الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الخميس، ديسمبر 04، 2025

المغرب وشبكة التحالفات الدولية المتعددة: عبده حقي

 


تشهد السياسة الخارجية للمغرب خلال السنوات الأخيرة توسعاً لافتاً نحو دوائر جغرافية متعددة، تتجاوز حدود المجال التقليدي للديبلوماسية المغربية، الذي كان لوقت طويل مركّزاً على أوروبا والفضاء العربي. فقد اتجه المغرب، مدفوعاً بسياسته التنموية الداخلية وبطموحه لتعزيز حضوره الدولي، إلى بناء شبكة واسعة من العلاقات التي تشمل إفريقيا بمختلف مناطقها، العالم العربي، القوى الآسيوية الصاعدة، إضافة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. ويعكس هذا التوجه رؤية جديدة تقوم على تنويع الشراكات، تعزيز النفوذ الاقتصادي، واستثمار موقع المملكة الاستراتيجي كبوابة تربط بين أوروبا وإفريقيا والعالم الأطلسي.

تظل الجزائر أهم ملف إقليمي مؤثّر في السياسة المغربية، رغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية. ويشكّل ملف الصحراء محور التوتر الأساسي، في سياق تنافس سياسي واقتصادي يمتد إلى منطقة الساحل وغرب إفريقيا. فقد أخذ التنافس بُعداً اقتصادياً متزايداً، يتعلق بالاستثمارات والأنابيب ومشاريع الطاقة والأسواق الإفريقية. ورغم الجمود السياسي، فإن هذا الصراع يشكّل جزءاً من التحولات التي تدفع المغرب إلى تعزيز حضوره جنوباً وشرقاً داخل القارة الإفريقية.

تُعدّ موريتانيا طرفاً محورياً في عمق المغرب الإفريقي، سواء من حيث الجغرافيا أو الاقتصاد. فقد تزايد التعاون بين البلدين في مجالات التجارة، الصيد البحري، الطاقة، والربط البري. كما يُنظر إلى نواكشوط كشريك أساسي في ضبط استقرار الساحل، إضافة إلى دورها الحيوي في المعابر الحدودية نحو إفريقيا جنوب الصحراء. وتأتي هذه العلاقات ضمن توجه مغربي أوسع لتعزيز محوره الأطلسي ومنطقة الصحراء – الساحل.

هذه الدول تمثل فضاءً طبيعياً للحضور المغربي على المستوى الاقتصادي، حيث تنتشر الأبناك المغربية، وشركات الاتصالات، ومجموعات الصناعات الغذائية والإسمنت والموانئ. ويُلاحظ أن المغرب استطاع خلال عقدين بناء شبكة اقتصادية قوية جعلته من أهم المستثمرين الأفارقة في غرب القارة. كما ترتبط السنغال وساحل العاج والغابون بعلاقات سياسية مستقرة ومتجددة مع الرباط، مما يجعلها نقاط ارتكاز في التوسع المغربي داخل القارة.

يمثل التعاون مع دول الساحل والشرق الإفريقي، مثل النيجر وبوركينا فاسو وتنزانيا، امتداداً جديداً لسياسة المغرب الخارجية. فإلى جانب التكوين الديني والتعاون الأمني، يبرز مشروع أنبوب الغاز الضخم بين المغرب ونيجيريا، الذي يُعد من أهم المشاريع الإستراتيجية في إفريقيا. أما في بوركينا فاسو وتنزانيا، فينفتح المغرب على شراكات زراعية، صناعية، ولوجستية، تعكس رغبة الرباط في بناء حضور متوازن في شرق القارة وغربها.

رغم الخلاف السياسي حول ملف الصحراء، فإن العلاقة الاقتصادية بين المغرب وجنوب إفريقيا لم تتوقف، سواء عبر الشركات متعددة الجنسيات أو المبادلات التجارية. وتُعدّ جنوب إفريقيا من الأسواق القوية التي يسعى المغرب للحضور فيها اقتصادياً، وإنْ بقيت العلاقات السياسية بين البلدين محكومة بالتباين في مواقفهما الاستراتيجية.

تعرف علاقات المغرب مع السعودية وقطر والإمارات زخماً اقتصادياً كبيراً. فقد أصبحت الاستثمارات الخليجية رافداً أساسياً لقطاعات السياحة والعقار والبنية التحتية والطاقات المتجددة. كما يشكل التعاون الأمني والعسكري جزءاً مهماً من العلاقات مع السعودية والإمارات خصوصاً، في سياق التغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط.

ترتبط المغرب بعلاقات اقتصادية وتجارية مع تونس ومصر، لكن هذه العلاقات تبقى مرتبطة بالتحولات السياسية التي تشهدها هذه الدول. وفي ليبيا، يلعب المغرب دوراً دبلوماسياً في جهود الوساطة بين الأطراف المتنازعة، ما يمنحه وزناً إقليمياً في ملف حساس يعود تأثيره المباشر على أمن شمال إفريقيا.

يحافظ المغرب على موقف داعم للقضية الفلسطينية، ويواصل تقديم دعم سياسي وإنساني لها. وفي الملف السوري، يتبع المغرب منهجاً دبلوماسياً متوازناً، لا ينخرط في الاصطفافات الحادة، لكنه يدعم الحلول السلمية واستعادة الاستقرار المؤسساتي في سوريا. هذه المواقف تكرّس صورة المغرب كفاعل عربي يوازن بين المبادئ والتحالفات.

تُعد الصين اليوم من أهم الشركاء الآسيويين للمغرب، حيث يشمل التعاون مشاريع البنية التحتية، المناطق الصناعية، استثمارات السيارات الكهربائية، والطاقات المتجددة. ويأتي هذا في سياق رغبة المغرب في تنويع مصادر الاستثمار خارج أوروبا، وفي إطار مبادرة "الحزام والطريق" التي تمنح المغرب قيمة استراتيجية باعتباره منفذاً نحو إفريقيا.

تتقدم الهند كشريك مهم في قطاعي الصيدلة والتكنولوجيا الرقمية، بينما تعتبر اليابان وكوريا الجنوبية شريكين رئيسيين في صناعة السيارات والصناعات الإلكترونية. ويستقطب المغرب شركات آسيوية كبرى بفضل بنيته التحتية المتطورة ومناطقه الصناعية المتخصصة مثل طنجة المتوسط والقنيطرة الصناعية.

مع هذه الدول، يبني المغرب علاقات اقتصادية مبنية على التبادل التجاري والخدمات اللوجستية والصناعات الإلكترونية. ورغم أن حجم التبادل معها أقل من الصين واليابان، فإنها تمثل بوابات جديدة لاقتصاد متنوع يبحث عن أسواق بعيدة ومرنة.

تستمر إسبانيا في كونها الشريك التجاري الأول للمغرب، سواء على مستوى التصدير أو الاستيراد. ورغم الفترات المتوترة التي عرفتها العلاقات بسبب مواقف متعلقة بالصحراء أو الهجرة، فإن التعاون الاقتصادي والأمني يظل أقوى من الخلافات. وتُعدّ الشراكة بين المملكتين نموذجاً للتكامل الجغرافي والسياسي.

شهدت العلاقات المغربية–الفرنسية فترات من البرود بسبب مواقف باريس من ملف الصحراء وبعض التصريحات الرسمية، لكن التعاون الاقتصادي والثقافي الذي يمتد لعقود يجعل فرنسا شريكاً لا يمكن تجاهله. وتعمل الرباط حالياً على إعادة صياغة العلاقة بشكل يتناسب مع توجهاتها الجديدة وانفتاحها نحو شركاء آخرين.

ألمانيا تشكل شريكاً صاعداً في الصناعات النظيفة والهيدروجين الأخضر وصناعة السيارات. أما هولندا وبلجيكا فتركّزان على الزراعة والتكنولوجيا واللوجستيك، مع تعاون متقدم في قضايا الهجرة والطاقات المتجددة. وتعتبر هذه الدول جزءاً من تحول أوروبي نحو الاعتراف المتزايد بالدور الاقتصادي للمغرب في المنطقة.

مع هذه الدول، يسعى المغرب إلى توسيع التعاون خارج المحور التقليدي باريس–مدريد–برلين. وتشمل الاتفاقيات الجديدة النقل البحري، الطاقات المتجددة، السياحة، والصناعات البحرية، مما يعكس رغبة المغرب في فتح أبواب أوروبا كلها وليس جزءاً منها فقط.

يشكل الاتفاق التجاري بين المغرب والمملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي فرصة اقتصادية مهمة، خاصة في مجال الفلاحة والصيد وصناعة الملابس. وتسعى لندن للتوسع في شمال إفريقيا، وهو ما يمنح الرباط موقعاً جديداً داخل السياسة التجارية البريطانية.

تُعدّ الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً أساسياً للمغرب، خاصة مع تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء. كما يشكل التعاون العسكري والتكنولوجي محوراً ثابتاً في العلاقات الثنائية، إضافة إلى وجود استثمارات أمريكية مهمة في الصناعات الجوية والطاقات المتجددة. وتمتد هذه العلاقة إلى مجالات التعليم العالي والتبادل التجاري.

تتقدم العلاقات المغربية–الكندية بوتيرة مستقرة، مع تعاون في مجالات الطاقة والفلاحة والتعليم العالي. وتستقطب الجامعات الكندية آلاف الطلبة المغاربة سنوياً، مما يجعل البعد الثقافي والتعليمـي جزءاً من العلاقة الثنائية.

تشير التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية المغربية إلى اعتماد الرباط نهجاً يقوم على تنويع الشركاء، توسيع دائرة النفوذ الاقتصادي، والانفتاح على القوى الصاعدة، إلى جانب الحفاظ على الشراكات التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة. ويبدو أن المغرب يعيد تعريف موقعه الإقليمي والدولي وفق رؤية استراتيجية تستند إلى:

  • تعزيز حضوره الاقتصادي في إفريقيا كفاعل مؤثر.

  • بناء علاقات متوازنة مع العالم العربي والخليج.

  • الانفتاح القوي على آسيا باعتبارها قوة اقتصادية مستقبلية.

  • إعادة صياغة علاقاته مع أوروبا بما يناسب تطلعاته الجديدة.

  • تعزيز الشراكة العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة.

هذه الرؤية تجعل من المغرب بلداً يتمتع بقدرة كبيرة على التحرك داخل نظام دولي سريع التحول، معتمداً على استقراره الداخلي وموقعه الجغرافي وقدرته على جذب الاستثمارات الكبرى.


0 التعليقات: