الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، يناير 27، 2025

صقر أطلسي على قمم القوقاز :عبده حقي

 


أيها الصقر القادم من أطلس الأحلام،

تحلق بجناحيك فوق ربوع آسيا المجهولة،
هناك حيث الثلوج تعزف أنشودة الأزل،
وحيث الرياح تنحت أساطير منسية على الصخور.
في صباح يشبه قصيدة جامحة
أخطو خطواتي فوق جسد الصقيع،
أسمع همسات التاريخ،
في صدع جبلٍ يروي قصةَ إمبراطورٍ نسيته النجوم.
أيتها الطبيعة العذراء،
يا أمُّ أسرار الحكمة،
كيف أفضُّ مغاليقكِ؟
كيف أفسرُ وشوشة الأشجار
وصمت الوديان؟
في كهفٍ على قمة القوقاز،
رأيت نقشًا سورياليًا لرجلٍ
يحاور النجوم.
كانت عيناه مرآتين للمجرات،
وكانت يداه تزرعان الزمن
في تربة من غبار الذكريات.
أيا ربوع آسيا،
كيف جمعتِ بين النار والجليد؟
كيف أخفيتِ أسرار الملوك في ثنايا الجبال؟
وهل ما زال التنين يحرس بحيراتك،
أم أن أسطورته ذابت في ثلجك الأبدي؟
هناك، في شموخ القمم،
وجدت نفسي،
أنا الصقر الأطلسي،
أعانق فضاءك بلا قيود.
رأيت الحياة من زاويةٍ جديدة،
رأيتني أسافر ليس فقط في المكان،
بل في دهاليز الروح.
يا لثلوجكِ الفاتنة،
يا لرمال صحاريكِ التي تذوب في الأفق،
أنا هنا،
أكتب قصيدتي على جناح الريح،
وأتركها تحلق معكِ،
أيها الصقر الأطلسي،
إلى ما وراء قمم القوقاز.
في عتمة الليل، على سفحٍ جليدي،
رأيت قوافل الغمام
ترقص فوق قمم الجبال،
وكأنها أرواح المحاربين القدماء
عادت لتعانق الأرض
وتسرد حكاياتها المنسية.
أيها الصقر،
احملني معك فوق الرياح،
دعني أنظر من عينيك
إلى أودية محفورة بأصابع الزمن،
حيث القرى تختبئ كأصداف
في حضن البحيرات الجليدية.
مررتُ بالغابات التي تتنفس الأسرار،
وأشجار السرو التي تخفي بين جذوعها
كلماتٍ لا تقرأ إلا بالحدس،
سمعت زئير الدببة من بعيد،
وكأنه نشيد أسطوري
يعلن عن ولادة حلمٍ جديد.
يا لروعة هذا الشرق البعيد،
حيث يتشابك السحر بالحقيقة،
وحيث تتوهج الشموس
خلف ستائر الضباب.
هناك، في وديان آسيا،
تنساب الحياة بهدوءٍ
كما ينساب الحبر في قلم شاعرٍ
يكتب نشيد العالم.
أيا صقرا أطلسيا،
أعدني إلى وطن الثلوج،
حيث أكتشف ذاتي
بين حروف الرياح،
وأنا أرتشف من كأس السماء،
ذلك السحر الذي يذوب في العروق.
عند حدود الحلم،
حين تلتقي قمم القوقاز
بأطياف السماء،
أصبحتُ شظية نورٍ
تتوهج بين الغيوم،
أصبحتُ مسافراً بلا وجهة،
باحثاً عن المعنى
بين صمت الطبيعة
وهمسات الكون السرمدي.
فيا آسيا، يا قصيدة الكوكب،
دعيني أكون حكايتك الجديدة،
دعيني أزرع أجنحتي في قلبك،
وأطير كصقر
إلى حيث تنتهي الحدود
ويبدأ الأبد.

0 التعليقات: