات
وطرق محفورة في ندوب تتحدث عن أماكن أصبحت الآن مجرد ذكرى. سألني، وعيناه كعينين مغمورتان
بالحبر الأسود: "هل تسمعهم؟ بدأت النجوم تتحدث بألسنة، والبحر يرفض أن يحتضن الموتى
لفترة أطول". كانت كلماته معلقة في الهواء، ثقيلة ورطبة، مثل أنفاس عاصفة لم تنته
بعد.
وراء الخيمة، انفتحت
الصحراء مثل سطح ثمرة ناضجة. نبتت ألسنة اللهب حيث كان ينبغي أن تكون آثار الأقدام،
وتحركت الظلال بشكل مستقل عن أصحابها. كان الأفق عبارة عن منظار متعدد الأشكال من المشاهد
المستحيلة: مستشفى ينفث الدم من نوافذه، ومولداته تسعل أنفاسها الميكانيكية الأخيرة؛
بستان من الأشجار تنمو للخلف في الأرض، جذورها تخدش العدم. كانت الشمس قريبة للغاية،
حارقة وحادة الحواف، وكأنها تريد قطع مفهوم المأوى ذاته.
أخبرني الفروج عن الآلات
الفضية التي تطارد الكثبان الرملية، وتبصق النار وتثقب السماء بصراخها. قال إنها لا
تصطاد الناس فحسب، بل تصطاد فكرة الأمان ذاتها. همس بصوت خشن: "لقد أطلقوا النار
على الخيمة الليلة الماضية". "لقد أطلقوا النار من خلال نسيجها، وكأنهم يريدون
قتل أنفاس أولئك الذين لجأوا إلى طياتها." توقف ووجه نظره نحو الخيمة، التي بدت
الآن ترتجف تحسبًا لانتهاكها التالي.
وأضاف، بشفتيه المتجعدتين
إلى شيء بين الابتسامة والتجهم، "ومع ذلك، لا تزال الخيمة تتنفس. تتنفس بتحدي
أولئك الذين يرفضون التوقف عن الوجود، حتى عندما يتآمر العالم ضد وجودهم ذاته."
سرنا معًا عبر هذا
النسيج السريالي من الدمار، وكل خطوة تحل محل الرمال في أنماط تشبه كلمات من لغات منسية
منذ زمن طويل. في المسافة، ظهرت شخصية، وتقلصت معدتي من الغثيان الذي لا يأتي إلا من
التعرف على شبح. كان الرجل العجوز من الهاوية، الذي قفز من أعلى جرف على أمل إثبات
أنه لا يزال قادرًا على الطيران. بدلاً من ذلك، سقط في المحيط، حيث ذوب مظلته في الأعشاب
البحرية، وحملته الأمواج إلى الشاطئ مثل بقايا غير مرغوب فيها.
"الشباب"، أجاب الرجل العجوز بصوت يشبه
صوت طحن الحجارة. "لكن الشباب ليس في الهواء؛ إنه في النار". مد يده إلى
معطفه وأخرج فحمة متوهجة، وضغطها على صدره. ارتفعت رائحة اللحم المحترق في الهواء،
واختلطت برائحة الدخان الشبحية للسجائر التي بدت وكأنها تتبعنا أينما ذهبنا.
"وماذا عن الآخرين؟" سألت بصوت مرتجف.
"أولئك الذين ما زالوا يتنفسون الهواء المسموم؟"
"إنهم محاصرون"، قال الرجل العجوز،
"في متاهة من الرماد والصمت". وأشار إلى الأفق، حيث بقايا مدينة ممددة مثل
حشرة مسحوقة. كانت الشوارع أنهارًا من الزجاج المنصهر، والمباني تبكي الأنقاض. كانت
خرائط الفروج تتوهج بشكل خافت بينما كان يتتبع إصبعه على طول ذراعه.
لم أفهمه، ولم يكن
لدي الوقت لأسأله، لأن الأرض تحتنا بدأت ترتجف. انشقت الصحراء، وخرج من أعماقها ثعبان
لم أره من قبل. كانت قشوره تتلألأ بألوان الزيت على الماء، وكانت عيناه فراغات لا نهاية
لها. لم تكن الأنياب ملفوفة في فمه، بل صفوفًا من أعقاب السجائر، كل منها لا يزال مشتعلًا.
انزلق نحونا، تاركًا وراءه دربًا من الرماد والوعود المكسورة.
التفت الثعبان حول
الخيمة، وشد قبضته حتى بدأ القماش في التمزق. لكن الخيمة - أوه، الخيمة! زفر بقوة لدرجة
أن الثعبان رُمي إلى الخلف، وهو يهسهس ويتلوى بينما يذوب في سحابة من الدخان. استقرت
الخيمة في مكانها، ونسيجها مرقع بنجوم لم تكن موجودة من قبل.
"إنه حي"، قال الفروج، والدموع تنهمر
على وجهه. "على الرغم من كل شيء، فهو حي".
ضحك الشيخ من الهاوية،
وكان الصوت أشبه بكسر السلاسل. "ربما لا يكون الشباب في النار بعد كل شيء"،
قال. "ربما يكون في أنفاس التحدي".
وقفنا هناك، نحن الثلاثة،
بينما بدأت السماء المشمشية في التحول. نزلت النجوم، واحدة تلو الأخرى، واستقرت في
شقوق الأرض، وملأتها بالضوء. بدأت الصحراء، التي كانت ذات يوم مكانًا للموت، تتفتح.
نمت الزهور من الرماد، وتهمس بتلاتها بأسماء أولئك الذين فقدوا.
وقفت الخيمة في مركز
كل شيء، تتنفس بعمق، وتوهج نسيجها المرقّع مثل فانوس في الظلام. وفي تلك اللحظة، فهمت:
العالم ليس من المفترض أن نهرب منه. إنه من المفترض أن نقاومه، ونعيد صنعه، ونعيد نفخ
الحياة فيه مرة أخرى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق