الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الخميس، ديسمبر 11، 2025

«بُيوتٌ تَسْقُطُ… وأَحْلامٌ تَنْهَضُ مِنَ الرَّدْمِ

 


(1)

يَسقُطُ بَيْتي عَلَيَّ،
فَأَعْرِفُ أَنَّ الغُبارَ لُغَةُ الرُّوحِ،
وَأَنَّ الْمَوْتَ يُرَبِّتُ عَلى كَتِفِي بِلُطْفٍ مُتَعِبٍ،
وَأَنَّنِي ما زِلْتُ أُنْصِتُ لِصَرِيرِ النَّجاةِ مِنْ تَحْتِ الرَّدْمِ.

(2)

أَفْتَحُ نَجْمَةً في الظَّلامِ،
لِأَتَأَكَّدَ أَنَّ السَّماءَ لا تَسْقُطُ مَعَ الجُدْرانِ،
ثُمَّ أَضَعُ يَدِي عَلى قَلْبِي،
فَأَجِدُهُ يَدُقُّ كَحَجَرٍ خَائِفٍ يَتَنَفَّسُ.

(3)

كُنْتُ أَقِفُ مُسْتَتِرًا بِصَوْتِي،
فَلَمَّا هَوَى السَّقْفُ،
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الصَّمْتَ أَيْضًا جُثَّةٌ تُفَتِّشُ عَنْ وَجْهٍ،
وَأَنَّنِي أَسْتَحِقُّ نَفَسًا آخَرَ.

(4)

أُنادِي مَنْ بَقِيَ،
فَيَرُدُّ عَلَيَّ صَدَى مَلامِحِي،
كَأَنَّنِي آخِرُ نَجْمَةٍ فِي حارَةٍ دُمِّرَتْ حَدِيثًا،
وَأَنَّ الدُّموعَ اسْمٌ آخَرُ لِلتُّرابِ.

(5)

أَجْمَعُ أَسْمَاءَ الَّذِينَ رَحَلُوا،
كَمَنْ يَزْرَعُ أَشْجارًا فِي رُوحِهِ،
وَأَقُولُ لِلْهَواءِ:
خُذْنِي، فَقَدْ تَعِبْتُ مِنْ ثِقَلِ الحِجارَةِ.

(6)

فِي لَيْلِ الانْهِياراتِ،
أَتَذَكَّرُ وَجْهَ أُمِّي وَهِيَ تُرَتِّبُ فَوْضَى السَّنينِ،
فَأَقُولُ لِلنَّجْمَةِ الَّتِي تَعْبُرُ شَقًّا فِي السَّقْفِ:
أَعِيدِي لِي اسْمِي، لَوْ لِمَرَّةٍ وَحِيدَةٍ.

(7)

أَخْرُجُ مِنَ الرَّدْمِ نِصْفَ رَجُلٍ،
وَنِصْفَ ظِلٍّ،
وَنِصْفَ حُلْمٍ مَقْطُوعِ الطَّرِيقِ،
فَأَتَعَلَّمُ أَنَّ النِّصْفَ يُنْقِذُ أَحْيانًا كُلَّ شَيْءٍ.

(8)

وَأَحْمِلُ بَيْتِي الَّذِي سَقَطَ،
كَمَنْ يَحْمِلُ سِيرَتَهُ عَلى كَتِفَيْهِ،
وَأَقُولُ لِلشَّارِعِ:
كُنْ لِي سَقْفًا مُؤَقَّتًا.

(9)

يُؤْلِمُنِي أَنَّ الذَّاكِرَةَ لَمْ تَسْقُطْ،
بَلْ ظَلَّتْ تُرَدِّدُ أَسْماءً وتَفَاصِيلَ،
حَتَّى وَأَنَا أُخَلِّصُ يَدِي مِنْ بَيْنِ الحِجارَةِ،
كَأَنَّ الحَياةَ تَتَعَمَّدُ أَنْ تَبْقَى.

(10)

هُنَاكَ، تَحْتَ رُكْامٍ ثَقِيلٍ،
وَجَدْتُ جُمْلَةً كُنْتُ قَدْ نَسِيتُهَا،
تَقُولُ: «أَنْتَ قَوِيٌّ بِقَدْرِ مَا تَنْهارُ»،
فَآمَنْتُ بِهَا كَأَوَّلِ حَقِيقَةٍ.

(11)

لَمَّا رَكِضْتُ نَحْوَ الضَّوْءِ،
شَعَرْتُ أَنَّ لِي جَنَاحَيْنِ مِنْ غُبارٍ،
وَأَنَّنِي، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ شَظايَا الرُّوحِ،
مَا زِلْتُ أَسْتَطِيعُ التَّحَلُّقَ فَوْقَ الْخَوْفِ.

(12)

أُرَمِّمُ مَا تَبَقَّى بِالْكَلِمَاتِ،
فَالْجُدْرانُ الْمَهْدُومَةُ تَفْهَمُ شِعْرًا أَكْثَرَ مِمَّا يَفْهَمُهُ الأَحْياءُ،
وَأَقُولُ لِقَلْبِي:
اسْبِقْنِي، فَقَدْ تَأَخَّرْتُ عَنِ النَّجاةِ.

(13)

أَمْسَحُ وُجُوهَ الَّذِينَ سَقَطُوا،
بِقَبْضَةِ ذِكْرَايَ،
فَيُصْبِحُونَ نُجُومًا لا تَنْطَفِئُ،
فَأَعْرِفُ أَنَّ الرَّحيلَ أَيْضًا مَأْوًى.

(14)

أَقِفُ عَلَى أَنْقَاضِ أَمْسِي،
كَقَارِئٍ يَرْتِجِفُ أَمَامَ آخِرِ صَفْحَةٍ،
ثُمَّ أَقُولُ لِلنَّهَارِ:
خُذْ يَدِي، فَأَنَا جَديدٌ كَالْخُوفِ.

(15)

وَحِينَ أَعُودُ لَيْلًا،
أَجِدُ بَيْتِي يَنْظُرُ إِلَيَّ مِنْ بُقْعَةِ غُبارٍ،
فَأَقُولُ لَهُ: هَا أَنَا أَحْيَا،
وَهَذَا يَكْفِي لِكَيْ تَسْقُطَ كُلُّ الجُدْرانِ دُونَ أَنْ أَمُوتَ.

0 التعليقات: