في مثل هذا اليوم 8 أكتوبر الأول من سنة 2008 هبطت مركبة من مجرة الرقمية على سطح كوكب النشر بالمغرب. هيكلها زجاجي شفاف وليس بقمرة سياقتها سوى
ربان واحد.لم تكن مركبة استكشافية بل كانت مركبة محملة بمشروع طموح يروم وضع الثقافة المغربية في عصر الرقمية ونقلها من تجلياتها الواقعية إلى منصتها الافتراضية.
ربان واحد.لم تكن مركبة استكشافية بل كانت مركبة محملة بمشروع طموح يروم وضع الثقافة المغربية في عصر الرقمية ونقلها من تجلياتها الواقعية إلى منصتها الافتراضية.
تلك المركبة كانت هي مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية التي حطت وقتئذ ولم يكن لها من بطاريات أو وقود غير شحنة قوية من الإرادة والإيمان بمشروعها الثقافي الرقمي للسفر به في الجهات الأربع على مستوى الإنجاز والنشر والمواكبة والتفاعلية، في وقت كانت فيه الثقافة المغربية برمتها في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى لمسة زر إلكتروني كي تنطلق على سكة عصرها الرقمي.
كانت الساعات الأولى عصية وعصيبة إذ بقدر ما راهنت هذه المجلة الرقمية على تحرير بعض المنجز الثقافي والأدبي المغربي من أوتاده خيمته العربية التقليدية بقدر ماراهن من جهتهم عديد من حرس الخيمة القديمة على الاستخفاف بهذا المشروع باعتباره ضربا من الخيال العلمي القريب من أحلام وهلوسات مخلوقات الأفاتار التي تقتات على شريحات ورقائق السيلكون الهشة ...
ومثلما ترسخت في ذهنية بعضهم أبا عن جد مقاومة كل بدعة لأن في اعتقادهم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فقد وجدت هذه المركبة الرقمية نفسها بين مواقف مقاومة عاتية وهي نفس المواقف التي قاومت منذ قرن من الزمن لقاحات باستور وسينما لوميير وخطوة أمسترونغ وكتاب الجيب وقلم بيك .. إلخ لارتباطها الوثيق بالماضوية التي أوشكت أن تصير ارتباطا طبيعيا راسخا.
غير أن للزمن كلمته الأخيرة .. تطوره الفيزيقي ومنطقه الخاص الذي يمضي قدما إلى حتمية التغيير وفرض شروط القبول بقواعده الجدلية أحب من أحب وكره من كره.
تسع سنوات إذن مرت على هبوط مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة على بسيطة الثقافة المغربية. ومما لاشك فيه أن هذه السنوات التسع تعد بمقاسات التحقيب البشري جيلا واحدا.. وقد شكلت المجلة إلى حد ما بهذا الجيل قطيعة مع الجيل الورقي السابق بتميزها ومكاسبها الرقمية التي لا تتحدث عن نفسها بل سوف تترك التاريخ يتحدث عنها في المستقبل.
وقد لا نبالغ في القول إذا قلنا بمناسبة هذا الاحتفاء ـ المأتم ـ أن مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية قد خلقت جيلها الخاص من الكتاب والأدباء الرقميين الذين آثروا أن يقتحموا تجربة النشر الالكتروني والانتشاء بلذة نصوصه ليس بالطرح "البارتي" ــ نسبة إلى رولان بارت ــ وإنما هي لذة نص فضي، مشع متحرك، متشعب ، مغر وجذاب.
لقد ظل حلم المجلة يتسع سنة بعد أخرى ليصير بحجم خريطة هذا الوطن الذي أثمن وأنفس وأغلى ما فيه ليس فوسفاطه وبحاره وشواطئه وشمس أصيافه الجميلة بل أيضا فسيفساؤه الثقافي وغنى تنوعه الأدبي والفني والتراثي وغيرها من مكونات هوية الإنسان المغربي الأمازيغي العربي والإفريقي والأندلسي.
منذ تسع سنوات لم تكن شمس المجلة تطلع على قرائها وزوارها في دورة يومية فيزيقية رتيبة مثلما تدور أقمار المجرة منذ الأزل فحسب بل إنها كانت تشرق لكي تؤدي دورها الريادي إيمانا من ربان قمرتها من أن المكون الثقافي عامة هو تلك اللحمة المتينة التي يتدثر بها جسد الوطن إذ أن هيكل أي وطن لا ينهض فقط على معمار الاقتصاد ونجيع الطاقة وأرصدة المال وبورصة الأعمال فحسب وإنما أيضا على دعامة المكون الثقافي والثقافي في حامله الرقمي اليوم بالدرجة الأولى.
وفي الوقت الذي كانت فيه المجلة تواصل مشروعها على مستوى نشر أخبار الثقافة المغربية والعربية والعالمية وإصدار الكتب الإلكترونية وإنجاز الملفات وإجراء الحوارات مع عديد من رؤوس أقلام الفكر والأدب والفن ... في هذا الوقت كان مع الأسف الشديد الزلزال ينخر عميقا في صمت لتقويض حلم المشروع الثقافي الرقمي للمجلة الذي تبنته منذ إطلاقها.
واليوم الثامن أكتوبر 2017 تحل الذكرى التاسعة بلون البياض وبمرارة الإجهاض بعد إغلاق المجلة وعودة مركبتها إلى سماوات الغياب عقب صدور قانون مدونة الصحافة والنشر الذي لسنا ضد مقتضياته الإيجابية الهادفة إلى تأهيل وتقويم المشهد الإعلامي الرقمي بل نحن نأسف لإجهاضه لحلم مشروعنا وشعارنا الدائم (من أجل ثقافة مغربية رقمية تواكب العصر).
إنها لحظة احتفاء حزينة بلون البياض وبمرارة الإجهاض لولا عزاء رصيدنا الذي نخجل من الالتفات إلى ماضيه لتصفحه والتباهي به لأننا كم كنا نتوق في هذا اليوم الاحتفائي بعد تسع سنوات من العطاء لدعوتكم من أجل المضي معنا قدما في العمل على ربح رهانات مستقبل الأدب والثقافة الرقمية بالمغرب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق