الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 18، 2015

شبابيك رمضانية

شبابيك رمضانية:عبده حقي
رمضان جانا .. أهلا رمضان
قولوا معانا .. أهلا رمضان
كنت وأنا طفل صغيرأستمع إلى هذه الأغنية الرمضانية الجميلة التي تنبعث من جهازراديوخشبي ضخم يشبه صندوق بطاطا عند الخضار.. كنت أشعربانقباض لذيذ وغريب في أحاسيسي .. كنت أحس أن الأرض قد لفها ستارشفيف من النورالرباني وأن الملائكة الطاهرة قد نزلت على الأرض بعد عام في مهامها في الملكوت الأعلى ، نزلت من جديد لتصفد الشياطين المتربصين بالبشروتكبل أياديهم الآثمة التي تحرضنا على فعل المعاصي وإذا ما رفضنا وخشينا نارجهنم تدفعنا في غفلة منا من خلف ظهرانينا لتلقي بنا في حفرالسيئات والفواحش ...
الحياة وقتئذ كانت بسيطة جدا .. جلابيب بيضاء وبلغات صفراء وطرابيش وسراويل قندريسة للرجال وحياك صوفية بيضاء للنساء وأقمصة وسراويل من الثوب الرخيص عند الشباب ..
وعلى موائد الإفطار، لم يكن هناك غيرفطائروحلويات شباكية من صنع الوالدة وزيت بلدي وزيتون وشاي و(شريحة ) تين جاف وتمرعلى أكثرتقدير .. هكذا كانت حياتنا بسيطة وهادئة .. من دون تلفزيون يجهد فيه ممثلون وممثلات بؤساء أنفسهم لينتزعوا منا الضحكات قسرا مقابل ما ندفعه للدولة من ضرائبنا بالرغم من غمامات الغم والكمد التي تشوب مشاعرنا وجيوبنا.. كان فقط ذلك المذياع الضخم الأنيس الذي يشبه صندوق بطاطا كما قلت يقعد هوأيضا بجانبنا بالقرب من مائدتنا الخشبية الدائرية .. يشنف مسامعنا بتراتيل عبدالباسط عبدالصمد وابتهالات النقشبندي وأغاني دينية رائعة وجميلة (ولد الهدى) لأم كلثوم و(البردة )لأحمد البيضاوي وأغاني الملحون والأندلسيات وغيرها .. هكذا كانت حياتنا تسيربنا في درب ظاهره فقروباطنه سعادة حقيقية ، ونحن غيرعابئين بغدنا ، لانكاد نشعرأننا ملزمون بأن نحيى العصرتحت سياط الإعلانات والستريس والموت اليومي بالتقسيط .
وهاهو رمضان الكريم يعود من جديد .. فأين منا رمضاننا القديم البسيط .. هاهم من جديد تجارالدين ينتشرون في كل زاوية ومشهد ليطوقوننا من كل جانب .. يندسون كالعقارب في جيوبنا .. ومثل اللصوص أمام عيوننا .. إنقلابات تقع على حين غرة في القيم والعلاقات والمعاملات المجتمعية .. حيث الكل يبيع الكل .. والكل يشتري من الكل .. وحيث بوابات المساجد تصبح كأنها مداخل لسوبيرمارشيات .. تسونامي الشباكية والتمروالفطائريغرق المدن في الأحياء الهامشية كما الأحياء الراقية .. صحون شباكية على طاولات صحون فوق الأرصفة .. صحون الشباكية عند البقال والخضاروالجزاروبائع الهواتف والإسكافي .. الكل يبيع الشباكية للكل .. والكل يبحث عن فرصة بيع للإيقاع بالكل في مصيدة الشباكية .. ولاتكاد ترى غيرمجتمع متشابك يهيم على وجهه من شدة الجوع والعطش بالنهار.. والتدافع إلى الصفوف الأمامية في المساجد لصلاة التراويح ليس إبتغاء مرضاة الله عزوجل وإنما لأن الكل بات يقلد الكل ويقتفي خطى الكل بعيدا عن الرسالة السماوية التي جاءت من أجل بناء مجتمع المساواة والتكافل والحرية ... وللحقيقة فإنني أتعجب كثيرا كيف أن مجتمعنا يتعايش مع هذا النفاق الديني السنوي ويقبل به بل وصار يتعايش معه تلقائيا .. مايشبه الصيام في النهارحيث الكثيرمن الناس ليس لهم من الصوم إلا الجوع والعطش أما بالليل فلو قدر ورفع الستار السميك عن ليل المدينة التي تستيقظ بعد نوم عميق في النهارفمن دون شك أنك ستدرك بأن الشياطين التي صفدتها الملائكة طيلة شهركامل وألقت بها في قبوتحت الأرض قريبا من جهنم هي شياطين بريئة ومنزهة عن تهمتها مما يقترفه بعض المسلمين في رمضان ، فمن يحرض الشياطين الآدمية إذن على فعل آثامها ومعاصيها ...؟؟

0 التعليقات: