مسيرة من زمن نسخ لصق :عبده حقي
تتعدد أوجه ثقافة الإحتجاج الإجتماعي والسياسي في المغرب بين إنتفاضات عنيفة خلفت من ورائها العشرات من الضحايا مثلما وقع في الدارالبيضاء سنة 1965 و1981 وأيضا ببعض مدن وقرى الشمال سنة 1984وبين إضرابات عامة غيرأنها كانت سلمية تقودها نقابات عتيدة وبعض منظمات المجتمع المدني مثل إضراب 1979 وبين إعتصامات مرفوقة برفع اللافتات والتلويح بشعارات مكتوبة ومسموعة بمكبرات الصوت وبين مظهروضع شارات الإحتجاج المقتبسة فكرتها عن العمال اليابانيين وبين حشود مسيرات في الشوارع الرئيسية بالمدن الكبرى وهي أحدث مظاهرالإحتجاج الحضارية المقتبسة من الدول الغربية والتي يمكن تأريخ تدشينها في المغرب منذ سنة 1990 إثرهجوم قوات الحلفاء وبعض الدول العربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق فيما سمي وقتئذ بحرب الخليج الثانية والتي إندلعت إثرهجوم جيوش صدام حسين الغاشمة على دولة الكويت الشقيقة ...
أخيرا ظهروجه جديد منذ ثلاث سنوات من الخريف العربي .. طريقة من طرائق الإحتجاج الفردي الذي لاتتفق مع فعله المأساوي كل أطياف المجتمع المدني ويتعلق الأمر ب"موضة" الحرق الذاتي عبرصب المواطن المحتج قنينة البنزين على جسده وقدحها في موقف علني وفي أقصى درجات الرفض وهي الطريقة التي كانت السبب في إندلاع الثورات العربية إنطلاقا من قرية سيدي بوزيد بتونس بعد وفاة الشاب العاطل محمد البوعزيزي وبذلك وجدت هذه الطريقة لها مقلدين في المغرب أدت بعضها إلى وفيات وبعضها الآخرإلى عاهات تشويه مستديمة وفي ظن ضحاياها أنهم بإضرام النارفي أجسادهم سوف يسقط رئيس الحكومة مثلما أسقط البوعزيزي زين العابدين بنعلي الذي دخل بهروبه إلى السعودية تاريخ الأوائل ...
ومن دون شك أن المغرب يعتبر من الدول الرائدة عربيا على مستوى الإحترافية في تنظيم الإحتجاجات وتحشيدها بشكل أذهل في بعض المواعيد الكثيرمن الدول الغربية العريقة في الممارسة الديموقراطية .. فقد ناهزت مسيرة الرباط للتنديد بالعدوان الغربي على العراق سنة 1990 المليون مشارك ومشاركة وهي المسيرة التاريخية الناجحة بكل المقاييس التي دعت إليها كل ألوان الطيف السياسي الحزبي يمينه ووسطه ويساره وخصوصا الإطارالسياسي القديم ⁄ الجديد آنذاك الكتلة الديموقراطية غذاة تأسيسها .
ومنذ ذلك التاريخ أضحى هذا النوع من الإحتجاج ثقافة مجتمعية وسياسية تمكن المغاربة مع مرورالزمن من إستيعاب آلياتها وتقنياتها تصريفها وضبط إطارها السلمي حتى لاتنفلت عن غاياتها وأهدافها الأساسية وتهدد بذلك السلم الإجتماعي وحياة المواطنين .
لكن يبقى دائما السؤال المحوري بعد كل هذا الإرث النضالي المتوقد والمتوهج بكل هذه الآلاف "المؤلفة قلوبهم" من المتظاهرين والمئات من الكيلومترات التي قطعتها مسيرات المجتمع المدني منذ 1990 في شوارع المدن الكبرى وخصوصا العاصمتين الرباط والدارالبيضاء هوإلى أي حد إستطاعت أن تنتزع حقوق المغاربة ومطالبهم بشكل سلمي وإلى اي حد كانت خطواتها وتنظيمات صفوفها المتراصة قد مثلت ضغطا وازنا وقادرا على جعل الحكومات المغربية تتراجع عن بعض قراراتها اللاشعبية واختياراتها الخاطئة أحيانا من جهة ومن جهة أخرى أن تجعل الرأي العام الدولي يستوعب رسائلها السياسية والتضامنية سواء مع العراق أو غزة أوالبوسنة والهرسيك أونزولها للتنديد بالإرهاب أوضد التمييزالنوعي للمرأة أم أن كل هذه المسيرات لم تكن في العمق سوى لعبة سياسية لعرض عضلات الأحزاب والنقابات والجمعيات ولم تكن أيضا سوى مهرجانات خطابية لامتصاص غضب الشارع وحقن أحلام المواطنين بالآمال والوعود السرابية مما جعل منها مسيرة للتوعية الصحية لخفض نسبة السكرفي الدم عن طريق المشي للقيادات الحزبية المترهلة والبدينة التي تعاني منذ مدة من أعراض الملحة والسكر ومابغاتش تخلي كرسي الأمانة العامة لجيل الشباب الصاعدين والتواقين إلى التغييروالتجديد...
لقد تأكد في مسيرة الرباط الأخيرة للتضامن مع شعبنا الفلسطيني في غزة أنها لم تكن سوى أسطوانة محفرة تدور وتدور وتدورحول بقعة دم الأطفال الأبرياء المستباح مثلما دارت في عدوان 2006 وغيرها من المجازرالتي إقترفتها آلة البطش الصهيونية خارج كل المواثيق الحقوقية الدولية والإنسانية التي تدعوإلى عدم المساس بالحق في الحياة للمواطنين العزل والأبرياء...
هل فعلا وصلت رسالة مسيرة المغاربة بصراخاتها وصفيرها وشعاراتها إلى نتانياهو في تلك الصبيحة ودفعته إلى إغلاق غرفة العمليات الحربية فورا والأسراع إلى سحب ترسانته وفيالقه العسكرية ودعوتها إلى الرجوع إلى قواعدها وثغورها إلى أجل غير مسمى ، في إنتظارالبحث عن رمضان قادم وعن أسباب ملفقة لاقتراف مجزرة أخرى وبالتالي تبحث من دون شك أحزابنا وشعوبنا العربية بشكل عام في أجندتها عن يوم فائض في نهاية الأسبوع للنزول إلى الشارع من أجل التنديد بالعدوان الجديد ؟
يقينا أن رسالة المسيرة لم تصل إلى إسرائيل حتى لونزلت كل الشعوب الأرض العربية للمشي في الشوارع والتضرع إلى الله عزل وجل لإبادة إسرائيل وأن نتانياهو وغيره من الوزراء الصهاينة هم بكل تأكيد الكائنات الآدمية الوحيدة في البشرــ إن كانوا حقا بشرــ التي تملك بين كتفيها رؤوسا من دون آذان صاغية لا لتوجع الأطفال الفلسطينيين العزل ونحيب أمهاتهم الثكالى فبالأحرى الإصغاء لهديرمسيرة الرباط أومسيرة باريس أونيويورك أوحتى نداءات باكيمون ومنظمة اليونيسيف...
إن المسيرة الرباط الأخيرة أقصى ما حققته في رأيي هو جمع ألبوم إضافي وزائد من الصوروالتصريحات الببغائية المتكررة التي نسمعها إثركل مجزرة غزاوية حيث الإخوة الأعداء من القيادات الحزبية والنقابية والجمعوية متشابكون بالأدرع .. يمشون في الأرض مرحا .. يتبادلون الإبتسامات الصفراء بينهم .. يفكرون في الأجندة الإنتخابية القادمة ويوزعون في مخيلاتهم عدد مقاعد البرلمان الوثيرة أكثر مما يفكرون في أطفال غزة الأبرياء الذين تقصفهم الطائرات الإسرائيلية وتسفك دماءهم ببرودة دم ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق