أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد وسيلة تواصل؛ بل برزت كمنصة تُمارس عليها ثقافة الهويات، وتُناقش، وتُعاد صياغتها. ما كان يتطور ببطء على مر الأجيال - العادات، واستخدام اللغة، والأعراف الاجتماعية - يُعاد التفاوض عليه الآن في الوقت الفعلي، بكسيلًا بعد بكسيلً وتمريرة تلو الأخرى. إن الهاتف الذكي، في هذا السياق، ليس مجرد أداة، بل هو مُحفّز ثقافي يُعيد صياغة نص الحداثة المغربية. نفسها
لقد أدى صعود منصات مثل إنستغرام، وتيك توك، وفيسبوك إلى تسريع تبادل الأفكار والجماليات بين المناطق الحضرية والريفية. قد تتبع شابة من تنغير، مُرتديةً "الحايك" التقليدي، نفس المؤثرين الذين تتبعهم مراهقة في حي أكدال بالرباط. هذا التعايش الافتراضي يُحطم الحدود الإقليمية ويدفع نحو شكل من أشكال التوفيق الثقافي - ليس دائمًا دون احتكاك. يُشيد البعض بهذا التطور باعتباره ديمقراطية الذوق والتعبير، بينما ينوه به آخرون باعتباره تسطيحًا للتقاليد المحلية الغنية بالنسيج المغربي.
إن هذا التسارع الرقمي
ما يُطلق عليه عالم الأنثروبولوجيا أرجون أبادوراي "المشاهد الإعلامية"،
وهي مناظر من الصور والروايات التي تنتشر عالميًا، مُشكلةً الخيال والطموح. في المغرب،
تُزين هذه المشاهد الإعلامية بوسوم تجمع بين العربية والفرنسية والأمازيغية والإنجليزية،
مما يعكس وعيًا متعدد اللغات يُمثل إرثًا تاريخيًا وضرورة عصرية في آن واحد. لا تُشير
منشورات الشباب المغربي المُتعددة اللغات إلى البراعة اللغوية فحسب، بل إلى شعور مُتغير
بالذات - رشيق، مُختلط، ومُتطلع للعالمية.
ومع ذلك، فالثقافة،
كالذاكرة، تقاوم الكتابة فوقها تمامًا. في الواقع، ما يبرز ليس التخلي عن التقاليد
بقدر ما هو إعادة اختراعها. إن شعبية الصفحات الثقافية الأمازيغية، وإحياء الموسيقى
الأندلسية على يوتيوب، والانتشار الواسع للأمثال المغربية على تويتر، كلها تشير إلى
إعادة تأكيد رقمية للتراث. وكما قد يقترح الباحث هومي بابا، هذا هو "الفضاء الثالث"
حيث تولد معانٍ جديدة - ليست حديثة تمامًا، ولا تقليدية تمامًا، بل شيء بينهما.
تتسرب السياسة أيضًا إلى هذا المحتوى الرقمي. فقد وجدت حركة حراك الريف تضخيمًا إلكترونيًا ترددت وسائل الإعلام الرئيسية في توفيره. وتلجأ حملات حقوق الإنسان، والجماعات النسوية، والمدافعون عن البيئة بشكل متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة وتشكيل الخطاب. ويشهد المجتمع المغربي، بتركيبته السكانية التي يهيمن عليها الشباب - أكثر من 60% منهم دون سن الثلاثين - يقظة سياسية واجتماعية من خلال اللايكات والمشاركات والبث المباشر.
ومع ذلك، فإن هذه الثورة
ليست خالية من التبعات حيث يثير انتشار الأخبار المضللة والكاذبة، والتحرش الإلكتروني
- وخاصةً الذي يستهدف النساء - وتسليع صورة الذات، تساؤلاتٍ مُلحّة حول الخصوصية والأخلاق
والسلامة النفسية. إن تحويل الحياة اليومية إلى منصة إلكترونية يمكن أن يُمكّن ويُقوّض
في آنٍ واحد. وكما تُحذّر شوشانا زوبوف، المُنظّرة الرقمية، في كتابها "عصر رأسمالية
المراقبة"، عندما يُصبح المستخدمون نقاط بيانات في خوارزميات الشركات، فقد تُصبح
الحرية نفسها وهمًا مُنسّقًا.
علاوةً على ذلك، غالبًا
ما يُضخّ تأثير المعايير الثقافية الخليجية، وجماليات المسلسلات التركية، والنزعة الاستهلاكية
الغربية، رسائل مُتضاربة في الأوساط الاجتماعية المغربية. تُثير هذه التيارات المُتقاطعة
قلقًا بشأن الأصالة الثقافية وفقدان الجذور. هل تُصبح الهوية المغربية مُعولمة أم مُخفّفة؟
أم أنها، ربما، ستتعلم السباحة في تياراتٍ أعمق؟
في نهاية المطاف، فإن
القصة التي تتكشف على شاشات المغرب هي قصة تفاوض - بين الماضي والمستقبل، بين المحلي
والمستورد، بين التعبير والسيطرة. لم تدخل وسائل التواصل الاجتماعي الثقافة المغربية
فحسب؛ بل أصبحت أحد أهمّ مُهندسيها. السؤال ليس ما إذا كان هذا التحول يحدث، بل كيف
- ولمن.
وأخيرا كما كتب إدوارد
سعيد في كتابه *الثقافة والإمبريالية*: "لا أحد اليوم هو شيء واحد محض".
في نسيج الحياة المغربية المتنقل، يبدو هذا القول أصدق من أي وقت مضى. تُقلب صفحة الثقافة
- وتُكتب بالرموز والرموز التعبيرية والوسوم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق