قد تبدو الجغرفيا بينهما كذبة كبيرة .. لاتجمعهما قرابة غيرقرابة كونهما أنثى عربية .. أنثى هنا وأنثى هناك .. مريم في المحيط ومريم أخرى على مرمى حجرمن الخليج والكثيرمن المريمات في الخارطة العربية اللواتي تبتلعن الآن
في صمت آلالمهن وأوجاعهن ضد الميزوالتعنيف المادي والرمزي والتسلط بمختلف ألوانه وأصفاده...
في صمت آلالمهن وأوجاعهن ضد الميزوالتعنيف المادي والرمزي والتسلط بمختلف ألوانه وأصفاده...
مريم يحيى هذه الطبيبة السودانية التي وجدت نفسها على حين غرة بين السلطة الرمزية الذكورية لزوجها المسيحي دانيال واني وبين السلطة المادية والمعنوية للقضاء السوداني .. ما السبيل لها وإلى أين المفرأوالهروب من حصارالسلطتين معا .. ؟ هل إلى سقف البيت ودفئه وسكينته ضدا على إرغامات الأعراف والقوانين والدساتيرأم إلى سلطة الخضوع لأمرالحاكم بأمرالله وضوابط الشريعة الإسلامية وسيف حدودها.
مريم يحيى قررت وهي في كامل قواها العقلية أن ترتد عن دينها الإسلامي وتعتنق المسيحية ربما ليكتمل التلاحم في كل تجلياته الجسدية والروحية والحميمية بينها وبين زوجها . لكن بدل أن يبحث البشيروحاشيته عن الدوافع والإكراهات الإجتماعية والنفسية والعقائدية والحميمية أيضا التي دفعت بمريم إلى الردة عن دينها الإسلامي ، فقد قضت المحكمة بإعدامها شنقا ثم في مشهد ثان تم تأجيل الحكم بالإعدام إلى مابعد مرورتسعة أشهربعد ثبوت وجود جنين في رحمها ثم في مشهد ثالث قضت المحكمة في حكم آخر ونظرثالث بتأجيل حكم الإعدام إلى مابعد الولادة ومرورسنتين من الرضاعة ...
بمعنى آخرأن المحكمة قد حكمت على الأم بالإعدام وعلى الجنين القادم إلى هذا العالم باليتم المحقق بعد أن تنتزعه السلطة قسرا من صدرأمه الحنون الدافئ وتنفذ فيها الإعدام شنقا علما أن هذا القادم هذا المواطن العربي الجديد رجل الغذ بريئ كل البراءة مما إقترفه غيره في الغيب قبل أن يأتي إلى الوجود سواء أكانت مريم مسؤولة عن ذلك أم زوجها دانيال أم العدالة الإسلامية أم إغراءات المسيحية أم الملائكة أم الشياطين ..
يقينا أن الكثيرمن منظمات المجتمع المدني الدولي والعربي سوف تنزل حشودها في الأيام القادمة إلى الشارع وسوف تطلق صفحات على المواقع الإجتماعية لمؤازرة مريم يحيى لكن ما الذي سيصنعه نظام الحكم في السودان من مولود مريم القادم والذي سوف يشب ويكبرثم سوف يعلم علم اليقين ذات يوم بأن السلطات السودانية باسم الدين قد أعدمت أمه شنقا وحرمته من وجهها الرؤوم ومن دفئ رعايتها إلى الأبد .. من دون شك أن السلطات هناك تتحمل الآن وفي المستقبل كامل المسؤولية حينما سوف تخلق منه إما إرهابيا جهاديا ضد النظام الديكتاتوري في الخرطوم أومشروع مواطن مسيحي ليس لمحبته في يوحنا في يسوع وإنما إنتقاما لأمه التي حرمته منها حدود الشريعة الإسلامية ...
ومن شنق الشريعة إلى شنق (الحكرة) والشعوربالدونية والإحساس القاسي بالإنتماء الطبقي الذي لازال يقف سورا فولاذيا بين أبناء المجتمع المغربي فقرائه وأغنيائه ..
مريم هاسك الشابة ذات الربيع الثاني آثرت أن تتخلص من عارالفقروشبحه الذي كان يطاردها بين الأزقة وفي ممرات الإعدادية وتحت السقف القصديري بوضع حد لحياتها شنقا في مشهد تراجيدي فادح لكونه لايتعلق بجريمة الشرف أوزنى الأصول وإنما هو زلزال يضرب في العمق السياسة الإجتماعية والتربوية في بلادنا ...
الحكرة هي سلاح الدمار الشامل الذي يجعل الفئات الإجتماعية الهشة جاهزة في كل وقت وحين لردة فعل(Reposte ) قاسية وقوية لاسترداد جزء من الكرامة المفقودة أوكل تمثلات الكرامة التي رسختها الثقافة الإجتماعية والإستهلاكية في أذهانها إما بممارسة العنف على الآخر(الإرهاب ـ التشرميل ) أو العنف على الذات (جلد الذات ـ القرقوبي ..إلخ) باعتبارالذات هي التمظهرالمادي للنفس المحبطة والمعذبة والتي تعتبرالخزان العميق لتراكمات الأعطاب السيكولوجية العلنية والسرية ...
إن إنتحارمريم هساك يعبربشكل فاضح وصارخ عن فشل المنطومة التربوية ولا جدوى خطاب التنشئة المدرسي بحيث أن إقدام تلميذ أوتلميذة على الإنتحاريبرز بما لايدع مجالا للشك أن هذه المنطومة لم تستطع أن تحصن سيكولوجيات أبنائنا بأمصال المناعة ضد الشعوربالحكرة والغبن والدونية والتهميش وفظاعة الطبقية ومظاهرها المادية التي تمارس عنفها الرمزي اليومي على الطبقات الفقيرة ...
إن إقدام مريم بنت الكاريان على الإنتحاريعبرفي وجه آخرعن إشكالية السياسة السكنية في البلاد بعد أن رفع المسؤولون شعارالقضاء على دورالصفيح والبناء العشوائي في كل ربوع البلاد .
الحكم على مريم يحيى بالإعدام واختيارمريم هساك إعدام نفسها بنفسها من دون شك يضع المجتمعات العربية أمام مواقف حرجة وأسئلة ملحة عن واقع الحكرة الذي تتمرغ فيه المرأة العربية وإن بدرجات متفاوتة فالمغرب بكل تأكيد ليس هو السودان والسودان ليس هو السعودية والسعودية ليست هي لبنان وهذا يدل بشكل جلي أن معركة تحررالمرأة مازالت تراوح مكانها منذ زهاء نصف قرن على تحررجل الدول العربية من ربقة الإستعمار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق