الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أبريل 05، 2018

أخيرا جريدة "أخباراليوم" تستقل مركبة الرقمية فعلى من سيأتي الدورالقادم : عبده حقي

منذ مايناهز خمس سنوات تحدثنا في مقال سابق عن المد الإعلامي الرقمي الذي طفق يبتلع (يستقطب) بجاذبيته ومرونة إستثماره شيئا فشيئا العديد من المنابرالورقية السيارة عالميا إلى فضاء الكونية الرقمية اللامحدودة ولعل أبرزمثال صارخ على ذلك والذي أشرنا إليه في ذات المقال * ما آلت إليه أوضاع أعتد الجرائد الفرنسية "لوموند" والذي أدى إلى تسريح العديد من الصحفيين والعاملين في مختلف مكاتبها العالمية قصد تدبيرأحسن لمواردها البشرية بعد أن أثبتت الدراسات واستطلاعات الرأي أن النسخة الإلكترونية لصحيفة لوموند قد إستطاعت بالواضح وبكل يقين أن تؤدي دورها الإعلامي الدولي بشكل أكثرنجاعة ومهنية باعتماد وسائط الميلتيمديا كأسانيد جديدة للأخبارالتي تعتمد على الصوت والصورة المتحركة والفيديومتجاوزة بذلك طرائق التحريرالكلاسيكية الورقية.. وكانت آخرالمنابرالورقية العالمية الشهيرة التي أصدرت آخرطبعتها هي مجلة "نيوزويك" بعد أن أخفقت هذه المجلة الأسبوعية المعمرة والثانية بالولايات المتحدة الأمريكية بعد صحيفة "تايم" في تجاوزانخفاض مبيعاتها ووكذا تراجع عائدات الإعلانات في ظل انتقال القراء إلى المضمون المجاني للإنترنت.
أما صحيفة "الواشينطون بوست" فقد كانت الرائد الأول في الصحف العالمية وهي بمثابة رجل الفضاء "أمسترونغ " أول إنسان وضع رجله على سطح القمرفقد كانت هي أيضا أول صحيفة عالمية تؤسس موقعا إليكترونيا لها على الإنترنيت منذ خمسة عشرسنة أي منذ أوائل تسعينات القرن الماضي .. وفي خطوة أخرى جريئة ومتطورة أقدمت إدارتها قبل شهورعلى إطلاق تلفزة الواشنطون البوست كواحدة من آخرمحاولاتها لمواجهة الانخفاض الكثير والمستمر في مبيعات الصحيفة الورقية منذ انتشارالإنترنيت، خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث هبط كثيرا توزيع الصحف الورقية في الولايات المتحدة بل في الكثيرمن دول العالم المتقدم  .
أما في العالم العربي فقد كانت الكثيرمن الصحف العربية الورقية العملاقة سباقة منذ عشرسنوات إلى إصدارنسخها الإلكترونية من دون أن تكون هذه المنابرالورقية قد عانت بقدرأقل أوأكثركما عانت الصحف الأمريكية والفرنسية من نتائج إنتشارالوسائط الجديدة وخصوصا الإنترنت والمواقع الإلكترونية الإخبارية لسبب بسيط هوإستفادة هذه الصحف العربية من الدعم المالي الوافروالمريح الذي تضخه حكومات بلدانها الخليجية ويكفي أن نسوق هنا بعض الأمثلة كصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية و"الوطن" الكويتية و"العرب" القطرية و"الإتحاد " الإماراتية
أما في المغرب فقد كان التفكيرفي هجرة الجرائد الورقية إلى سند الرقمية إلى حدود أواسط سنوات الألفين موضوعا هامشيا بل أحيانا أخرى مدعاة للأستخفاف إعتقادا من الراسخين في الصحافة والإعلام الورقي أن صحافة الإنترنت ليست إلا مسألة موضة عابرة وهي قبل كل شيء صحافة تعاني من الهشاشة وغياب المهنية والمصداقية وتعدد الهواة إن لم نقل هجوم الدخلاء ... لكن مع إنفجارالأوضاع العربية وتسارع الأحداث السياسية على مداراليوم تجلى بشكل واضح قدرة صحافة الإنترنت وصحافة المواطنة بالخصوص (الشبكات الإجتماعية) على مواكبتها لحظة بلحظة وحدثا تلوآخرفيما بات واضحا أن المنابرالورقية لم يعد دورها في الغالب سوى إجترارأخبارالأمس المستهلكة وإعادة صياغتها بشكل يحفظ  دم رمزيتها ويطعمها بالقدرالكافي من روح البقاء أي بقاء المؤسسة الورقية متشبثة بخيوط إمتيازاتها المتعلقة بدعم الدولة والإعلانات ...
ومن دون شك أن سيطرت "صحافة الإنترنت" على السوق الإخباري وترويجها للمعلومة بشكل مجاني بل ونافذ جدا في الرأي العام باعتماد وسائط الميلتميديا مثل الصوت والفيديوووصلات الفلاشات ، فمشاهدة مظاهرة واحتجاج واستطلاع آراء بعض المتظاهرين في نقل حي يختلف كثيرا من حيث الوقع على المتلقي من تقريرروبرتاج مكتوب على صفحة جريدة ورقية هذا فضلا على أن عملية التلقي على السند الرقمي هي أيسروأمتع منها على السند الورقي كما أنها تتيح للقارئ التعليق على الخبروالإدلاء برأيه وبالتالي تصيرالعشرات من تعاليق القراء جزءأ أساسيا في إمتدادات الخبرباعتبارها خلاصات للرأي العام الذي تنهض على تراكماته إستراتيجية سياسة الدولة في تدبيرمشاكل الشأن العام ...
كل هذا كان له إلى حد ما أثر (مؤلم ) على جسم الصحافة الورقية التي ظل يمشي إليها القراء على نفس الجسرمنذ أكثرمن نصف قرن تقريبا في المغرب مما بدأ يشعرهم ببعض الملل بعد ظهوروسائط إعلامية حديثة ومغرية بتنوعها وجاذبية تبويبات واجهاتها الإلكترونية ...
لقد بات إذن الحل الأنجع للصحافة الورقية هوالرحيل إلى نصف الطريق من دون التفريط في المكتسبات السابقة  والإرث الكبيروالذاكرة الإعلامية الثرية حيث عمدت العديد من الجرائد الوطنية الحزبية والمستقلة بالخصوص إلى إصدارنسخها الإلكترونية التي لم تنفلت من جبة النسخة الورقية التي يتم تحيينها مساء كل يوم لكن بشكل سيء على مستوى الشكل والمضمون وبواجهة صفحة رئيسية تطفح تقتيرا وبخلا على القارئ وتنم عن سياسة إعلامية تعلن بالمكشوف أنها ليست مستعدة في الوقت الراهن للتفريط في القيمة المادية للخبرالذي تذره عليها النسخة الورقية وجعله معلومة مجانية بين يدي المتلقين .
ومع مرورالسنوات وتوالي هجرة العديد من الصحفيين المستقلين إلى إنشاء مواقعهم الإلكترونية الإخبارية (كود ـ لكم ـ فبرايركم ـ كيفاش .. إلخ ) وارتفاع عائدات الإعلانات على الإنترنت مقارنة بإعلانات الصحف الورقية وأخيرا مرونة وسرعة وصول المعلومة بشكل موجزوخفيف وانخراط المتلقي في التعليق عليها ما أدى إلى تراجع العديد من المنابرالورقية وإصابتها بعدوى الصحف الأمريكية التي أغلقت بعضها نسخها الورقية وإنتقلت بشكل نهائي إلى النسخة الإلكترونية ..
كان آخرهذه الجرائد المغربية الهابطة على كوكب الرقمية جريدة "أخباراليوم" الجريدة المغربية التي تتقاسم المراتب الريادية في الإعلام الورقي المغربي إلى جانب أخواتها المساء والصباح والأحداث والنهارالمغربية والخبروبيان اليوم والإتحاد الإشتراكي والعلم .. إلخ هذه الجرائد التي سبقتها إلى إرتياد عالم النشرالإلكتروني منذ سنوات خصوصا جريدة المساء التي كانت سباقة إلى هذا السند الرقمي منذ حوالي خمس سنوات والصباح التي كانت تصدرفي صيغة صفحات ب يدي إيف PDF ..
لقد جاء إصدارالنسخة الإلكترونية لجريدة "أخباراليوم " تحت شعار(أخباراليوم على مدارالساعة) بلوغو(LOGO ) يتكون من دائرة يتوسطها رقم 24 تقوم على كلمة "اليوم" وتحتها العنوان الإلكتروني للجريدة(www.alyaoum24.com ) مايعني أن هذه النسخة الإلكترونية وبشعارها هذا قد تجاوزت على مستوى تحيين المعلومة في شتى مجالاتها النسخة الورقية التي كما هي عادتها كل يوم تنطفئ شمعة  عمرها مع طلوع النسخة الورقية الجديدة صباح كل يوم .. فهل إصدارالنسخة الرقمية هو أخيرا إقرارمن إدارة وطاقم هذه المؤسسة أنه لامفرمن مواكبة عصرصحافة الإنترنيت ، ثم دعونا نتساءل عماهوشعورطاقم تحريرهذه الجريدة الرائدة وهي تفقد بعضا من رمزية الورق وهيبته الوازنة في ذاكرة المتلقي المغربي المتعلم منذ ولادة الصحافة الورقية الحزبية المناضلة إلى ولادة الصحافة الورقية المستقلة التي برزت اواسط التسعينات مع طلوع نجم "الصحيفة" و"الأيام"ثم "المشعل" وغيرها من الصحف الفرنكفونية أيضا .. وللحقيقة التاريخية فإن جريدة "أخباراليوم " الإلكترونية قد رفعت تحدي الرقمية بكل مهنية وتجاوزت في (وجبتها) الخبرية جل المواقع الإلكترونية الخاصة بالجرائد المغربية من حيث التبويبات والبراوزالجانبية والسلايد الرئيسي المتحرك عموديا هذا فضلا عن قسم (تلفزة الأخبار) وهي مجموعة من الفيديوات المنقولة عن وكالة المغرب العربي للأنباء ونافذة خاصة باستطلاعات الرأي ذات التصويت المباشروالأعمدة اليومية والأسبوعية لكل من الصحفيين المتألقين فاطمة الإفريقي وتوفيق بوعشرين الثابتة والتي لايمكن أن توفرها النسخة الورقية مهما تعاظمت مهنيتها الإعلامية...
إنها بحق مغامرة لا مفر منها على كل حال في حرب إعلامية كونية ضروس تتصارع اليوم في ساحتها جميع الأسانيد المقروءة والمسموعة والمرئية وكلها تلهث خلف هدف واحد هوالإرتقاء بالمؤسسة الإعلامية ماليا وإعلاميا عبرحشد أكبرعدد من المتلقين سواء على مستوى الإستماع أوالمشاهدة او النقرعلى الروابط التشعبية ...
وأخيرا بعد "اخباراليوم" على من سيأتي الدورفي الجرائد الورقية المغربية العنيدة والمتنطعة الرافضة للإذعان للهجرة إلى عالم الرقمية المحتوم ؟ ألا يتبدى للمتتبعين أن قدم كل جريدة ورقية هي أيضا باتت على عتبة الإيباد والتابليتات الذكية ؟ سؤال نتركه معلقا إلى أن تقلع مركبتها في الإتجاه المحتوم .

*أزمة الصحافة المكتوبة جريدة لوموند نموذجا عبده حقي الموقع السابق

0 التعليقات: