الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يونيو 01، 2025

الصحراء المغربية بين زيف الدعاية الانفصالية وواقع التنمية والتعاون الدولي: عبده حقي


بصفتي كاتبا مغربيا أتابع عن كثب ما يُنشر باسم ما تُسمى "الجمهورية الصحراوية الوهمية"، لا يسعني إلا أن أستنكر حجم الأكاذيب المتكررة التي تُبثّ في عناوين تبدو للوهلة الأولى تقارير صحفية، لكنها في العمق أدوات دعائية تهدف إلى تضليل الرأي العام وتثبيت سردية زائفة عن واقع الصحراء المغربية، متجاهلة الحقائق الجغرافية والتاريخية والسياسية التي تحسم هذا الملف بشكل لا لبس فيه.

قرأت أخيرا ما جاء في تقارير تزعم أن هناك "اتفاقا اقتصاديا مغربيا إسرائيليا على حساب فلسطين والصحراء الغربية"، أو ادعاءات حزب جزائري يدّعي دعم "حق تقرير مصير الشعب الصحراوي"، فضلاً عن ما وصفوه بـ"اتفاق تعاون بين الأرشيف الصحراوي والجزائري"، وكأننا في مسرح ظلٍّ يعيد تمثيل كذبة يعرف الجميع أنها لا تملك لا سنداً قانونياً ولا اعترافاً دولياً. هذه العناوين ليست سوى امتداد لسلسلة طويلة من المناورات الإعلامية التي تحاول عبثاً منح شرعية لكيان لا وجود له إلا في مخيمات عزلة مفروضة على ساكنيه من قبل نظام جزائري يختبئ خلف أقنعة "التضامن" و"الشرعية الدولية".

الحديث عن اتفاقات اقتصادية بين المغرب ودول أخرى كإسرائيل أو الصين أو الولايات المتحدة لا يمكن وصفه بأنه "على حساب" أحد. المغرب، كدولة ذات سيادة، يُمارس حقه المشروع في عقد شراكات تخدم أولوياته التنموية، خاصة في الأقاليم الجنوبية التي أصبحت اليوم نموذجاً في النهوض الاقتصادي والاجتماعي. فهل يعقل أن يُلام بلد يعمل على ربط الداخلة بالدار البيضاء بخط جوي مباشر، ويُنشئ مشاريع للطاقة الخضراء في العيون، لأنه ببساطة يفتح أبوابه للتنمية؟ أين الضرر في ذلك سوى في مخيلة من لا يريد للصحراء أن تزدهر؟

ثم إن الزج بفلسطين في هذه الخطابات ليس سوى محاولة للمتاجرة بقضية عادلة من أجل تبرير أجندات سياسية جزائرية داخلية، تتغذى على وهم "النصرة" بينما تقمع في الداخل صوت الحراك، وتُغلق باب الانتخابات، وتشيطن كل من يطالب بتقرير المصير في منطقة القبائل. المغرب، في المقابل، لم يساوم يوما على دعم فلسطين، سواء من خلال لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، أو عبر المبادرات المتعددة لإعادة إعمار غزة والقدس الشريف.

أما ما سُمي بـ"اتفاقية تعاون بين الأرشيف الصحراوي والجزائري"، فهي مجرد حيلة رمزية لإضفاء طابع مؤسساتي على علاقة سياسية تتجاوز كل المعايير الأخلاقية والدبلوماسية. كيف نُصدّق وجود أرشيف لكيان لا دولة له، ولا حدود، ولا سيادة، ولا شرعية دولية؟ ما يُسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" لا تملك مقومات دولة، لا من حيث التمثيل الشعبي ولا المؤسسات الدستورية ولا السيطرة الإقليمية. هي ببساطة واجهة إعلامية لنظام جنرالات الجزائر الباحثين عن أدوار إقليمية بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر اختلاق جمهوريات ورقية.

في الواقع، المغرب لا يرد على هذه الدعاية بالدعاية، بل يرد بالفعل الملموس على الأرض. من الطريق السريع تيزنيت – الداخلة، إلى موانئ الأطلسي، مروراً بالمشاريع الزراعية والطاقة المتجددة، تُؤكد المملكة المغربية التزامها بتنمية شاملة ومستدامة للصحراء المغربية. بل أكثر من ذلك، فإن التعاون المغربي مع دول مثل الولايات المتحدة، والإمارات، وفرنسا، وحتى دول إفريقية عديدة، يكشف أن المجتمع الدولي يتعامل مع الصحراء كجزء لا يتجزأ من تراب المغرب.

إن المقارنة بين ما تُروّجه أبواق الانفصال، وما يجري على الأرض من دينامية تنموية وتعاون إقليمي ودولي، تُظهر بكل وضوح أن معركة "الجمهورية الوهمية" خاسرة، لأنها ببساطة تفتقد الشرعية والواقعية. بينما المغرب يُعيد تعريف مفهوم التنمية في الصحراء، ويحوّلها إلى نموذج للجهوية المتقدمة والتكامل بين المركز والهامش، لا تزال أطراف الانفصال تُعيد إنتاج لغة السبعينات وكأن التاريخ توقف عند مشهد معين.

إن الصحراء المغربية ليست فقط مسألة سيادة وطنية، بل هي أيضا قصة نجاح تنموي وانفتاح سياسي وتعاون دولي حقيقي. ومن أراد أن يعرف الحقيقة، فليذهب إلى العيون والداخلة، لا إلى مكاتب وكالة "واص" أو قاعات انتظار الجنرالات في "نادي الصنوبر".

في الختام، ما يُكتب اليوم على لسان "الجمهورية الصحراوية" ما هو إلا محاولة يائسة لإقناع العالم بكيانٍ لا وجود له، بينما الواقع يثبت أن المغرب يكتب تاريخه بالأفعال، لا بالشعارات.

0 التعليقات: