الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، مايو 03، 2025

من بانجول إلى تندوف: الترويج للمظلومية بدل احترام القانون الدولي: عبده حقي


بصفتي مواطنا مغربيا مهتمًا بالدفاع عن القضايا الوطنية، أجد نفسي مضطرًا إلى تفنيد ما جاء في بيان "الجمهورية الصحراوية" خلال الدورة الثالثة والثمانين للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المنعقدة في بانجول، غامبيا. ما ورد في هذا البيان ليس سوى إعادة إنتاج خطاب فقدَ صدقيته أمام الواقع، وتكرار ممل لأكاذيب مدروسة أريد لها أن تضلل الرأي العام الإفريقي والدولي باسم الدفاع عن "شعب صحراوي" لا وجود له إلا في خيال دعاة الانفصال.

أولًا، من المهم التذكير بأن ما يسمى بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" لا تحظى بأي اعتراف أممي، ولا مقعد لها في الأمم المتحدة، ولا وجود قانوني لها على الأرض. هي ببساطة كيان وهمي تم صنعه من قبل النظام الجزائري في سبعينيات القرن الماضي، في إطار استراتيجية إقليمية معروفة تهدف إلى إضعاف المغرب وتشتيت وحدة شعوبه. لا يمكن لممثل كيان غير معترف به، لا بمؤسسات ولا بسيادة، أن يتحدث عن "احتلال" أو "استعمار"، لأن المفهوم القانوني للاحتلال يتطلب وجود دولة قائمة تُحتل أراضيها من قبل دولة أخرى. أما الصحراء المغربية، فهي أرض مغربية تاريخيًا، جغرافيًا، وسياسيًا، باعتراف محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري سنة 1975، التي لم تُقرّ مطلقًا بوجود كيان مستقل عن السيادة المغربية، بل أكدت وجود روابط بيعة وولاء بين القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب.

أما الحديث عن "الانتهاكات" و"التطهير الثقافي" و"التهجير القسري"، فهو ضرب من الدعاية الممزوجة التي لا تدعمها أي تقارير موضوعية من منظمات دولية ذات مصداقية. وعلى العكس تمامًا، فإن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وخاصة العيون والداخلة، تشهد تطورًا عمرانيًا وتنمويًا يُضرب به المثل في إفريقيا. فالبنية التحتية هناك تضاهي مثيلاتها في كبريات المدن المغربية، وتمثل نموذجًا يحتذى به في تدبير المشاريع التنموية من خلال النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015.

ولمن يزايد باسم حقوق الإنسان، فإن المغرب منفتح تمامًا على آليات الرصد الأممية، ولا يمانع أبدًا في استقبال المقررين الخاصين، وهو بلد منخرط في الدينامية الحقوقية العالمية، بل وأجرى إصلاحات دستورية وسياسية جعلت منه استثناءً ديمقراطيًا في محيطه الإقليمي. بينما تغيب الشفافية والحرية عن مخيمات تندوف، حيث يقبع آلاف المدنيين تحت رحمة جماعة "البوليساريو"، بلا وثائق هوية، ولا إحصاء رسمي، في انتهاك صارخ للشرعية الدولية ولقرارات مجلس الأمن التي تطالب الجزائر بتسجيل اللاجئين، وهو ما ترفضه إلى اليوم.

أما الإشارة إلى "الاستغلال غير الشرعي للموارد"، فهي مغالطة ساذجة؛ إذ إن المحكمة الأوروبية نفسها، رغم بعض قراراتها التي تحتاج إلى تفسير دقيق، لم تقل أبدًا إن استغلال المغرب للموارد الطبيعية في صحرائه غير قانوني. بل العكس، هناك شراكات دولية متنامية في قطاعات الصيد والفوسفات والطاقات المتجددة في الجنوب المغربي، وكلها تراعي مبدأ إشراك السكان المحليين في اتخاذ القرار واستفادة الساكنة من عوائد التنمية، وهو ما تؤكده تقارير التنمية البشرية والانتخابات المحلية التي يشارك فيها الصحراويون بنسبة تفوق المعدل الوطني.

وأما الحديث عن "القمع والتعذيب والاختفاء القسري"، فهو خطاب تضليلي تكرر مضمونه منذ عقود دون دليل ميداني. فالمغرب يخضع لمراقبة إعلامية وحقوقية شاملة، وله مجتمع مدني نشيط، وقضاء مستقل، ومؤسسات وطنية لحقوق الإنسان. أما في مخيمات تندوف، فلا أحد يستطيع الحديث بحرية. هناك، تُقمع الأصوات المعارضة لـ"البوليساريو"، وتُمنع الصحافة المستقلة، ويعيش الآلاف في ظروف إنسانية مأساوية دون أمل في مستقبل واضح، رهائن قرار سياسي جزائري يُوظفهم كورقة ضغط.

وأما بخصوص ما جاء عن "انتهاك وقف إطلاق النار"، فالحقيقة أن جماعة "البوليساريو" هي من أعلنت انسحابها رسميًا من الاتفاق سنة 2020 وشرعت في إطلاق قذائفها الفارغة تجاه الجدار الدفاعي المغربي، غير أن القوات المسلحة الملكية تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس، وترد وفق قواعد القانون الدولي الإنساني. أما ما يُروَّج عن "استعمال طائرات مسيّرة ضد المدنيين"، فليس سوى افتراء لا أساس له من الصحة ، علماً أن المنطقة عسكرية خالية من المدنيين بفعل انسحاب "البوليساريو" نفسها إلى مناطق نائية قرب الحدود الجزائرية، وهناك تتحرك بمباركة من الجيش الجزائري الذي يوفر لها الحماية والدعم اللوجستي.

أما اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، فلا يمكنها أن تسقط في فخ التضليل، لأنها تدرك جيدًا أن العضوية في الاتحاد الإفريقي لا تعني الاعتراف بدولة، وأن المغرب عضو فاعل ومحترم في الاتحاد، يشارك بفعالية في قراراته ويلتزم بمبادئه. ومحاولة بعض الأطراف استغلال هذه اللجنة لترويج مزاعم زائفة لن تنجح في تغيير الواقع الميداني، الذي يشهد بصحراوية الأرض ومغربية التنمية، ووطنية الانتماء.

في النهاية، لا نحتاج لتصريحات نارية ولا لخطابات ملغومة. ما نحتاجه هو العودة إلى الواقعية السياسية، والاعتراف بأن الحل الوحيد والعادل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل يكمن في المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، والتي حظيت بدعم واسع من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إسبانيا، وألمانيا، وإسرائيل باعتبارها إطارًا جادًا وذا مصداقية.

إن المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، وما دون ذلك، مجرد صدى لخطابات بائدة عفا عنها الزمن، ولن تغيّر من الحقائق شيئًا.

0 التعليقات: