الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، مايو 07، 2025

نفي دمشق... وصمت الجزائر: من يتستر على ورطة البوليساريو في الشام؟ الطالب محمّد سالم


رغم البيان المنسوب إلى الرئاسة السورية الحالية ، الذي ينفي فيه وجود مقاتلين صحراويين في سوريا، تبقى الحقيقة أكثر تعقيدًا من مجرد نفي رسمي. فالتاريخ القريب، وشهادات استخباراتية، وتقارير صحفية موثوقة، جميعها تشير إلى تورط عناصر من جبهة البوليساريو في بؤر توتر عديدة، من ضمنها سوريا. فما الذي يخفيه هذا النفي؟ ولماذا يصر النظام السوري على تبرئة البوليساريو، رغم ما يُكشف تدريجيا من دلائل ميدانية واستخباراتية؟

البوليساريو وبشار الأسد: تحالف سري

من المهم التذكير أن العلاقات التاريخية بين نظام بشار الأسد والبوليساريو ليست جديدة، بل تعود إلى عقود خلت. فقد كانت سوريا، شأنها شأن الجزائر وليبيا القذافي سابقًا، ضمن الدول التي وفّرت دعما عسكريًا وتدريبًا ميدانيًا لعناصر من الجبهة، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء.

التقاطع الإيديولوجي والسياسي بين النظامين قائم على العداء المشترك للمغرب، والدعم غير المشروط من الجزائر لكلا الطرفين. فهل من المستبعد في هذه الحالة أن تكون سوريا قد استضافت، أو درّبت، أو حتى استغلت عناصر من البوليساريو ضمن ميليشياتها المتعددة الجنسيات التي قاتلت في الحرب الأهلية؟

أدلة على الأرض: شهادات ومصادر استخباراتية

عدة تقارير صادرة عن مراكز بحث دولية، مثل "مركز الأبحاث حول الإرهاب في أوروبا"، أشارت في سنوات سابقة إلى تواجد مقاتلين من جنسيات مختلفة ضمن الميليشيات التي تدافع عن نظام الأسد البائد ، من بينهم عناصر من جبهة البوليساريو تم تجنيدهم إما عبر وسطاء جزائريين أو شبكات التهريب والسلاح في الساحل والصحراء.

تقرير صادر سنة 2017 عن صحيفة El Confidencial الإسبانية، نقل عن مسؤولين أمنيين في مدريد أن هناك مخاوف جدية من "عودة مقاتلين من البوليساريو من سوريا إلى شمال مالي"، مما يشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.

كما أشار تقرير صادر عن مركز Atlantic Council الأمريكي إلى تورط عناصر "مرتزقة" من مخيمات تندوف، تم نقلهم عبر جنوب الجزائر إلى الأراضي السورية، حيث تم تدريبهم على أيدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

لماذا تنفي دمشق؟

السؤال المنطقي هو: لماذا تصر سوريا على نفي وجود هؤلاء؟ الجواب سياسي بامتياز. فالنظام السوري، العائد تدريجيا إلى الحظيرة العربية، لا يريد إضافة مزيد من الاتهامات المرتبطة بالإرهاب و"تأجير" المقاتلين. كما أن تأكيد وجود مرتزقة من البوليساريو في سوريا سيحرج حليفتها الجزائر دوليًا، ويكشف التعاون السري بين ثلاثي دمشق-الجزائر-البوليساريو، وهو تحالف غير معلن لكنه واضح في الميدان.

أما التبرير بأن "جميع المعتقلين سوريون" فليس أكثر من محاولة للتغطية على انكشاف أوراق جبهة البوليساريو، خاصة بعد تزايد التقارير حول تورطها في أنشطة إرهابية في الساحل وغرب إفريقيا، وهو ما أكدته عدة منظمات أمنية دولية، بل ووثّقته تحقيقات تابعة للأمم المتحدة في منطقة تمبكتو وغاو.

الرد على مزاعم “الفبركة الإعلامية

اتهام صحفي ألماني من أصل مغربي بالوقوف وراء ما وُصف بـ”الفبركة”، هو تكتيك كلاسيكي لجبهة البوليساريو لإسكات أي صوت صحفي لا يطبل لروايتها. لكن الحقيقة أن العمل الصحفي الاستقصائي لا يُدحض بتخوين صاحبه، بل بتفنيد ما جاء به بالأدلة، وهو ما لم تستطع البوليساريو فعله.

هل نفوا أسماء المقاتلين؟ هل كشفوا عن تحركاتهم خلال سنوات الحرب؟ هل شرحوا لماذا تم رصد اتصالات مشفرة بين عناصر من تندوف وجهات سورية، وفق ما نشره مركز "Tricontinental Intelligence Reports" سنة 2018؟

القول إن نضال الشعب الصحراوي " خال من الإرهاب" لم يعد يكفي، خاصة في ظل اتساع دائرة الشهادات حول تسلل العناصر المسلحة من المخيمات إلى منظمات إرهابية مثل "داعش الصحراء الكبرى" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".

ختاما

ليس المطلوب من البوليساريو أو حلفائها في دمشق والجزائر أن يعترفوا بتورطهم؛ فالتاريخ مليء بحالات الإنكار الرسمي التي سقطت لاحقا تحت وطأة الأدلة. لكن الأكيد أن المغالطات الإعلامية لا يمكنها إخفاء الحقائق إلى الأبد.

الملف لم يُغلق بعد، بل بدأ لتوه يُفتح دوليا. وستُطرح مستقبلاً أسئلة أكثر إلحاحًا: من جنّد؟ من موّل؟ من درّب؟ والأهم: من يحمي البوليساريو من المساءلة الدولية؟

0 التعليقات: