إسقاط النفاق قبل إسقاط الإستبداد :عبده حقي
لوأن الشعوب العربية أدركت قبل ثلاث سنوات أي منذ 17يناير2011 أن سبب فشل ثوراتها وأن إسقاط الإستبداد لم يكن غيرشعارعابروبريق خاطف ، لاستفاق البوعزيزي من رقدته الأبدية من جديد ولقدح الشرارة ثانية في جسده ضد النفاق وأقنعته الحديدية وليس ضد الإستبداد وديكتاتورية الحاكم ...
بعد ثلاث سنوات ماتزال الثورات العربية في الوطن الواحد تطيح ببعضها البعض كما لوأن هذا الإستبداد القدري أفعوانا أسطوريا بعشرات الرؤوس كلما قطعت رأسا من رؤوسه إلا واستنبت رأسا أخرى .
والحقيقة أن آفة الشعوب العربية ليست مع الديكتاتوريات وأشكال إستحواذها على آليات الحكم وإنما آفتها في إستشراء مرض النفاق وأقنعته الحربائية ولعل أخطرهذه الأقنعة : قناعا النفاق السياسي والنفاق الثقافي .
لقد إستقال السياسي من تاريخه ولم يعد يحمل مشروعا فكريا وإيديوجيا نهضويا ، بل بات ببغاءا للنظام القائم يردد في تغاب مكشوف ما يملى عليه من سياسات ترقيعية تحت شعاريشبه العملة في وجهيها (سياسة الواقعية وواقعية السياسة)
ومن بين فضائح هذا النفاق السياسي العربي الجائح دعوة أنظمته الهرمة إلى إقرارنظام ديموقراطي يعيش المواطنون تحت كنفه مشمولين بالحقوق الأساسية الكاملة ضمن برنامج تعاقد بين المنتخب والناخبين ، بيد أنه ما إن تمرالولاية الإنتخابية حتى يصحو المواطنون البسطاء على هشيم الخطابات بعد أن يكون السياسي قد جمع الغلة وترك بين أيديهم شعارات برنامجه (المصيدة) وهكذا تبقى الخدمات العمومية هي نفس الخدمات العمومية في ترديها المستمرإن لم نقل في تراجعها وبالتالي تنفض الدولة يدها منها ويتم تفويتها لصالح فاعلين جدد في القطاع الخاص ...
ومن النفاق السياسي أيضا أن تنزل قيادات النقابات العمالية إلى الشارع العام في فاتح ماي من كل سنة أوغيره من يوميات الإحتجاج تجرجرخلفها مئات الآلاف من العمال والموظفين المتذمرين من دون أن يفطن هؤلاء أن دخان القاطرة النقابية لاتختلف رائحته عن رائحة دخان الحشيش المساعد على ربح الوقت بالتنويم النقابي الطويل ...
ومن النفاق السياسي العربي الفاضح أن ترفع الشعارات البائدة عن القومية العربية ومقاطعة الكيان الإسرائيلي على جميع المستويات فيما العشرات من القادة السياسيين الخطباء ذاتهم في المهرجانات العروبية يزورون إسرائيل سرا ويقضون إجازاتهم السياسية في ردهات خمسة نجوم تاركين الشعب العربي عالقا في نجوم ليله الطويل ... فماذا تترقبون من هؤلاء المنافقين لوتجرأت وأعلنت اليوم عن رغبتي لزيارة إسرائيل فمن دون شك أنهم سوف يشحدون سكاكينهم وألسنتهم ويمسحون في سيرتي كل آثامهم التي إقترفوها في حق الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين .
وليس النفاق الثقافي بأقل أهمية من النفاق السياسي بل أكاد أقول أن النفاق الثقافي لهوأشد خطرا على المجتمعات من النفاق السياسي إذ أن الفعل الثقافي هوممارسة وتصريف يومي لسلوك المثقف باعتباره حاملا لمشروع فكري تنويري قادرعلى الرقي بدرجات الوعي الشعبي إلى مدارج العقلانية والحداثة وقادرا أيضا على إقتراح البدائل الفكرية والفلسفية والثقافية لتجاوز مثبطات وعوائق التمدن والتطورالسوسيوثقافي .
ومن دون شك أن الثورات العربية الراهنة قد فجرت من جديد وبشكل أكثرإلحاحا دورالمثقف الطليعي في بلورة رؤية فكرية وثقافية تقوم على آليات وتقترح مداخل لمجتمع المستقبل تتوفرفيه كل شروط الكرامة الإنسانية ... هذه الأسئلة لم تجد أجوبتها المقنعة سوى في الإجماع على أن وضع المثقف العربي اليوم هوفي قفص الإتهام والتواطؤبسبب إختفائه الإرادي وبسبب شلله الفكري وعدم إلتزامه بتعاقداته الإيديولوجية والفكرية التي ترسخت في ذهنية المجتمعات العربية على مدى الخمسة عقود الماضية إلى حدود نهاية أسطورة الحرب الباردة ...
فهل يمكن القول أن النفاق الثقافي قد إستفحل بشكل أكثرمما كان عليه سنوات جداربرلين حين كانت الأنظمة العربية الشمولية والرأسمالية على حد سواء تتجاذبه إلى فراديسها وحدائقها الخلفية ليعزف على أوتارها ويكون بوقا لها فضلا عن أبواقها الإعلامية والدعائية المتعددة.
لقد تكشف مع سقوط بعض الديكتاتوريات العديد من الأسرارالمدهشة في صالونات قصورالرؤساء عن علاقات بعض المثقفين العرب مع هذه الدكتاتوريات القمعية البائدة خصوصا في عهد صدام حسين ومعمرالقذافي وحافظ الأسد عرت بما لايدع مجالا للشك أنها قد إستطاعت أن تروض جيوب الكثيرمن المثقفين وتسكت أمعاءهم الفكرية فيما تركت أقلامهم تخطط نفاقها الثقافي والفكري على طبقة القراء السذج من أمثالي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق