الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، فبراير 08، 2025

قراءة في كتاب " الذكاء الاصطناعي: كيف تسيء أجهزة الكمبيوتر فهم العالم" للكاتبة ميريديث بروزارد


هناك اعتقاد سائد بأن التكنولوجيا تعمل كعلاج للعديد من التحديات المجتمعية. تواجه ميريديث بروسارد، في عملها الرائد *الذكاء الاصطناعي غير المصطنع: كيف تسيء أجهزة الكمبيوتر فهم العالم*، هذه الفكرة من خلال توضيح القيود المتأصلة في الأنظمة الحاسوبية. تقدم مفهوم "الشوفينية التكنولوجية"، والذي يُعرَّف بأنه الاعتقاد بأن التكنولوجيا هي الحل الأمثل لجميع المشاكل. تزعم بروسارد أن هذه العقلية تؤدي غالبًا إلى نشر أنظمة مصممة بشكل غير كافٍ عبر قطاعات مختلفة، وبالتالي تفاقم القضايا القائمة بدلاً من تحسينها

يكشف التحليل النقدي لحجة بروسارد أن الإفراط في الاعتماد على الحلول الرقمية يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ أنظمة تفشل في مراعاة تعقيدات السياقات البشرية. على سبيل المثال، ثبت أن اعتماد عملية اتخاذ القرار الخوارزمية في عمليات التوظيف يؤدي إلى إدامة التحيزات الموجودة في بيانات التدريب، مما يؤدي إلى نتائج تمييزية. وتؤكد هذه الظاهرة على قيود النماذج الحسابية في التقاط الطبيعة الدقيقة ومتعددة الأوجه للتجارب البشرية.

يمتد نقد بروسارد إلى عالم المركبات ذاتية القيادة، حيث تسلط الضوء على التفاؤل المبكر المحيط بتكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة. ومن خلال تجربتها الشخصية مع سيارة ذاتية القيادة، توضح أوجه القصور الحالية في مثل هذه الأنظمة، مؤكدة أن "مستقبل الإنسان الآلي" المتصور لا يزال حقيقة بعيدة. ويدعم هذا التشكك التحديات المستمرة في هذا المجال، مثل عدم قدرة الأنظمة ذاتية القيادة على التنقل بفعالية في سيناريوهات العالم الحقيقي غير المتوقعة.

تعمق الكتاب أيضًا في تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم، وخاصة في سياق الاختبارات القياسية. وتزعم أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتفسير نتائج الاختبارات يمكن أن يحجب العوامل الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي تساهم في تفاوت أداء الطلاب. ويتماشى هذا المنظور مع الانتقادات الأوسع للاختبارات الموحدة، والتي تشير إلى أن مثل هذه التقييمات تفشل غالبًا في التقاط الذكاء المتنوع والإمكانات لدى الطلاب.

يتضمن استكشاف بروزارد للتعلم الآلي تجربة تستخدم فيها الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بنجاة تيتانيك. ويعمل هذا التمرين على إظهار حدود نماذج الذكاء الاصطناعي، وخاصة اعتمادها على البيانات التاريخية وخطر الإفراط في التجهيز. كما يسلط الضوء على الاعتبارات الأخلاقية لاستخدام النماذج التنبؤية في سياقات حساسة، حيث تمتد المخاطر إلى ما هو أبعد من التمارين الأكاديمية.

في محاولتها لإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة من خلال الذكاء الاصطناعي، تواجه بروزارد تحديات تطبيق الحلول الحسابية للمشاكل السياسية المعقدة. وتكتشف أن تعقيدات العمليات السياسية وتأثير السلوك البشري تجعل الأساليب الخوارزمية التبسيطية غير فعالة. إن هذه الرؤية تتناغم مع الانتقادات الموجهة إلى المناهج التكنوقراطية في الحكم، والتي غالبًا ما تتجاهل أهمية الحكم البشري وعدم القدرة على التنبؤ بالديناميكيات السياسية.

إن أطروحة بروزارد الشاملة تدعو إلى منظور متوازن للتكنولوجيا، مع الاعتراف بقدراتها وحدودها. وهي تحذر من التبني غير النقدي للحلول الرقمية، وتحث على التفكير بشكل أكثر تفكيرًا في متى وكيف ينبغي دمج التكنولوجيا في الأنظمة المجتمعية. ويذكرنا هذا الموقف بالانتقادات السابقة للذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي وجهها الفيلسوف هيوبرت دريفوس، الذي زعم أن الذكاء البشري يشتمل على صفات لا يمكن تكرارها بواسطة الأنظمة الحاسوبية.

وفي الختام، يعمل كتاب *الذكاء الاصطناعي غير المصطنع* كتذكير مقنع بالحاجة إلى التواضع في مساعينا التكنولوجية. إن تحليل بروسارد يؤكد على أهمية التقييم النقدي لدور التكنولوجيا في المجتمع والاعتراف بأن أجهزة الكمبيوتر، على الرغم من قدرتها على معالجة كميات هائلة من البيانات، تفتقر إلى الفهم الجوهري والوعي السياقي الذي يميز الإدراك البشري. ومع استمرارنا في التنقل عبر تعقيدات العصر الرقمي، فمن الضروري أن نظل على دراية بحدود أدواتنا وأن نضمن أن تطبيقها يخدم تعزيز التجربة الإنسانية، وليس تقليصها.

0 التعليقات: