الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، سبتمبر 26، 2025

قراءة في كتاب سنلتقي في السماء لفرنسوا رينيه بلو: ترجمة عبده حقي


يُعَدّ كتاب In Heaven We’ll Meet Again: The Saints and Scripture on Our Heavenly Reunion  للكاتب اليسوعي فرنسوا رينيه بلو (1825–؟)، من النصوص الروحية التي عرفت انتشارًا متجدّدًا في القرن الحادي والعشرين بعد أن أعادت دار مؤسسة صوفيا للصحافة نشره سنة 2016 في طبعة أنيقة من 129 صفحة. ورغم حداثة هذه الطبعة، فإنّ أصل الكتاب يعود إلى سنة 1863 حين صدر بعنوان

In Heaven We Know Our Own, or, Solace for the Suffering عن مطابع Benziger Brothers  في نيويورك.

الكتاب، في جوهره، رسالة عزاء روحي كُتبت في شكل رسائل موجّهة إلى أمّ مكلومة بوفاة طفلها. اختار المؤلف أن يستند في براهينه إلى الكتاب المقدّس وأقوال آباء الكنيسة وتعاليم كبار القديسين، ليؤكّد أنّ الموت ليس إلا فاصلًا مؤقتًا وأنّ اللقاء في السماء يظلّ وعدًا أكيدًا للمؤمنين. بهذا المعنى يصبح النصّ مرافعة روحية ضد اليأس، ودعوة إلى الثبات في الإيمان أمام صدمة الفقدان.

من أبرز الأفكار التي يعالجها بلو أنّ المحبة الإنسانية، بما تحمله من عواطف وأحلام وآلام، لا تُمحى بالموت، بل تُصفّى وتُطهَّر لتصبح أكثر نقاءً في العالم الآخر. في السماء، بحسب تصوّره، سيعرف المؤمنون أحبتهم، وستتوطّد بينهم روابط لم تعرف الكمال على الأرض. بل أكثر من ذلك، سيكتشف الإنسان عوالم جديدة من المحبة مع قديسين لم يلتقِ بهم قط، ومع الملائكة الذين يشاركونه التسبيح الأبدي. إنها رؤية تجعل الفرد لا يتطلّع فقط إلى استعادة من فقد، بل إلى عيش محبة أرحب وأشمل في حضرة الله.

من الناحية اللاهوتية، يتقاطع هذا التصور مع تقليد كاثوليكي طويل يُعرف بـ"الاعتراف السماوي" أو Heavenly Recognition، أي قدرة الأرواح على التعارف بعد الموت. وقد استند بلو إلى شواهد كتابية مثل وعد المسيح بالجنة للص التائب، وإلى تعليقات آباء الكنيسة الذين أكّدوا أنّ الهوية لا تزول بالموت بل تبلغ كمالها.

ما يضفي على الكتاب طابعًا مؤثرًا هو أسلوبه الحواري الحميمي. فالنص لا يُقدَّم كبحث أكاديمي جاف، بل كرسائل مفعمة بالحنان والمواساة، مما يجعله قريبًا إلى قلب القارئ الذي يمر بتجربة الفقد. ولعل هذا ما يفسّر استمرارية حضوره منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، حيث ما زالت النسخ الحديثة تُباع في المكتبات الكاثوليكية وعبر المواقع الإلكترونية الكبرى مثل جوجل بوك ودار مؤسسة صوفيا.

لكن تجدر الإشارة إلى أنّ النسخة الحديثة ليست متاحة مجانًا عبر الأرشيف الرقمي، لأنّها تخضع لحقوق النشر. أما النسخة الأصلية القديمة (1863) فربما يمكن العثور عليها في أرشيفات مفتوحة أو مكتبات جامعية متخصّصة.

إنّ إعادة قراءة كتاب مثل سنلتقي في السماء تذكّرنا بأنّ الأدب الروحي ليس مجرّد خطاب وعظي، بل هو أيضًا شهادة إنسانية على محاولة العقل والقلب إيجاد معنى للموت في ضوء الإيمان. وإذا كان النص قد كُتب بالأصل لعزاء أمّ ثكلى، فإنه في جوهره يقدّم عزاءً لكل إنسان يطرح سؤال اللقاء بعد الموت: هل سنعرف بعضنا في السماء؟ بالنسبة لفرنسوا رينيه بلو، الجواب مؤكد وواضح: نعم، وبشكل أكمل وأبهى مما نتصوّر.

0 التعليقات: