الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، مارس 10، 2025

المؤتلف والمختلف في حقوق الإنسان بين الإسلام والعهود الدولية: عبده حقي


المقدمة

تمثل حقوق الإنسان أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدال والتطور في الخطاب العالمي الحديث. وغالبًا ما تتم مقارنة مفهوم حقوق الإنسان، كما ورد في المعاهدات والعهود الدولية، بالتقاليد الدينية، وخاصة الإسلام.

تدرس هذه المقالة بشكل نقدي أوجه التشابه والاختلاف بين حقوق الإنسان في الإسلام وتلك المنصوص عليها في صكوك حقوق الإنسان الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويسلط التحليل الضوء على مجالات التقارب والاختلاف، ويستكشف الأسس الفلسفية والمبادئ الأساسية وتطبيقها العملي.

الأسس الفلسفية

تستند أطر حقوق الإنسان الدولية، وخاصة تلك التي تم تطويرها في إطار الأمم المتحدة، إلى مبادئ علمانية وعالمية. وغالبًا ما تستمد هذه الحقوق من مُثُل عصر التنوير المتمثلة في الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة.

يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تم تبنيه في عام 1948، على أن حقوق الإنسان متأصلة وغير قابلة للتصرف وتنطبق على جميع الأفراد بغض النظر عن الثقافة أو الدين أو الجنسية.

على النقيض من ذلك، تستمد حقوق الإنسان الإسلامية من الوحي الإلهي، وخاصة القرآن والسنة (تقاليد النبي محمد).

إن مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام متشابك بعمق مع الواجبات والمسؤوليات، مع التركيز على العدل والرحمة والرفاهة الاجتماعية. وعلى عكس المفهوم العلماني للحقوق كمطالبات ضد الدولة أو المجتمع، يُنظر إلى الحقوق الإسلامية على أنها التزامات فرضها الله، وتوازن بين الحريات الفردية والتناغم المجتمعي والمسؤولية الأخلاقية.

مجالات التقارب الرئيسية

على الرغم من الأسس الفلسفية المختلفة، هناك أوجه تشابه كبيرة بين حقوق الإنسان الإسلامية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان:

1 ـ الحق في الحياة والأمن: يؤكد كلا الإطارين على قدسية الحياة البشرية. ينص القرآن الكريم على أن "من قتل نفساً... فكأنما قتل الناس جميعاً" (5:32). وبالمثل، يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في الحياة والحرية والأمن (المادة 3).

2. المساواة وعدم التمييز: يؤيد الإسلام مبدأ أن جميع البشر متساوون أمام الله، كما يتضح من الآية القرآنية: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (49:13). كما يؤيد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المساواة، مؤكداً أن جميع الأفراد لهم الحق في الحقوق دون تمييز (المادة 2).

 

3. حرية التدين: ينص القرآن الكريم على أن "لا إكراه في الدين" (2:256)، وهو ما يتماشى مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تؤكد على الحق في حرية الفكر والضمير والدين.

4. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: يؤكد الإسلام على العدالة الاجتماعية، وفرض الزكاة، والتوزيع العادل للثروة. وهذا يتماشى مع الاتفاقيات الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يعترف بالحق في العمل والتعليم والأمن الاجتماعي.

مجالات الاختلاف الرئيسية

على الرغم من أوجه التشابه هذه، هناك اختلافات كبيرة في تفسير وتطبيق حقوق الإنسان بين الفقه الإسلامي والمعاهدات الدولية:

1. حرية التعبير والردة: تؤكد صكوك حقوق الإنسان الدولية، وخاصة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على حرية التعبير غير المقيدة. وفي حين يقدّر الإسلام حرية التعبير، فإنه يفرض قيودًا لمنع التجديف والفتنة والفساد الأخلاقي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الردة (ترك الإسلام) قضية مثيرة للجدل، حيث ينص الفقه الإسلامي التقليدي على عقوبات شديدة، في حين تعترف قوانين حقوق الإنسان الدولية بالحق في تغيير الدين بحرية.

2. حقوق المرأة: يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة الكاملة بين الجنسين في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الزواج والتوظيف والميراث. وعلى النقيض من ذلك، في حين يعترف الإسلام بالمساواة بين الجنسين، فإنه ينص على أدوار ومسؤوليات مميزة للرجال والنساء، وخاصة في قانون الأسرة والميراث. على سبيل المثال، تخصص قوانين الميراث الإسلامية حصصًا مختلفة للورثة الذكور والإناث على أساس المسؤوليات المالية.

3. العقوبات القانونية والعدالة الجنائية: تتضمن الشريعة الإسلامية عقوبات حدودية (عقوبات ثابتة) لجرائم معينة، مثل السرقة والزنا، والتي قد تنطوي على عقوبة بدنية أو عقوبة الإعدام. تنظر هيئات حقوق الإنسان الدولية إلى مثل هذه العقوبات على أنها انتهاكات للكرامة الإنسانية، وتدعو إلى إلغائها.

4. السيادة مقابل العالمية: أحد الصراعات الفلسفية الرئيسية هو ما إذا كانت حقوق الإنسان عالمية أم نسبية ثقافيًا. وتطالب العديد من الدول الإسلامية باتباع نهج ثقافي محدد فيما يتصل بحقوق الإنسان، مما يؤدي إلى إصدار إعلانات بديلة مثل إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام (1990)، الذي ينص على:

إن حقوق الإنسان في سياق إسلامي تختلف أحيانًا عن المعايير الدولية.

التداعيات العملية وجهود التوفيق

لقد بُذلت جهود للتوفيق بين وجهات النظر الإسلامية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تبنت العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة أنظمة قانونية هجينة، تجمع بين الشريعة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان الدولية. وتعمل منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي على مواءمة القيم الإسلامية مع أطر حقوق الإنسان العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، يزعم علماء الإسلام المعاصرون ضرورة الاجتهاد (إعادة التفسير) لمواءمة حقوق الإنسان مع الحقائق المعاصرة. ويدافع البعض عن الإصلاحات التي تدعم روح التعاليم الإسلامية مع معالجة المخاوف المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وحرية التعبير والعدالة الجنائية.

الخاتمة

إن المقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام والعهود الدولية تكشف عن التقارب والاختلاف. ورغم أن المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة والكرامة مشتركة، فإن الاختلافات تظهر في التفسير والتطبيق، وخاصة في مجالات مثل حرية التعبير، وحقوق المرأة، والعدالة الجنائية. وفي المستقبل، يمكن للحوار والإصلاحات القانونية أن تساعد في سد هذه الاختلافات، وتعزيز فهم أكثر شمولاً لحقوق الإنسان يحترم التقاليد الدينية والمبادئ العالمية.

 

0 التعليقات: