الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، فبراير 04، 2025

قراءة في حوار الرئيس الجزائري مع صحيفة لوبينيون الفرنسية : عبدو حقي

 


في مقابلة أجريت مؤخرًا مع صحيفة لوبينيون الفرنسية، عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مواقف حازمة بشأن قضيتين محوريتين: اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية والشروط التي قد تفكر الجزائر بموجبها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولا تؤكد هذه المواقف أولويات السياسة الخارجية الجزائرية فحسب، بل تعكس أيضًا الديناميكيات المعقدة للسياسة الإقليمية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

لطالما كان صراع الصحراء الغربية، وهو نزاع إقليمي طويل الأمد، نقطة اشتعال في الجغرافيا السياسية لشمال إفريقيا. ويقابل مطالبة المغرب بهذه المنطقة بمعارضة شديدة من جبهة البوليساريو، التي تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية بدعم واضح وصريح من الجزائر. وقد أثار تأييد فرنسا الأخير لخطة الحكم الذاتي المغربية - وهو اقتراح لمنح الحكم الذاتي المحدود للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية - ردود فعل قوية من الجزائر. فقد حذر الرئيس الجزائري تبون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من هذه الخطوة، واصفًا إياها بأنها "خطأ فادح" ومؤكدًا أن مثل هذا الموقف قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية. إن هذا التطور يعكس الخلافات الدبلوماسية السابقة، ولا سيما بعدما سحبت الجزائر سفيرها من فرنسا في أعقاب تأييد مماثل لموقف المغرب من قبل دول أخرى

إن آثار التحول في سياسة فرنسا متعددة الأوجه. من ناحية، يشير هذا إلى تعزيز العلاقات الفرنسية المغربية، والتوافق مع الدول الغربية الأخرى التي دعمت خطة الحكم الذاتي المغربية. من ناحية أخرى، يخاطر بتهميش الجزائر، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، مما قد يؤدي إلى إعادة تنظيم التحالفات وزيادة الاستقطاب. تاريخيًا، كانت الجزائر حساسة للتدخلات الخارجية التي يُنظر إليها على أنها تقوض نفوذها الإقليمي أو مصالحها الوطنية. ويذكرنا السيناريو الحالي بحلقات سابقة حيث أدى التأييد الأجنبي لمطالبات المغرب إلى قطيعة دبلوماسية، مما يؤكد التقلب المستمر لقضية الصحراء المغربية

في نفس الحوار، تناول الرئيس تبون احتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو موضوع ذو أهمية كبيرة في سياق اتفاقيات إبراهام. وشهدت هذه الاتفاقيات، التي بدأت في عام 2020، إقامة العديد من الدول العربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ولكن الجزائر حافظت على موقف جامد، حيث ربطت أي تطبيع محتمل بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة. وأكد تبون هذا الموقف، قائلاً إن الجزائر ستكون مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل "في اليوم الذي يتم فيه إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة". ويتماشى هذا الموقف مع دعم الجزائر الطويل الأمد لتقرير المصير الفلسطيني ويعكس التزامها بالمبادئ التي وجهت سياستها الخارجية تاريخيًا

إن المنهج المشروط للجزائر تجاه التطبيع يتناقض مع قرارات الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. فقد مضت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين قدمًا في التطبيع دون شرط مسبق لإقامة دولة فلسطينية، مع إعطاء الأولوية للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية. إن إصرار الجزائر على ربط التطبيع بالسيادة الفلسطينية يؤكد التزامها بالقضية الفلسطينية ويسلط الضوء على وجهات نظر مختلفة داخل العالم العربي فيما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل. ويعكس هذا الاختلاف مناقشات أوسع نطاقا حول التوازن بين الالتزامات الإيديولوجية والاعتبارات البراجماتية في صياغة السياسة الخارجية.

إن التفاعل بين مواقف الجزائر بشأن الصحراء الغربية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل يكشف عن حسابات استراتيجية أوسع نطاقا. فمن خلال معارضة دعم فرنسا لمطالبات المغرب، تؤكد الجزائر على دورها كمدافع عن مبادئ تقرير المصير، وهو الموقف الذي يتردد صداه مع روايتها التاريخية للنضال ضد الاستعمار. وفي الوقت نفسه، من خلال وضع شروط واضحة للتعامل مع إسرائيل، تضع الجزائر نفسها كمدافع ثابت عن الحقوق الفلسطينية، مما يميز سياستها عن سياسات الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. ويعمل هذا النهج المزدوج على تعزيز هوية الجزائر كدولة ذات سيادة ملتزمة بمبادئ العدالة وتقرير المصير، في حين تبحر أيضا في شبكة معقدة من التحالفات والمنافسات الإقليمية.

وفي الختام، تعكس تصريحات الرئيس تبون الأخيرة النهج الدقيق للسياسة الخارجية الجزائرية في ظل الديناميكيات الإقليمية المتطورة.

من خلال تحدي موقف فرنسا بشأن الصحراء الغربية وتحديد شروط محددة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، تؤكد الجزائر مصالحها الاستراتيجية وتؤكد من جديد على التزاماتها الإيديولوجية. وفي حين تستمر منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في تجربة التحولات في التحالفات والتوجهات السياسية، فإن مواقف الجزائر ستظل عاملاً حاسماً في تشكيل المسار الجيوسياسي للمنطقة.

0 التعليقات: