الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أبريل 16، 2018

راهن ومستقبل الصحافة الإلكترونية في المغرب : عبده حقي

تقديم ملحوظة : نص المداخلة التي أسهمت بها في الملتقى الأول للصحافة الإلكترونية الذي أقيم بفاس في 5 و6 ماي 2012
ترتبط الصحافة الإلكترونية ارتباطا عضويا بعاملين أساسيين وحاسمين في وجودها، بل إن عافيتها ترتبط بعافيتهما فلا يمكنها وجودها واستمرارها من دونهما ، إنهما : الإنترنيت وتكنولوجيا الاتصال والمعلوميات، مثلما أن الصحافة الورقية ارتبطت وما تزال ترتبط بالسند الورقي وهي رهينة بدورة صناعة الورق وبنية الاقتصاد المرتبطة به ، مثلما أيضا أن الصحافة السمعية البصرية مرتبطة من جهتها بالسند الصوتي (الإذاعة) والمرئي (التلفاز) وبنية البث التقنية والإرسالية المرتبطة بها.
الانترنيت والتكنولوجيا هما إذن عصبا الصحافة الإلكترونية أوقدماها اللتان تقف عليهما وبالتالي فإن أي تعريف للصحافة الإلكترونية فهو فضلا عن اندراجه فيما هوإعلامي شامل فإنه من جانب آخر وثيق الصلة بما هو تقني / شبكي.
إذن لا يمكننا تحديد تعريف للصحافة الإلكترونية من دون وضعها في سياق تعريف للإنترنيت كوسيط ووعاء لنشرالثقافات والمعلومات والأخبار.
1- تعريف الانترنيت
يعود إختراع الإنترنت إلى البروفيسور البريطاني تيم بير نيرز لي (Timothy John Berners-Lee ) الذي تخرّج من كليّة الملكة في جامعة أكسفورد بإنجلترا سنة 1976، وقضى سنتين مع شركة بليسي للاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة المصنّع الرئيسي لأجهزة تيليكوم في المملكة المتّحدة، وعمل في قسم نظم المبادلات التجارية وسباقات الرّسائل وتكنولوجيا شفرة التّعرّ، وفي سنة 1989، اقترح مشروع لغة تعليم النص المترابط أو ما يدعى بالنص العالمي المترابط، وهو ما عُرف فيما بعد بالشبكة العالمية World Wide Web معتمداً في هذا المشروع على المشروع الأول الذي صممه Enquire، وقد صُمم للسماح للمستخدمين بأن يعملوا معًا، وتوحيد معرفتهم على صفحات ووثائق لغة تعليم النص المترابط. كما كان تيم هو أول من كتب مزودا للويب World Wide Web، ووضع أسس أول برنامج مستقل لتصفح إنترنت. هذا العمل بدئ في أكتوبر 1990، وكان البرنامج World Wide Web الأول متاحاً من خلال معهد سيرن في ديسمبر من نفس السنة، وأُطلق على الإنترنت في صيف 1991.
وخلال السنتين 1991 و1993، استمر تيم في العمل في تصميم الويب وتنسيق الملاحظات من المستخدمين عبر الإنترنت. وتم مناقشة تعريفاته ومواصفاته الأولى URIs، HTTP، HTML ونقحت ونوقشت في دوائر أكبر عندما انتشرت تكنولوجيا الويب، وفي 1994 انضم تيم إلى مختبر علوم الكمبيوتر Laboratory for Computer Science في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا MIT كمدير لمنطمة W3C التي تنسّق نموّ W3C في كلّ أنحاء العالم، ومع الفرق العاملة في MIT وINRIA في فرنسا أخذت المجموعة تتحقق من إمكانية الويب الكاملة، وضمانات استقراره خلال التطور السريع والتحولات الجديدة لاستعماله اللغوي.
وفي سنة 1995، تسلم تيم بيرنرز-لي جائزة مبتكر العام Young Innovator of the Year، وجائزة ACM Software Systems Award وغيرها الكثير من الجوائز الإبداعية الهامة من عدة شركات ومؤسسات، ولديه درجات شرف من مدرسة Parsons School of Design للتصميم، في نيويورك وجامعة ساوثامبتون Southampton University والرجل المتميز في جمعية الكومبيوتر البريطانية.(عن موسوعة ويكيبيديا)1
يقوم الانترنيت أساسا على شبكة من الحواسيب (NETWORK) الذي يعني مجموعة من أجهزة الكومبيوتروملحقاتها التي تتصل فيها بينها، وإذا كانت شبكة الحواسيب هاته توجد في مكان واحد (إدارة أوبناية) فإنها تسمى الشبكة المحلية (NETWORK) أما إذا كانت الشبكة موزعة في أكثر من مكامن مثلا أكثر من بناية واحدة ففي هذه الحالة تسمى بالشبكة الواسعة التي يشارك فيها مستخدمون وفق صلاحيات يخولها لهم الرئيس أو مدير الشبكة. هذا فيما يتعلق بشبكة الكومبيوتر فما هو الانترنيت؟ إنه شبكة الشبكات بحيث أنها تتكون من تشبيك الملايين من أجهزة الكومبيوتر والشبكات المحلية والشبكات الواسعة وقد تم اشتقاق كلمة انترنيت من المصطلح الإنجليزي (INTERNATIONAL NETWORK) الذي يعني الشبكة العالمية ومن خلال هذا التقديم تتضح العلاقة العضوية بين الانترنيت وتطورتكنولوجيا المعلومات المرتبطة بالاتصالات وتطور أجهزة الكومبيوتر.
إن شبكة الشبكات أو الشبكة العنكبوتية أو الويب أو النت قد أعادت تشكيل العلاقات بين الإنسان ومحيطه والإنسان ومجتمعه والإنسان والعالم، بين ثقافة المجتمع وثقافات الكون كله وفق التشبيك الانترنيتي وبالتالي فالانترنيت قد أعطى بعدا جديدا وعميقا لمفهوم الثقافة والمثاقفة وغدت الشبكة العنكبوتية هي المنتدى العالمي لحوار الحضارات وغدت كذلك الاوقيانوس الكوني الذي تصب فيه جميع روافد المعرفة والفكروالتواصل.إن الانترنيت قد شكل بداية تلاشي مفهوم الحدود والجغرافيا وتكريس قيم العولمة وأسهم كثيرا من دمقرطة المعرفة والتعلم وبعض المهارات ، كما استطاع أن يستوعب كل أنشطة الفكر والإبداع والأخبار وبات في أقل من عشرين سنة أهم مرجع على مستويات عدة مما أسهم في بزوغ فجر مجتمع التواصل والمعرفة في منتصف تسعينات القرن الماضي.
ومع توسع شبكة الانترنيت لاحت البوادرالأولى لصحافة الانترنيت من قبل أن تسمى صحافة إلكترونية كسلطة إعلامية رقمية خامسة من أجل تطوير ودمقرطة المعلومات، وهكذا بدأت بعض المؤسسات الإعلامية الأمريكية على الخصوص الانخراط في البحث عن بوابات لها في خدمات الانترنيت ومن أبرز هذه الهيآت الصحفية التي أنشأت مواقع لها على الشبكة العنكبوتية نجد (شيكاغو أون لاين) في مايوا 1992 كأول صحيفة إلكترونية وفي سنة 1997 استضافت شبكات (كمبيوترسيرف) و(أمريكا أون لاين) عددا جديدا من الصحف، وفي أبريل من 1996 أعلن اتحاد الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه أصبح هناك 175 صحيفة يومية ورقية تتوفرعلى نسخة إلكترونية على الويب ووصل العدد آنذاك في أنحاء العالم 775 ثم تطور العدد إلى أن أصبح مع حلول 1999، 2800 موقعا صحافيا إلكترونيا.
إن تطورصحافة الانترنيت قد مكننا من تقسيمها إلى ثلاثة أجيال كما حددها الخبراء الانترنوت .
فالجيل الأول ظهر في العشرية ما بين 1982 و1992 حيث ظهرت من البداية عدة تجارب للنشرالشبكي من نوع الفديوتكس (VIDEOTEX) خدمة اتصالات تمكن من نقل النصوص على شاشة تشبه التلفاز) ثم تطور إلى شبكة ضخمة تسمى كمبيوتر سرف.
والجيل الثاني ظهر منذ سنة 93 حيث انخرطت العديد من المؤسسات الإعلامية الورقية في خدمات الانترنيت.
أما الجيل الثالث فقد بدأ تقريبا في مرحلة البث الرقمي التي أبانت عن قوة في التطبيقات الإعلامية التي تهدف إلى الربحية.
وعموما فمن خاصيات هذه المراحل الثلاث في عمر الصحافة الإلكترونية القصير جدا أن النشر غالبا ما كان يعتمد على إعادة إنتاج المواد والنصوص المنشورة ورقيا ونشرها على صفحات النت.
انتقلت إذن كثير من الصحف الورقية إلى وعاء هذه الشبكة، فظهرت في بداية المرحلة في البلدان الصناعية الولايات المتحدة الأمريكية ثم تلتها الدول الأوروبية وانتشرت تدريجيا لتعم العالم أجمع والعالم العربي من المحيط إلى الخليج.
إن ربط صحافة الانترنيت بشبكة الاتصالات يجعل كل رهانات واستراتيجيات هذه الصحافة وثيقة الارتباط بتكور شبكات الاتصالات وتوسيعها.
ويقدر عدد مستخدمي الانترنيت المتكلمين باللغة العربية حوالي 28 مليون ونصف أي حوالي 2,5 من تعداد المستخدمين في العالم وهي المرتبة العاشرة في العالم بعد اللغة الإنجليزية ب 28,9% والصينية ب 14,7% والإسبانية 8,9% واليابانية 7,6% والألمانية 5,2%.
أما في المغرب فقد أفاد المكتب الدولي للذكاء الاقتصادي “أكسفورد بيزنس غروب” بلندن ٬ يوم الأربعاء 3 ماي 2012، أن المغرب سجل أكبر ارتفاع في عدد مستخدمي الأنترنيت بشمال إفريقيا ٬وذلك بفضل الإستراتجية الوطنية “المغرب الرقمي 2009-2013 ” التي اعتمدتها المملكة.
وسجل “أكسفورد بيزنس غروب” أنه بفضل هذه الإستراتجية بلغ عدد مستعملي الأنترنيت 49 في المائة من الساكنة٬ مشيرا إلى أن برنامج نشر تكنولوجيا الجيل الرابع وشبكات الألياف البصرية المقرر تنفيذه هذه السنة سيمكن المغاربة من الاقبال على الأنترنيت بشكل مكثف.
ويرتكز مخطط “المغرب الرقمي 2009-2013 ” الذي أطلق سنة 2009 من طرف وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة حول أربع أولويات إستراتجية تتمثل في التحول الاجتماعي عن طريق تكنولوجيا الإعلام وانجاز الخدمات العمومية الموجهة للمتعاملين مع الإدارة٬ واعتماد المعلوميات في المقاولات الصغرى والمتوسطة٬ وتطوير صناعة تكنولوجيا المعلوميات على المستوى الوطني.
وأشار المصدر ذاته إلى أن هذا البرنامج أعطى ثماره٬ موضحا بأنه خلال أقل من ثلاث سنوات سجل المغرب ارتفاعا إجماليا بنسبة 300 في المائة في عدد المشتركين في الأنترنيت. (عن موقع الجديدة ني ونيت وورك)2
ومما لاشك فيه أن هذه المرتبة المتقدمة التي يحتلها المغرب في قطاع الانترنيت ما كانت لتحقق لولا أمرين أساسيين هما:
1- وجود زبون / مستهلك مغربي متفتح ومتعطش للمعرفة وخصوصا من فئة الشباب المهووسة بالثقافة الغربية والمقبلة بحماس على جل أصناف البحث والمعرفة والفكر والثقافة التي جاء بها الانترنيت وهو على كل حال تعطش له مبرراته الكامنة أساسا في انحسار دوائر المعرفة، والتحصيل العلمي مثل المكتبات العمومية ومعارض الكتب وإعلام سمعي بصري ومكتوب متجاوب مع تطلعات الثقافة التي يريدها الشباب.
2- الجهود الحثيثة التي بذلتها الدولة في تطوير وتحديث البنيات التحتية للاتصالات وفتح سوق الاستثمارات فيها لدخول فاعلين خواص جدد في إطار التنافسية التجارية.
مما كان له الأثر الإيجابي على الواقع السوسيوتكنولوجي للأفراد وقد تجلى ذلك في الارتفاع الملفت في عدد الهواتف النقالة الذي ناهز 30 مليون هاتف محمول وانتشار متاجر خدمات الاتصالات المتعددة ومقاهي الانترنيت ، بل إن تفاعل المجتمع المغربي مع هذه الثورة الاتصالاتية والشبكية دفع بالكثير من الأسر إلى تحويل بعض المرافق في مساكنهم إلى مقاهي انترنيت ،هذا فضلا عن ارتفاع في عدد مبيعات الحواسب والأنشطة التكنولوجية الملحقة بها.
وإذا كانت جميع الأنشطة التجارية والخدماتية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص قد انخرطت بدرجات متفاوتة في هذه الثورة التكنولوجية والشبكية فإن المشهد الإعلامي بمختلف وسائطه قد عرف هوأيضا تحولا مهما جدا مع صعود فاعل جديد هو (صحافة الانترنيت). وكانت الطلائع الأولى لهذه الصحافة قد دشنت تفاعلها المتردد منذ أواخر التسعينات وبداية الألفية الثالثة على شكل بوابات فرنكفونية، اهتمت بتقديم خدمات إخبارية محصورة وبعلاقة مع المؤسسات الإعلامية (الجرائد) التي تنتمي إليها. ويمكن أن نشير بهذا الصدد إلى تجارب جريدتي (لا كازيت دو ماروك La Gazette du Maroc) وجريدة (ماروك إيبدو Maroc Hebdo).
وكان الهدف بالأساس هو امتلاك مساحة افتراضية في الشبكة العنكبوتية ثم فيما بعد التفكير في تطوير التجربة أي تجربة صحافة عبر الانترنيت.
وقد سهر على تحقيق هذه التجربة بعض الصحفيين المعروفين ، ومما لا شك فيه وككل بداية تجربة في مهدها فقد اعتبرت هذه المرحلة مرحلة انتقالية بل وضرورية في استكشاف السند الرقمي من طرف المهنيين بهدف الشروع في تشكيل فريق عمل صحفي ذي تخصص متقدم في صحافة الانترنيت.
ثم بعد هذه المرحلة الاستطلاعية الأولى انتقلت صحافة الانترنيت إلى المرحلة الثانية والتي تميزت بإطلاق بوابات محترفة، وقد كان الهدف من هذه المرحلة الثانية أساسا التواصل الواسع مع القراء داخل الوطن ولكن بالخصوص مع الجالية المغربية في الخارج بحيث تجلت إيجابيات صحافة الانترنيت التي تخطت جميع إكراهات النشر الورقي خصوصا على مستوى الطبع والسحب والتوزيع خارج الوطن. لكن لابد من الإشارة إلى أن هذه التجربة تميزت على المستوى الإعداد الرقمي لهذه البوابات أو المواقع بتغيرات عديدة على مستوى الصفحة الرئيسية وأيضا على مستوى المحتوى بالمقارنة مع النسخة الورقية.
إن التصور العام الذي ساد في هذه البدايات الأولى لصحافة الإنترنت يتجلى في عدم اهتمام الفاعلين في هذه المؤسسات الإعلامية الورقية بتطوير النسخ الإلكترونية مما جعل منها نسخا متطابقة مع النسخ الورقية.
لكن منذ سنة 2001 ظهرت تجارب جديدة ورائدة لمواقع إخبارية إلكترونية حيث أطلقت مجموعة (بوان آنفو) بواباتها الإخبارية الثلاث (ميديا إكسبريس) و(مراكشنيوز) و(مراكش آنفو)، وقد اختصت هذه البوابات في نشر أخبار مغربية وعالمية… وكان عدد الصحافيين العاملين بها يبلغ 7 منهم 4 في التحرير و3 صحفيين في تحيين البوابات وإدارة الإعلانات. وجميع أطرطاقم هذه المواقع لم يتقلوا أي تكوين صحفي أو إعلامي خاص بالصحافة الإلكترونية كما ستسمى فيما بعد. كما كانت مداخيل وعائدات هذه البوابات تعتمد أساس على الإعلانات.
واستطاعت صحافة الإنترنت أن تخلق مساحة افتراضية للتفاعلية مع القراء والزوار عن طريق استطلاعات للرأي والمنتديات ورسائل الإمايل.
أما على المستوى العربي فإن صحافة الانترنيت أو الصحافة الالكترونية قد عرفت بعض التأخر في دخول مغامرة النشر عبر الأون لاين وهذا راجع أساسا إلى عدة عوامل أهمها:
1- حداثة الشبكة العنكبوتية كوسيط إعلامي تثقيفي وتعليمي كذلك.
2- ارتباط إنشاء المواقع الالكترونية بعلوم الرقمية والمعلوميات وتكنولوجيا الاتصال التي كانت تعتبر إلى حدود أواخر التسعينات علوما نادرة الانتشار وعلوما عصرية راقية ومتطورة جدا وليست في متناول سوى الطبقات الميسورة ذات التكوين العلمي ، نظرا لريادة الدول الانجلو ساكسونية في هذا المجال وخصوصاالولايات المتحدة الأمريكية.
3- ثالث هذه الأسباب موقف سوسيوثقافي تقليدي يعود بالأساس إلى ذهنية الاحترازوالتوجس من كل مظهر من مظاهر الحداثة الغربية في تعارضها مع بعض القيم العربية.
4- رابع هذه الأسباب يتعلق بالتكوين والتأهيل بحيث أن صحافة الانترنيت تتطلب تكوينا على مستويين:
أ- تكوين مهني خاص بطرائق التحرير ومعالجة المادة الخبرية والمعلومة.
ب- تكوين موازي للسابق ويتعلق بالإلمام بإلإواليات والمبادئ الأولى للرقمية واستثمار قواعد البيانات في عملية النشر الالكتروني.
5- خامس هذه الأسباب يتعلق بالانطباع الذي ساد عند عامة الناس عن ارتباط الحاسوب والانترنيت بألعاب القاصرين وارتباطه كذلك بكل ما هو إباحي وغيرخلاقي في مرحلة ما خصوصا أواخرالتسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين بارتباطه بما هو إرهابي على اعتبارأن العديد منم الجماعات الإسلامية المتطرفة قد استثمرت وسيط الانترنيت كأداة للتواصل فيما بينها وكذلك كأداة لنشرأفكارها الجهادية في مناطق التوتروالصراع الإسلامي/الغربي خصوصا في أفغانستان وبعض دول الشرق الأوسط مثل اليمن ، كما أن بلادنا بدورها لم تسلم هي أيضا من هذا الاستعمال (السيبرإجرامي) للإنترنيت الذي وظفته بعض الجماعات الإسلامية في الإعداد لتنفيذ عملياتها لإرهابية في مدينة الدارالبيضاء.
والجرائد الالكترونية العربية الأولى التي انخرطت في هذا الوسيط الشبكي فإننا لا نخفي سرا كوننا واجهنا الكثير من الصعوبات من أجل رصد عناوينها في هذه البدايات وتواريخ إنشائها إذ أن الكثير منها قد إختفت بعد محاولاتها الفتية بسبب عدم مسايرتها للتطورات الحديثة في علوم الرقمية ودورها في تطوير وتحيين المواقع ثم إن القليل منها من استطاعت الاستمرارية ولم يكن هذا ليتحقق لها لولا الإمكانات المادية التي تتوفر عليها أو ترصدها لها بعض الجهات.
ومن المواقع المغربية الإخبارية باللغة العربية في هذه المرحلة الأولى نشير إلى تجربة منارة وشباب نت فضلا عن موقع إيلاف وإن كان يصدرمن لندن منذ 2001 إلا أنه كان يهتم بشكل واسع بالشأن السياسي والثقافي المغربي.
والفضل يعود في ذلك إلى الصحافي السوداني المقيم بالمغرب والذي كان يشغل وقتئذ مساعد رئيس تحريرمجلة إيلاف والأمريتعلق بطلحة جبريل ، وفي حوار له مع موقع منارة بتاريخ 13/09/2004 يقول:
“تكاد تكوزن مفهوم الصحافة الالكترونية بمعناها العلمي الدقيق أن يختزل في بوابة منارة أو جريدة إيلاف الالكترونيتين أما ما تبقى فهو عبارة عن مواقع جامدة للصحف الورقية التي تعيد إنتاج نفس المادة على الشبكة، بحيث لا توجد في المغرب لحد الآن صحف الكترونية أخرى استطاعت أن تجعل من مواقعها بوابات محترفة بأخبار متحركة وصور متجددة لذلك فالحديث عن صحافة الكترونية في المغرب يبدو لي سابقا لأوانه فنحن جدد في هذا العالم” (انتهى كلام طلحة جبريل).
لكن بالرغم من جدة ظهور صحافة الانترنيت وندرة المواقع الإخبارية في تلك البدايات الأولى فقد استطاعت هذه المهنة الجديدة أن تنتزع الاعتراف الحكومي بها سنة 2001 من طرف وزارة الاتصال والنقابة الوطنية للصحافة المغربية وتتمكن من نفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الزملاء في الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية، وهكذا يكون المغرب هو البلد العربي والإفريقي وربما المتوسطي الأول الذي اعترف بمهنة (صحافي الكتروني)، وقد تحقق هذا بفضل فريق تحريرموقع (كازانيت CASANET) الذي كان يديرموقع منارة MENARA كما تجب الإشارة أيضا إلى المبادرة التي قام بها الصحافي محمد بودرهم في جريدة (ليبراسيون) وبعض من زملائه في نفس الإطار منذ 2001.
وإذا كان هذا الاعتراف رائدا في المنطقة العربية وفي إفريقيا فإنه ظل مثل السر الدفين إلى حدود اليوم ، لا يعلم به إلا زمرة قليلة جدا من الصحفيين العاملين في السندين معا الالكتروني والورقي كما أنه لم يتم التحسيس بدوره الوظيفي بواسطة المؤسسات الإعلامية والجهات الوصية على قطاع الإعلام بهدف تقنينه وتأطيره والعمل على تأهيله.
ومما يدعونا للاستغراب هو كل هذا التأخير الذي ناهزعشر سنوات بعد الاعتراف ليعقد أول يوم دراسي خاص بالصحافة الالكترونية الذي نظمته وزارة الاتصال في العاشر من مارس/آذار 2012.
2 موقف القراء من الصحافة الالكترونية
- ارتبط إذن تطورالصحافة الالكترونية بتطورالاستثمارفي البنية التحتية للاتصالات وتوسيع قاعدة الربط الشبكي، ولم يكن لهذه المهنة الإعلامية الالكترونية أية أهمية تذكر في أوساط القراء بشكل عام وخصوصا في فئة الشباب منهم الذين كانوا يهتمون بالبحث عن المواقع الترفيهية مثل مشاهدة الفيديوهات الغنائية والفيملية والرياضية أوالتردد على المواقع العلمية والتربوية ذات الأهداف البيداغوجية أساسا التي قد تساعدهم على إنجاز بحوثهم أوواجباتهم التحصيلية والدراسية، فيما ظلت المواقع الإخبارية مغمورة ولم يكن التفاعل معها يتم إلا على مستوى الحادث العابرأوعن طريق الإكتشاف بالصدفة النية في المقابل استمرت الصحافة الورقية بنفس الدينامية وترسيخ قيمتها الإعلامية التي كرستها على الأقل منذ نصف قرن أي بعد الاستقلال.
ومن الأسباب أيضا التي أسهمت في خفوت دورالصحافة الالكترونية في تلك البدايات هو تواجدها في عالم افتراضي… في عالم بعيد عن الملامسة الواقعية المادية في الحياة اليومية للأشخاص والمجتمع… فهذه الصحافة الالكترونية “الوهمية” لا تتوفر على مقرات واقعية أوهيآت تحريرمعروفة بأسمائها لدى القراء على غرارالصحافة المكتوبة فضلا عن أن الحديث عن عناوينها وعن مواضيعها يتم من دون تجسيد مادي لها على العكس من ذلك فالصحافة الورقية يتم اقتناؤها من الأكشاك كأي سلعة في السوق ويتم كذلك تداولها في المرافق العامة مثل المقاهي والقطارات والطائرات وغيرهما من وسائل النقل بحيث أن الجرائد حاضرة في حياتنا اليومية بدءا من دورها في نشرالأخبارحتى إنتهاء صلاحيتها لتصيرأداة لتلميع الزجاج ، مما جعل في المقابل الصحافة الالكترونية تفقد مصداقيتها والاعتداد بأخبارها أومرجعيتها للأسباب السالف ذكرها.
- إن تحديث القطاعات الإدارية في المغرب منذ بداية القرن الواحد والعشرين وتأهيلها على المستوى التكنولوجي والربط الشبكي والتوسع الاجتماعي لمقاهي الانترنيت وجهود الدولة في تحديث البنية التحتية للاتصالات وانتشارالهواتف المحمولة والثابتة في البيوت أو تلك المثبوتة على الحوامل فوق أرصفة الشوارع، وانخفاض أسعارالحواسيب الثابتة أوالمحمولة (laptop ) وربطها بشبكة الانترنيت كل هذه المظاهرالحداثية قد ساعدت بشكل كبير الفئات المتعلمة على اكتشاف إعلام جديد اسمه (الصحافة الالكترونية) وخصوصا أن بعض الجرائد المغربية الصادرة باللغة العربية قد أطلقت نسخها الالكترونية في هذه المرحلة .
ومن خلال عملية جرد كرنولوجي لتواريخ ميلاد معظم الجرائد الالكترونية الإخبارية، نلاحظ أن ذروة ظهورهذه الجرائد حدثت بين سنتي 2007 و2009 وهي الفترة التي شهدت توافد عدد هام من المواقع الإخبارية الالكترونية التي تهتم في معظمها بقضاياها الجهوية.
وسيقتصر جردنا التالي فقط على المواقع الصادرة باللغة العربية:
- في 2002 ظهر موقع بلادي وهو موقع إخباري بنسختين عربية وفرنسية.
- في 2003 موقع الصحراوي يهتم بقضايا الصحراء المغربية.
- في 2005 موقع المراكشية وهي جريدة الكترونية تعمل على التغطية الشاملة لجميع القضايا والأخبار التي تخص حاضرة مراكش وجهة الحوز والمغرب.
- 2005 موقع ناضور سيتي وهو موقع متطور جدا يهتم بأخبار مدينة الناضور وجهة الريف والمنطقة الشمالية.
- في 2006 ظهر موقع وجدة نيوز.
- في 2007 طنجة نيوز وعالم بريس التي تحولت في شهر أبريل 2012 إلى مواقع الآن وموقع دليل الريف…
إلا أن ما يميز هذه السنة 2007 هو إطلاق أشهر الجرائد لالكترونية في المغرب ومال إفريقيا ويتعلق الأمر بموقع هسبريس الذي حقق هذه الريادة بفضل خروج خطه التحريري عن نمطية المواقع الأخرى إلى درجة أن الموقع بات أشبه بساحة للعراك والقول على القول، والنبش في المسكوت عنه في مواضيع وقضايا سياسية واقتصادية والبحث عن المختلف في الأحداث الوطنية ، وبات أيضا طريقا إعلاميا لتصفية الحسابات بين شخصيات هامة في مختلف الميادين الحساسة في الدولة هذا فضلا عن إذكاء هذه المواضيع الساخنة عن طريقة المساحة التفاعلية التي يوفرها الموقع للزوار للإدلاء بآرائهم وقد حقق موقع هسبريس بكل تأكيد الحدث الإعلامي بكل امتياز في أقل من أربع سنوات من عمره وهو ما لم تحققه أعلى المنابرالإعلامية المكتوبة في المغرب منذ الاستقلال وكان لابد أن يرن للاقتحام القوي لموقع هسبريس بأسلحته الرقمية الحديثة إلى الساحة الإعلامية المغربية أن تندلع المعركة بين المنابرالتقليدية وهذا المخلوق الغريب الهابط من كوكب الرقمية وهنا لابد أن نذكر بالمعركة الإعلامية التي دارت بين جريدة المساء وموقع هسبريس أوائل سنة 2011 بالإضافة إلى مواقف متشجنة عبر عنها زملاء صحفيون في جرائد ورقية أخرى تجاه الموقع الأول في المغرب إلى درجة أنها جميعها قد وضعت هسبريس في موضع ريبة وشبهة واتهامه تارة بتواطئه مع جهات أجنبية عدوة للنظام بالمغرب وتارة كموقع عميل للدولة … إلى غير ذلك من الاتهامات التي شككت في الحقيقة الإعلامية لإطلاقه.
وعموما يمكن القول أن سنة 2007 قد شكلت بالفعل المنعطف الأول والحاسم في تاريخ الصحافة الالكترونية ببلادنا وهو ما دفع الكثير من الصحفيين والإعلاميين للتفكير الجدي في دخول تجربة الصحافة على السند الالكتروني بالموازاة مع العمل بالسند الورقي أو بمغادرته بصفة نهائية.
أما سنة 2008 فقد شهدت إطلاق موقع هبة بريس والملاحظ وموقع اتحاد كتاب الانترنيت المغاربة وهوموقع يتخذ صفة مجلة إلكترونية تعنى بالأخبار، الثقافة والفن والأدب.
وفي سنة 2009 تم إطلاق مواقع شعب بريس وتادلة أزيلال ونبراس الشباب في نسخة جديدة.
وإذا كانت سنة 2007 قد شكلت ذروة المنحنى التصاعدي لإطلاق أهم المواقع الإخبارية الالكترونية وفي طليعتها موقع هسبريس الذي رتب سنة 2010 كأول موقع عربي وإفريقي في نشرة موقع أليكس ALEX بتحقيقه لرقم مليون زائرسنة 2010 أيضا تعتبر هذه السنة بحق المنعطف الثاني في تاريخ الصحافة الالكترونية حيث عرفت هذه السنة بداية النزيف في جسد الصحافة الورقية وبداية هجرة العديد من الصحفيين الورقيين الذين رسخوا أسماءهم كصحفيين نافذين سواء في منابرهم أو في بعض المنابر في الشرق العربي أو المقيمة بأوروبا وبإنجلترا على الخصوص.
وهكذا عرفت سنة 2010 إطلاق الموقع الإخباري (لكم) بفريق تحريريرأسه الصحفي المعروف علي أنوزلا الذي تنقل كما هو معلوم بين العديد من الصحف الورقية (الجريدة الأولى والشرق الأوسط) ووكالة الأنباء الليبية وأخيرا متعاونا مع إذاعة مونتيا كارلو.
والأكيد أن هجرة على أنوزلا إلى الفضاء الأرحب للصحافة الالكترونية قد جاء من دون شك بعد الفشل وتعدد المشاكل في الصحافة الورقية ولعل آخرها فشل مشروعه جريدة (الجريدة الأولى) ، فهل سيعوض موقع (لكم) ما ضاع في لعلي أنوزلا الصحافة الورقية؟!
3 الربيع العربي رافعة قوية للصحافة الالكترونية.
إذا كانت تجربة موقع (لكم) قد جاءت بعد الفشل والصعوبات التي تعترض الصحافة الورقية فإن التحاق العديد من الصحفيين الورقيين البارزين بالصحافة الالكترونية سنة 2011 قد كشف بما لا يدع مجالا للشك أن الثورات العربية التي هبت رياحها على كل الخارطة العربية قد وضعت الصحافة الورقية على المحك الحقيقي وأظهرت قصورها البين في عدم قدرتها على مواكبة أحداث الربيع العربي الذي اندلع من دون سابق إنذار من المحيط إلى الخليج… لقد وجدت الصحافة الورقية سندها التقليدي جامدا ومشلولا أمام التفوق والامتيازالرقمي الذي توفره المواقع الالكترونية والمدونات والمستندات ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر) وغيرهما من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الصحافة الورقية لم تعمل على تطوير نسخها الالكترونية والتفكير على نفس القدر بل ربما أكثر أهمية من نسختها الورقية مما جعل المتلقي المغربي يهرع إلى البحث عن الخبر والمعلومة العاجلة بالخصوص في المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تمده بجديد الأخبارعبروسائط لغوية وسمعية بصرية (صوتيات فيديوهات… الخ.) إن جميع هذه الوسائط الجديدة على المشهد الإعلامي قد حتمت على جميع الصحفيين في الإسناد التقليدية إلى وقفة تأمل ومراجعة من أجل تدارك التأخر إن لم نقل حالة العطب الذي أسقطتها فيه سرعة الأحداث في الشارع العربي وكان من نتيجة ذلك سنة 2011 إطلاق عدة مواقع إلكترونية تحت إدارة صحفيين معروفين في المنابر الورقية ونذكر منها على سبيل المثال (فبراير كوم) تحت إدارة الصحفية اللامعة والمقتدرة مرية مكريم التي تنقلت بين منابر مغربية مشهورة مثل أسبوعيتي الصحيفة والأيام وحصلت على جوائز إعلامية وطنية ودولية . كما عرفت سنة 2011 إطلاق (كود) في 5 دجنبر 2011 بإدارة الصحفي أحمد نجيم، ويعتبر هذا الموقع استمرار لتجربة الجريدة الورقية (نيشان) وهوموقع يضم فريقا صحفيا خبر مهنة المتاعب في المنابر الصحفية الورقية المستقلة، كما تأسس في نفس السنة موقع (أكورا بريس) بإدارة الصحفي الحسين يزي الذي اختير كأفضل صحفي لسنة 2009 من طرف منتدى الصحافة العالمية عن مقال له نشر بموقع هسبريس بعنوان: ( أيهما أخطر إزعاج إعلام الخارج أم صحافة الداخل).
وعرفت سنة 2011 أيضا إطلاق موقع (كيفاش) بإدارة أحمد الشرعي وهو رجل أعمال ومستثمر في قطاع الإعلام يدير كلا من مجلتي (لافيريتي) و(لوبسيرفاتور) ويومية الأحداث المغربية وإذاعة (ميد راديو) هذه المحطة التي يشتغل بها كسكرتيرتحرير الصحافي رضوان الرمضاني الذي هو بدوره تنقل من قبل بين عدة منابر ورقية مثل المصباح ونيشان… الخ.
ونعتقد اعتقادا جازما أن هذه الهجرة إن لم نقل هذه المغادرة القسرية من الصحافة الورقية إلى الصحافة الالكترونية من دون شك ستعرف في السنين القليلة القادمة وفود العديد من الصحفيين من السند الورقي إلى السند الالكتروني وذلك يعود للاعتبارات الآتية:
1- انتقال المعلومة من السند الورقي إلى السند الرقمي بحيث أنه بات بإمكان أي فرد أن يتابع المستجدات العالمية وبشكل تحييني وفوري من خلال الخدمات المتعددة التي توفرها تكنولوجيا التواصل الحديثة (رسائل قصيرة SMS) (إيباد) (سمارت فون) (تابليتات) (حواسيب محمولة) وجميع هذه الأسناد الالكترونية تجعل المواطن المتلقي في غنى عن تتبع ما ينشر في الجرائد الورقية.
2- إقبال العديد من المستثمرين على قطاع الإعلام الالكتروني باعتباره قطاعا واعدا أكثر مما مضى خصوصا المستثمرين والمستشهرين بما توفره صحافة الانترنيت بشكل عام من خاصيات رقمية مؤثرة ومغرية مقارنة مع الصورة الإشهارية الجامدة على الصفحة الورقية… فالمادة الإعلانية على الصفحة الرقمية يمكن أن تلتحم فيها عناصر الصورة والصوت والفلاشات والفيديو… الخ.
3- الخسائر المهولة التي تلحق بالصحافة الورقية ليس في المغرب فحسب بل في العالم أجمع على مستوى المبيعات اليومية ويتوقع بعض الأخصائيين أفول جل الصحف الورقية الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية في أمد لا يتعدى ثماني سنوات، فيما يتوقع آخرون اختفاء الجرائد الورقية الفرنسية في أفق 2030، كما عمدت الكثير من الصحف العالمية إلى إغلاق العشرات من مقرات مراسليها في مختلف أنحاء العالم مثل جريدة لومون فيما تم الاستغناء عما يناهز 3700 منصب عمل سنة 2011 بنسبة ارتفعت إلى 30% أكبر من سنة 2010 حيث تم الاستغناء عن ما يناهز 2970 منصب عمل أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية ويرى البعض أن هذا الانهيار الذي بدأ في صرح الصحافة الورقية سوف يؤدي ببعض الجرائد إلى التوقف عن إصدار طبعاتها الورقية من يوم الاثنين إلى الخميس مع استمرار الصدور على الانترنيت والاحتفاظ بالنسخة الورقية فقط ليومي نهاية الأسبوع (السبت والأحد).
إن هذه المؤشرات وهذا التحول الهيكلي في صرح الصحافة الورقية من دون شك أنه سوف تكون له تداعياته أيضا على المشهد الصحافي في المغرب وقد كانت من نتائجه الأولى كما رأينا سابقا هذه الهجرة من السند الورقي إلى السند الالكتروني.
4 راهن الصحافة الالكترونية.
قد لا نغالي في القول إذا شبهنا ما تعشيه القطاع الإعلامي في العالم بأسره بالزلزال العارم وهو زلزال إعلامي لم تستثني رجاته المغرب بسبب انفتاحه مبكرا على مختلف أشكال التثاقف العالمية منذ الاستقلال ولم يسبق للدولة المغربية أن اعترضت قوانينها على أي حامل من الحوامل الإعلامية الحديثة منذ المذياع ذي الموجات القصيرة إلى راديو الهواة إلى الشرائط السينمائية وشرائط الفيديو والصحون المقعرة إلى الثورة الانترنيتية في بداية التسعينات من القرن الماضي بحيث انخرطت الدولة في استثمارات هامة ومشجعة في مجال الطرق السيارة للإعلام والتواصل وتجدرالإشارة إلى أن ما يشهده الواقع الإعلامي الالكتروني من طفرة لافتة لهو بكل تأكيد جاء نتيجة هذا الانفتاح على الفضاء العالمي ، ولم يكن احتلال المغرب للمرتبة الأولى في منطقة شمال إفريقيا على مستوى الربط الشبكي كما سبقت الإشارة إلى ذلك بحيث ارتفع عدد مستخدمي الانترنيت ما بين سنة 200 و2011 ب 156 مرة فيما لم يكن يتجاوز أول هذا القرن 100 ألف ومستخدم.
ويقدرالمتتبعون للشأن الصحافي الالكتروني بالمغرب عدد المواقع الإخبارية (الجرائد الإكترونية) ب 400 موقعا وقد تم اعتماد هذا الرقم بتقدير نسبي ارتكز أساسا على مجموع المدن والحواضر بالمملكة ، إذ توقعت هذه التقديرات تواجد 4 مواقع إخبارية في كل مدينة، لكن نعتقد في رأينا الخاص أن هذا العدد متفائل جدا وأبعد شيئا ما عن الرقم الحقيقي وقد تجلى هذا في فعاليات اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الاتصال في 10 مارس/آذار الماضي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بحيث لم يتجاوز عدد أسماء المواقع التي أسهمت في أشغال هذا اللقاء سوى 250 موقعا الكترونيا ومما دفعنا إلى تقديرعدد المواقع التي غابت عن فعاليات اللقاء لسبب من الأسباب قد يتعلق ببعد المسافة بين تخوم المملكة والعاصمة الرباط أو سبب موقف من المواقف قد يكون هذا العدد 50 موقعا وبالتالي يصير مجموع المواقع في غالب التخمين 300 موقعا إخباريا.
كما يقدرالمتتبعون وجود ما يناهز 1000 إعلامي في الصحافة الالكترونية يتوفرون على مؤهلات علمية جامعية لكن أغلبهم ليسوا خريجي معاهد الإعلام سواء منها التابعة للمرفق العمومي أو التابعة للمرفق الخاص. والقليل منهم حاصلون على تكوين في مجال الصحافة عموما والالكترونية بوجه خاص، كما أن أغلب هؤلاء الصحفيين هم من فئة عمرية شابة تتراوح أعمارهم بين 20 و40 سنة وعدد منهم يشتغلون كمراسلين لبعض الصحف الالكترونية العربية، وعموما فإن أي إحصاءات في الوقت الراهن لرصد ظاهرة الصحافة الالكترونية بالمغرب لن تكون سوى مقاربة تفتقر إلى البحث المبياني للأسباب الآتية:(الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية)3
1- غياب قانون خاص بالصحافة الالكترونية يلزم كل مواطن يرغب في تأسيس موقع إخباري بالحصول على ترخيص من الجهة الوصية على القطاع.
2- عدم إلزام الشركات المختصة في إنشاء المواقع الالكترونية وتصميمها والتعهد بصيانتها بإبلاغ نفس الجهة بتقارير عن إنجازاتها السنوية.
3- وجود العديد من المواقع المهتمة بالشأن الداخلي المغربي في دول أوروبية .
وعموما فبالرغم من قصر عمر هذه التجربة وحداثة سنها إذا ما قورنت بالحوامل الإعلامية الأخرى فإن الصحافة الالكترونية بالمغرب من ذلك قد أصبحت صحافة قائمة الذات وبدأت تؤثر نسبيا في توجيه الرأي العام وبعض قرارات المجتمع السياسي بل إنها أحيانا قد أسهمت في تأجيج الشارع العام من خلال عناوينها المثيرة والمحفزة إن لم نقل التحريضية.
الصحافة الالكترونية أيضا استطاعت في عمرها الفتي هذا أن تصبح جسر تواصل فاعل في الجهة التي تنتمي إليها فهي قد أصبحت صوت المواطن والسند الكاشف عن حاجاته ومتطلباته الاجتماعية اليومية في علاقة بممثلي السلطة الجهوية أوالمركزية وفي علاقاته بمشاريع التنمية البشرية على اختلاف مستوياتها.
5 خوصيات وملامح الصحافة الالكترونية بالمغرب.
أ- على مستوى لغة التحرير.
تتوزع اللغة المعتمدة في تحرير المواقع الإخبارية الالكترونية إلى أربع لغات ولهجة دارجة.
1- اللغة العربية وتشكل اللغة العربية الفصحى الغالبة على ما يناهز 80% من مجموع هذه المواقع الإعلامية الإخبارية وذلك راجع لأسباب معلومة ترتبط أساسا باعتبارها لغة منظومة الهوية الفكرية والثقافية والإدارية والعقائدية للمغرب منذ 12 قرنا.
2- اللغة الفرنسية وتأتي في المرتبة الثانية بعد اللغة الأم بما يناهز 15% من هذه المواقع التي تعتبر متقدمة جدا على مستوى التصاميم والتنوع الخبري ومداخيل الإعلانات وهي تهتم أساسا بالدينامية الاقتصادية والأحداث السياسية في المغرب بالخصوص وهي في غالبها منفتحة أكثر على الأحزاب اليمينية التي تسيطر على البنية الاقتصادية في القطاع الخاص.
3- اللغة الإسبانية وأغلب هذه المواقع مغمورة وينحصر نشاطها الإعلامي في شمال المملكة بين فئة قليلة من المواطنين الذين ما زالوا مرتبطين أكثر باللغة الإسبانية خصوصا في معاملتهم السوسيو اقتصادية مع مدينتي سبتة ومليلية السلبيتين.
4- اللغة الإنجليزية وهي ذات نشاط إعلامي يرمي إلى بعد ثقافي وبيداغوجي بالأساس يرمي إلى الارتقاء بهذه اللغة العالمية أكثر مما هي عليه اليوم بالمغرب.
5- اللغة الأمازيغية وتجدر الإشارة إلى أننا بالرغم من بحثنا المضني لم نعثر على أي موقع يستعمل الأبجدية (التيفيناغية) في تحرير الأخبار إذ أن جل المواقع الإخبارية الأمازيغية التي طرقناها تستعمل الأبجديتين العربية أوالفرنسية وبالتالي فبالرغم من اهتمام هذه الجرائد الالكترونية بالشأن الأمازيغي فيمكن إلحاقها إما إلى قائمة الجرائد الالكترونية الصادرة باللغة العربية أو الفرنسية.
6- اللغة الدارجة، ليس هناك جرائد الكترونية صادرة بالدارجة المغربية كلغة رسمية في تحريرالأخبار والتعاليق لكن هناك جرائد تمزج أحيانا اللغة العربية الفصحى واللهجة الدارجة مثل موقع كيفاش.
6 الصحافة الالكترونية بين القضايا الجهوية والوطنية.
أ الصحافة الالكترونية الجهوية والوطنية.
من خلال تتبعنا لخط تحرير جل الجرائد الالكترونية نلاحظ هناك عملية مد وجزر للمادة الخبرية على اختلاف تيماتها ومقاصدها… كل خبرومعلومة هي ملك للجميع إلى درجة تنتفي فيها المصادر الموثوقة مما يعطي الانطباع للمتلقي كما لو أننا بصدد مجموع من الجرائد الإكترونية في جريدة واحدة، ومع ذلك فبالرغم من هذه الصورة المعيبة في المشهد الإعلامي الالكتروني فالكثير من المنابرالتي تميزت بانشغالها بقضايا الجهة خصوصا في الجهة الشمالية بين الناضور والحسيمة وهي من أنشط وأغزر المواقع تواجدا في المغرب على مستوى مقاربتها وإثارتها للكثير في المواضيع الحساسة التي كانت إلى حدود أوساط سنة 2000 طابوهات وخطوط حمراء (مثل معضلة المخدرات والهجرة السري والرشوة .. الخ.)
وهناك الكثير من الجرائد الالكترونية التي جاء فيها طوفان الرقمية واستسهال العوم في محيطاتها والاغتراربولوج مضمارها مما أثر سلبا على مصداقية الخبرالصحفي وإتلاف مرجعيته الحقيقية، لقد بات إنشاء موقع الكتروني إخباري مسألة وقت وترف مالي فقط ولم تعد قيمة الخبر مغامرة إعلامية تتطلب مقرا بعنوان واقعي على الأرض وفريق تحرير وطاقم تقني واستراتيجية إعلامية ، فضلا عن المعاركة اليومية الميدانية لمطاردة المعلومة والخبر اليقين والوقوف بمعدات التسجيل والتصوير في عين المكان بل بات مقر الجريدة الالكترونية في قلب مربع حاسوب مديرها ، فأينما حل وارتحل في المقهى أو محطة القطار أو مكتب يكون ذلك المكان هو مقر الجريدة الالكترونية الافتراضي.
كما لم يعد الإعلام قضية رأي وهم إعلامي بل بات مسألة متاجرة بالمعلومة والإلقاء بها في زجاجة في عباب محيط الرقمية والسبب في معظم الحالات هوتناسل العديد من الشركات المختصة في بناء المواقع الالكترونية بأبخس الأسعار.
إن السمة الغالبة على العشرات من هذه المواقع الإخبارية هواستنساخها الوفي لنفس النسخة التي يتميز بها أهم موقع إخباري في المغرب وهو كما أشرنا سابقا يعتبر من بين 1000 أشهر موقع في العالم.
كما نلاحظ تشابها في هذه المواقع على مستوى أسماء عناوينها وامتداد نطاقها متكرر(press.ma) مما يجعل المتلقي في لخبطة إعلامية الكترونية فيلتبس عليه مرجع المعلومة في أي جريدة الكترونية قرأها ، فالمعلومة قد باتت في ملك الكل وليست في ملك أحد.
- ما هي القواسم المشتركة لجل هذه المواقع الإخبارية الالكترونية؟
1- اعتماد جلها على امتداد وصفي (press.com ).
2- إدارتها من طرف فريق تحرير غالبا ما يفتقر إلى المهنة الصحافية والخبرة الإعلامية والعدد من محرريها لم يتمرسوا بمدرسة الصحافة الورقية، بل هناك بعض المواقع التي تدار بفريق وهمي وفي غالب الأحيان تدار من طرف شخص واحد (مدير تحرير) قد يكون مقيما بالمغرب أو في المهجر.
- التشابه في حلة الديزاين والتيمات والعناوين ينتج عنه تكرارمبتذل في الصفحات الرئيسية كما أن استنساخ نفس الأخبار والصور أو الفيديوهات يعطي الانطباع كما لو أن المتصفح للموقع لم يتنقل من موقع إلى موقع آخر.
- غياب دور المرأة الإعلامية سواء في الإدارة أو هيأة التحرير.
- جل أعمار الأرشفة لا تتعدى 5 سنوات على أكبر تقدير.
- غياب تحريري واضح مثبت في تبويبة من التبويبات الرئيسية.
- مرونة التمدد رقميا خصوصا في السلم العمودي، سواء على يمين الموقع أو يساره يسمح لهذه المواقع بإفراد نوافذها لأعداد لا تحصى من الكتبة الجدد الذين وجدوا في هامش حرية التعبير فضاء للتعبير عن آرائهم من مختلف القضايا العامة وفي جانب آخر تكون هذه المواضيع ساحات رأي لتفاعل القراء والتعليق عليها في غالب الأحيان بأسماء مستعارة.
ب الصحافة الالكترونية الوطنية.
نقصد بالصحافة الالكترونية الوطنية مجموع المنابر التي يقتصر خطها التحرير واهتماماتها الإعلامية على البعد الوطني على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والرياضية… إنها لا تختلف من حيث استراتيجيتها الإعلامية عن الصحف الورقية الحزبية أو المستقلة. وكما يلاحظ المتتبعون للشأن الصحافي الالكتروني ببلادنا أن جل هذه الجرائد الالكترونية لا يتجاوز عمر تأسيسها 4 سنوات وتجب الإشارة في هذا الصدد أن عددا كبيرا منها رأت النور بعد اندلاع الثورات العربية منذ يناير 2011 إلى حدود الآن.
فقد كان لحراك الشارع المغربي وتواتر أحداثه اليومية الدور الأساسي الذي وضع مختلف الأجهزة الإعلامية في مأزق المواكبة والمحايثة لما يقع لحظة بلحظة مما دفع بالكثير من الصحفيين الورقيين إلى مراجعة أدوارهم التقليدية ثم إعادة النظر في عجز الأسناد الورقية التي تجاوزتها الأحداث وبالتالي بات من الواضح الانتقال إلى السند الالكتروني الذي تأكدت قدرته الفائقة والمتطورة على إشباع حاجة المواطن في الإحاطة بالخبر الآني والعاجل ومن عين المكان في اللحظة ذاتها وفي أدق تفاصيلها على مستوى الصياغة اللغوية ومرفقات المادة الخبرية مثل الصورة والصوت والفيديو وفي الكثير من الأحيان تكون هذه كلها مجتمعة في مادة خبرية واحدة.
إن الكثير من الأحداث التي رافقت ولادة حركة 20 فبراير وإفرازاتها سواء في تازة أو خريبكة أو طنجة أو الدار البيضاء وغيرها من المدن المغربية ما كان لهذه الأحداث أن تستمر وتلتهب أكثر فأكثر لولا هذا التطور التكنولوجي والشبكي الذي رفع من إيقاع الاحتجاجات والمظاهرات وأخرج الكثير من المناطق المهمشة والمنسية في كهوف الهشاشة، وهكذا انتقلت عرائض المطالبة من لافتات القماش البيضاء المخطوطة إلى أسناد إعلامية رقمية حديثة ومجانية مثل مواقع التواصل الاجتماعية (فيس بوك وتوتير) فضلا عن المدونات والمتنديات ورسائل الأمايل واليوتوب والرسائل النصية القصيرة SMS والجرائد الالكترونية والتي تتميز جميعا بإيجابيات مواكبة هذه الأحداث لحظة بلحظة عن طريق التحيين والإدراجات المتلاحقة على شكل سلسلة من الأخبار التي تتساقط الواحدة تلو الأخرى بالصورة أو الفيديو أو الخبر العاجل ، وفي ظل هذا الانفجار التواصلي الجديد وتحدياته كان لابد على الفاعلين في جسم الصحافة الورقية الحسم في اختياراتهم من أمرين لا ثالث لهما: إما مواكبة هذه المستجدات والانتقال إلى السند الإعلامي الالكتروني أوالارتكان إلى السند الورقي الذي أبان عن عجزه في حلبة التنافسية الإعلامية.
ولقد عرفت سنة 2011 هجرة العديد من الصحافيين الورقيين المنتمين على الخصوص إلى جرائد مستقلة وهكذا ثم إطلاق موقع (كود) و(فبرايركم) و(وجهات نظر) و(أكورا بريس) و(كيفاش) و(الزنقة 20 ) و(الآن) و(ألف بوس) وأخرى. ومما لا ريب فيه أن جميع هذه المواقع قد بصمت المشهد الإعلامي الالكتروني باللمسة المهنية التي اكتسبتها في تجربتها الورقية والبحث عن المختلف في معالجة المعلومة والخبر.
أما الخصوصيات التي جاءت بها هذه المواقع الجديدة فتتجلى في:
1- استفادتها من دعم بعض المؤسسات والشركات.
2- وجود فريق تحرير ذي مهنية مكتسبة في الصحافة الورقية.
3- التمكن من الوصول إلى مصادر المعلومة مقارنة مع المواقع (الهاوية).
4- تثبيت أعمدة آراء قارة لصحفيين ورقيين مشهورين.
5- التنوع في التصاميم واختلاف تيماتها مقارنة مع الصحافة الهاوية والتي استنتخت استايلاتها من موقع (هسبريس).
6- اعتماد لغة تحرير ثالثة هي خليط من الدارجة والفصحى لجعلها أقرب لواقع المتلقين .
7- العديد من هذه الجرائد الالكترونية تشتغل بعقلية مؤسساتية تتوفر على امتداد قانوني من خلال شركة قانونية ولديها مقرواقعي وتدفع بعضها رواتب محرريها.
8- التحيين اليومي للأخبار ومنها من تقوم به على مدار الساعة.
9- تربعها على رأس قائمة المواقع الإخبارية الأكثر زيارة.
وخلاصة القول أن هذه الصحافة الالكترونية ذات البعد الوطني وفي ظل هذا التميز عن الصحافة الالكترونية الجهوية قد حررت الصحافي بشكل تام من العائق الذي كان يواجهه في الصحافة المكتوبة مثل ضيق مساحة التحرير وغياب التفاعل اللحظي والمباشر للقراء مع المواد من خلال التعليقات والردود مما يغني النقاش ويجعل من مساحات الردود امتدادا نوعيا لتلك الأخبار ، فهي قد تضحدها أو تؤيدها أو تنتقدها أو تعزز من مصداقيتها… الخ.
إن هذا التحرر الرقمي من إكراهات محدودية الخبر في الصحافة الورقية وتكاليف نشرها الباهضة قد مكن الصحافة الالكترونية من كسب تعاطف الكثير من الكتاب والأدباء والمفكرين والمحللين الذين عانوا من إقصاء الصحافة الورقية وخصوصا الحزبية منها إما لمواقفهم المستقلة أو لكتاباتهم اللاذعة لها، كما أن هذه الصحافة قد وفرت للقارئ مادة خبرية منفلتة من أية رقابة تعرضها لحجز أو لأي ضغط مالي أو سلطوي..الخ مثلما يقع في الصحافة الورقية… ومن دون شك أن تعدد هذه الأسناد الالكترونية (الصحافة الالكترونية المدونات المنتديات مواقع التواصل الاجتماعية اليوتوب رسائل الإسمس مواقع الأخبار ومواقع الفضائيات خدمات الأيفون الإخبارية… الخ.) قد جعلنا نشعر أننا نعيش بالفعل في عصر التخمة الإعلامية الغير المسبوقة في تاريخ الإنسانية .
8 سؤال المصداقية وأخلاقيات المهنة.
يرتبط مفهوم المصداقية في الصحافة الالكترونية بالنسق المهني والأخلاقي العام الذي يحتوي الخبر والمعلومة التي تعتبر عماد كل مؤسسة إعلامية سواء كانت تقليدية أم حديثة مكتوبة أو رقمية.
ومن دون شك أن سؤال المصداقية لم يطرح من قبل عشر سنوات بالحدة التي يطرح بها اليوم في فضاء إعلامي افتراضي مشرع على احتمالات تتأرجح بين الاستقلالية والتواطؤ بين التغليط والموضوعية بين الصحو والضبابية.
وكما هو معلوم فللمصداقية دورها الحاسم في حياد الجريدة الالكترونية وكذلك دورها الاستراتيجي في تشكيل الرأي العام وتوعيته وتوجيهه بواسطة المعلومة الصادقة والبنأ الأصدق.
وإذا كان لأداء المصداقية دور أساسي في قوة وسمعة المؤسسة الإعلامية الالكترونية فإنه لا يجب أن نغفل ارتباطها الوثيق بالاستقلالية بمعنى أن كل مؤسسة إعلامية إلكترونية عليها أن تقوم على مبدأ الحياد في صياغتها وتحريرها ونشرها بمعزل عن أي شعور بالضغط الخارجي كيفما كانت طبيعة الجهة الني تمارسه بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويبدو أن تحقيقه (ميثاق) المصداقية المنشود يعد ضربا من مطاردة خيط دخان إذ أن تاريخ الصحافة بشكل عام ومنذ تورطها في لعبة السياسة ومصالح اللوبيات ثم انخراطها في المنظومة الاقتصادية في شكل مقاولات إلى ظهور صحافة الانترنيت والصحافة الالكترونية في الوقت الراهن بينت أنه ما من مؤسسة إعلامية كيفما كان نوع سندها، إلا ويبقى هاجسها اليومي تأمين شروط بقائها واستمرارها في المشهد الإعلامي مهما كلفها أمر هذا الرهان من خرق لميثاق الشرف بينها وبين المتلقي.
وعموما إذا كان من سابع المستحيلات تحقيق المصداقية والاستقلالية فالمطلوب أولا وقبل كل شيء تقدير المعلومة حق قدرها وخطورة دورها في توجيه الرأي العام أو التشويش عليه.. تحفيزه أو تحبيطه.. تحبيبه لوطنه أو تبغيضه له.
لقد طرح المشهد الصحافي الالكتروني تساؤلات على مستوى أخلاقيات العمل الصحفي، يقول أحد الباحثين (( مع تصاعد أعداد مستخدمي الانترنيت وتزايد التواجد الإعلامي على ساحتها وتنامي الاعتماد عليها كوسيلة إخبارية واتصالية متميزة وظهور العديد من المؤشرات في تراجع مصداقية وسائل الإعلام التقليدية، بدا الأمر كأننا نعيش في بيئتين إعلاميتين مختلفتين: إحداهما تتعايش فيها وسائل الإعلام التقليدية من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون وغيرها، وأخرى الكترونية محضة لها سماتها المميزة وتقنياتها الجديدة وأساليب عملها الخاصة، ولكل من البيئتين التقليدية والالكترونية منظومتها الخاصة فيمتا يتعلق بأخلاقيات الأعلام، وهو ما دعا الكثير من الباحثين لتساؤل عن واقع التشابه والاختلاف بينهما، وهل تطرح البيئة الالكترونية منظومة أخلاقية مختلفة للإعلام عن البيئة التي تم إرساؤها في البيئة التقليدية ضمن سياق العمل الإعلامي في البيئة الالكترونية)).
إن تناسل المواقع الالكترونية الإخبارية كل يوم وشحنها بعشرات الأخبار المستنسخة من هذا الموقع أو ذلك قد أفقد المعلومة قيمتها المرجعية وأصابها بالترهل والميوعة إلى درجة لم نعد نعرف من من تلك المواقع تملك حقوق نشر المعلومة وبالتالي فقد أسهم هذا الطوفان الرقمي في هدم الأسوار الرمزية والمعنوية والقانونية أيضا القائمة بين الجرائد بسندها الورقي والرقمي مما كان له الأثر السلبي والخطير على واقع الصحافة المكتوبة التي فقدت السيطرة على أخبارها بحيث أن سطو موقع الكتروني على خبر جريدة ورقية قد يعفي المئات من القراء من اقتناء هذه الجريدة أو في بعض الحالات انتظار صدور نسختها الالكترونية المتأخرة في المساء.
وفي هذا السياق يقول توقيف بوعشرين مدير نشرة أخبار اليوم وعضو مكتب فيديرالية ناشرين الصحف (( إن المواقع الالكترونية تعتاش على ما يصدر وساعة الصدور وأحيانا قبل أن تصل الجريدة إلى القارئ، معتبرا أن هذا السلوك يضر انتشار الصحافة الورقية التي هي نفسها تعاني من صعوبات)) (عن العربية نت ) 4، وأشار بوعشرين إلى أن فيديرالية الناشرين قد نبهت زملاءها في الصحافة الالكترونية إلى هذا الموضوع حيث لا يمكنهم أن يعيشوا بشكل يومي على المادة الصحفية الورقية خاصة أن هذه المواقع لا تتوفر على هيأة تحرير، ورغم هذه التصريحات فإن بوعشرين لم ينكر أن الصحافة المكتوبة تعتمد بدورها أحيانا على الصحافة الالكترونية وهو ما يستدعي في نظره احترام القيم المهنية وفي جانب آخر دعا بوعشرين المعلنين كي يسايروا هذا التحول، فهذه المواقع لا يمكنها في نظره أن تتطور وتشكل هيأة تحرير إذا لم تكن تتوفر على موارد وإعلانات تساعد على إنتاج الأخبار وفق معايير الجودة واحترام أخلاقيات المهنة مستندة في ذلك على مواثيق هيأة التحرير.
9 الوصول إلى المعلومة كحق دستوري .
تشكل المعلومة والخبر إحدى أهم دعامات المؤسسات الإعلامية فهي الأس الذي تنهض عليها التفريعات الأخرى من تحاليل وتقارير وتميز إعلامي المعلومة بشكل عام هي رافعة أي مؤسسة إعلامية وآلياتها الرئيسية لتحقيق النجاح.
إن إشكالية الوصول إلى المعلومة لهو منم أهم الأشكال التي أرقت ولا زالت تؤرق المقاولة الصحافية وهي بكل تأكيد ليست قضية الصحافة في المغرب وحسب وإنما هي قضية الصحافة في العالم أجمع وخصوصا في دول العالم الثالث حيث هي في بعض الأحيان تتعلق بسر من أسرار مختلف المؤسسات الاستراتيجية في دواليب الدولة والنفاذ إلى صندوقها المرصود قد يقلب موازين القوى أو يهدد الاستقرار…
وقد تبنت العديد من المعاهدات الدولية الدفاع عن الحق في الوصول إلى المعلومة، فقد تضمنت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدة حول الحقوق المدنية والسياسية الحق في السعي للحصول على المعلومة واستلامها وتوزيعها وقد تم تفسير هذه الجملة على أنها تشمل حرية الإعلام بحيث إن حرية المعلومات هو حق دستوري في 80 بلدا ويشكل قانون الصحافة لعام 1766 في السويد الذي يعتبر في أحيان كثيرة أول قانون حول حرية المعلومات جزءا من دستورها (المصدر موقع أي أي بي IIP ديجيتال) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية كما لعبت المحاكم الدستورية في العديد من دول العالم دورا مهما في ضمان حق حرية التعبير ليصل إلى حق الوصول إلى المعلومات ومنها مثلا اليابان سنة 1969 والهند سنة 1982 وكوريا الجنوبية سنة 1989.
أما في المغرب فلسنا في حاجة إلى التذكير بالمعاناة التاريخية للصحافة الورقية مع حقها في الوصول إلى المعلومة وخصوصا ما تعلق بالمعلومة السياسية والاقتصادية والمالية ، يقول الباحث المغربي يحيى اليحياوي: (( لطالما اشتكى الصحفيون والباحثون والمواطنون أيضا بالمغرب من غياب قانون يمكنهم من النفاذ للمعلومات ويضمم لهم إمكانية الاطلاع على البيانات والوثائق والمعطيات التي تكتنزها الدولة ومستواها الإداري على وجه التحديد، لهذا الغرض أو ذاك أو لهذه الغاية أو تلك)) ويضيف الأستاذ اليحياوي (( صحيح أن ثمة من المعلومات ما لا يجوز رفع السرية عنه أو إتاحته بالمجال العام لكن استنثاء هاته بالتحديد الصريح لا يمنع من إتاحة ما سواها وإلا لتحول مبدأ السرية إلى قاعدة تشمل الكل لكنها تسنثني الكل أيضا)) انتهى كلام اليحياوي. وفي سياق الحراك السياسي الربيعي العربي الذي قاد إلى ظهور حركة 20 فبراير كمحاور غير مباشر مع النظام وما تلا نزولها إلى الشارع من إثارة لقضية الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي توجت بالمراجعة الشاملة للدستور بمساهمة جل الجهات السياسية والقانونية والثقافية في المغرب فقد تقدمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمقترح يوم الخميس 14 أبريل 2011 للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور يقضي بتخصيص فصل خاص يتعلق بحرية الصحافة والإعلام في الدستور. ومن بين المقترحات التي تقدمت بها النقابة الحق في الوصول إلى المعلومة وأن تسهر الدولة على ضمان حرية الصحافة في الممارسة الفعلية طبقا لما هو متعارف عليه دوليا في مجال حقوق الإنسان، واستجابة لهذا المطلب فقد تضمن الدستور المعدل في 1 يوليوز 2011 في فصله 27 قرارا يعطي الحق للمواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيآت المكلفة بمهام المرفق العمومي كما نص نفس الفصل على عدم تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.
كما نص الفصل 28 في متنه على أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليها القانون صراحة.
ومما لا شك فيه أنه إذا كان الدستور قد نص صراحة على حق الجميع في الحصول على المعلومة فإن الوضع يختلف بين سندي الصحافة الورقية والرقمية بالمغرب إذ بالرغم من الطفرة الهائلة الني أحدثتها الصحافة الالكترونية في تحميس الرأي العام وتحريك المشهد الإعلامي ككل فإنها إلى حدود اليوم لم تستطع أن تفرض مصداقيتها وقوتها كوسيط أساسي في الحوار الإعلامي والسياسي اليوم وبالتالي انتزاعها للحق في الوصول إلى المعلومة لكن هناك بعض الاستثناءات القليلة جدا خصوصا المواقع الالكترونية الإخبارية التي تتشكل من فريق تحرير رسخت أسماءهم في الصحافة الورقية منذ سنين والذين شقوا قنواتهم التواصلية وانتزعوا المفاتيح السحرية للوصول إلى المعلومة، فيما تعيش جل المواقع الإخبارية الالكترونية على اجترار واستنساخ المعلومات أو في أحسن الأحوال تحوري صياغتها.
وإذا كان الدستور الحالي قد نص كما قلنا على الحق في الوصول إلى المعلومة في الفصل 27 وحرية الصحافة في الفصل 28 فإن ما نخشاه هو أن تتحول المعلومة المحصل عليها بفضل هذا الحق الدستوري إلى أداة للابتزاز أو المساومة… الخ. ولهذا فإن أي حديث الآن عن حق الصحافي الالكتروني في الوصول إلى المعلومة يعتبر حديثا سابقا لأوانه ما لم يتم التوافق على قانون الصحافة القادم مع ما نص عليه الدستور في هذا الإطار.
7هل الصحافة الالكترونية صحافة مواطنة وسلطة خامسة؟
هل آن الأوان في المغرب أن نتحدث على سلطة خامسة للصحافة الالكترونية إذ أن الخوض في هذا الموضوع قد يعد ضربا من الترف الإعلامي، فليس من المعقول أن نتحدث عن شيء ما زال في مرحلة التأسيس ومرحلته الفتية وبالتالي عدم قدرته على أن يشكل بالفعل سلطة خامسة إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات اليوتوب، مثلما شكلت الصحافة الورقية والحزبية على الخصوص ذلك التي وكرست حضورها في المغرب منذ عهد الحماية كقوة تحررية وفي الستينات كقوة اقتراحية وفي السبعينات كقوة تحريضية وفي الثمانينات كقوة تعبوية وفي التسعينات كقوة تفاوضية وفي بداية الألفية الثالثة كقوة مساهمة في المشروع الديمقراطي ، فضلا عن دور صنوتها الصحافة المستقلة التي واكبت الإصلاحات السياسية والاقتصادية في المغرب بل يجب الإقرار بأن الصحافة الورقية المستقلة قد مارست هي أيضا شغبها وتأثيرها في الرأي العام المغربي وعراكها مع السلطة ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بقرارات التوقيف التي صدرت في حق بعض الأسبوعيات المستقلة مثل (الصحيفة ونيشان… الخ.).
فهل يمكننا اليوم أن نتحدث عن إعلام سلطة خامسة والتي تعاني جل منابرها العديد من الاختلالات كغياب المصداقية والمهنية وخرق للأخلاقيات والاشتغال في فراغ قانوني ينظم آليات عملها وعلاقاتها مع جميع الأطراف.
إن الكثير من المتتبعين للمشهد الإعلامي المغربي من يعزون دينامية الواقع السياسي إلى دورالصحافة المواطنة والتي تعتبرالصحافة الالكترونية جزؤا منها مثلما يعزو الكثيرون حتى في أوروبا وأمريكا الثورات العربية إلى دخول الوسائط ومواقع التواصل الاجتماعي في إذكاء حرارة هذا العصيان العربي إلى درجة أصبحت معها هذه المواقع الإجتماعية مرجعا ومصدرا أساسيا حتى بالنسبة لأعتى القنوات الفضائية العملاقة مثل الجزيرة والعربية وغيرهما ، لكن لابد أن نطرح سؤالنا المحوري اليوم : من يحرك من؟ وهل من علاقة جدلية بين ما يقع في الشارع العربي وينشر في هذه الوسائط وتأثيره في إحماء حرارة الشارع.
يجب إذن الاعتراف بأن الحديث اليوم عن تأثير سلطة خامسة للإعلام الالكتروني في المغرب هو حديث لا يستند إلى مقاربة سياسية وسوسيوثقافية علمية وإلى استطلاعات رأي تتمحور حول تأثير هذه الوسائط الحديثة في بعض القرارات السياسية . ولنتساءل جميعا من عجل بالتغييرات السياسية الهامة في المغرب من تعديل للدستور إلى انتخابات تشريعية نزيهة هل هو صعود نجم حركة 20 فبراير أو موقع فيسبوك أو الجرائد الالكترونية ؟ لكن في المقابل إننا لا ننفي أن هذه الوسائط كانت وما تزال هي تيرموميتر نبض المجتمع وهي من دون شك ساعدت السلطة على الاقتراب أكثر من هموم المواطنين وسبرحاجياتهم سواء كانت جهوية أو وطنية وبالتالي البحث عن الإجراءات القمينة بتدبير الشأن العام.
ما هي إذن الأقانيم الأساسية لكي تحقق هذه الصحافة الالكترونية إلى جانب الصحافة المواطنة دورها كسلطة خامسة.
1- اعتماد المهنية في العمل في تكامل أو تنافسية مع الصحافة الورقية.
2- العمل في إطار هيأة تحرير.
3- توخي المصداقية.
4- الالتزام بأخلاقيات المهنة.
5- العمل ضمن إطار قانون الصحافة .
6- العمل في الميدان من خلال البحث عن المعلومة والخبر اليثقن وليس الاقتصار على لعبة (نسخ / لصق) (Copier Coller).
7- العمل بمبدأ الخبر مقدس والتعليق حر.
8- الإحساس بدور الصحاف الالكترونية في الرقي بالمشروع الديمقراطي.
هذه في نظرنا هي الركائز الأساسية للنهوض بالصحافة الالكترونية حتى تنخرط بشكل مسؤول في المشهد الإعلامي ككل.
10 مستقبل الصحافة الالكترونية.
إن مستقبل الصحافة الالكترونية في رأيي المتواضع لهو من الأسئلة القلقة والملحة إذ أن رسم ملامح أفقه يرتبط أساسا بمنظومة معقدة تتداخل فيها العديد من العوامل والأطراف الفاعلة إما بشكل مباشر أو غير مباشر… وهل لدينا ما يكفي من المعطيات والبيانات لهذه التجربة الفتية ما يكفي كي نحدد رؤية استشرافية لمستقبلها. لكن هناك بعض المحددات التي تعتبر خطة طريق لمستقبل الصحافة الالكترونية كسند واعد بكل تأكيد، في هذه العشرية الثانية من القرن 20
1- التطور التكنولوجي والرقمي :
2- مما لا ربي فيه أن الصحافة الالكترونية هي وليدة التطور الحاصل في تكنولوجيا العلومات والتواصل والاتساع الأفقي لشبكة الانترنيت ومن دون شك أن مستقبلها كما أشرنا في بداية هذه المقالة رهين بهذا التطور التكنولوجي والوسيط الشبكي فمع مطلع شمس كل يوم يعرف حقل تكنولوجيا الاتصال والمعلوميات اختراعات جد ذكية وفائقة الخدمة تسير أكثر فأكثر إلى اختزال قيمة الزمن وقيمة المكان وتقليص مساحة التواصل الواقعي الاجتماعي للإنسان في علاقته بمحيطه والذهاب أبعد بهذه العلاقة إل العيش في المجتمع الافتراضي وتدبير الشأن اليومي في واقع افتراضي من الإدارة الالكترونية إلى التجارة الالكترونية وتصريف الخدمات بواسطة الانترنيت فملء استمارة خدمة مرفقية اليوم بات يغنينا عن السفر واستعمال وسائل النقل التقليدية مما قد يقلل من خطورة حوادث السير.
إننا لا يمكن أن نتصور صحافة الكترونية، من دون حوامل متطورة (حواسيب) قادرة في المستقبل القريب على أن ترتقي بالمنجز الصحفي إلى عمليات محدودة في المناولات الرقمية توفر الكثير من الجهد المبذول حاليا سواء على المستوى الرقمي أو الإنجاز الميداني، كما أننا لا يمكن أن نتحدث عن صحافة الكترونية بمعزل عن الوسيط الشبكي (الانترنيت) فلولا امتداده في جميع أنحاء العالم لما كنا اليوم نتحدث عن صحافة اسمها صحافة الانترنيت قبل أن تسمى صحافة الكترونية. فالانترنيت كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرتين ولا بأس من تكرارها للمرة الثالثة هو عصب الصحافة الالكترونية ونبضها اليومي رهين بالانترنيت وكل هذا الانقلاب الحاصل اليوم في المنظومة الإعلامية سواء في المغرب أو العالم ما كان ليحدث لولا شكبة الانترنيت التي أصبحت هي الكوكب الحقيقي للبشرية جمعاء وهي الوعاء الذي تغترف منه والجسر الافتراضي الذي تلتقي فيه جميع الأجناس والثقافات بكل تأكيد .. إنه الإنترنيت أكبر منتدى عالمي لحوار الحضارات وتقاربها. إن المعلومة قد باتت أقرب إلينا من ستراتنا… إنها ترافقنا أينما حللنا وارتحلنا فهي تصل إلينا من الأيفون وفي الحاسوب وفي التفاز وفي الجرائد وألواح الإعلانات وهي قد تتخذ عدة أقنعة الكترونية فمعلومة أو خبر واحد يمكن أن تتلقاه برسالة قصيرة SMS أو إمايل أو في مدونة صديق أو منتدى ثقافي أو موقع إخباري أو قناة فضائية أومحطة إذاعية أو وصلة يوتوب أو صورمتحركة أوملف صوتي والخيط الناظم الذهبي لجميع هذه الوسائط والقبعة السحرية التي تخرج منها كل هذه الأسناد هو الانترنيت، وبالتالي فالصحافة الالكترونية هي جزء لا يتجزأ من كل هذا المشهد الإعلامي الذي يسبح في أوقيانوس النت.
إذن فمستقبل الصحافة الالكترونية رهين بمستقبل الشبكة العنكبوتية.
2- المحور الثاني يتعلق بحرية الإعلام وصفاء الهواء الذي يتنفسه ، فإذا كان الدستور قد نص في فصله 28 على ضمان حرية الإعلام كما كفتلها أيضا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فإننا نتطلع إلى أن تتعزز هذه الحرية بصدور قانون الصحافة المقبل متضمنا فصلا أو فصولا خاصة بالصحافة الالكترونية وخصوصياتها ومما لا ريب فيه أن الحرية لا تعني الفوضى وأن استسهال النشرلالكتروني لا يعني بالضرورة ارتكاب مخالفات جسيمة قد تؤثر سلبا على الجسم الصحافي بشكل عام فمن الواجب على جميع الأطراف المهتمة بالقطاع وتأهيله وتطهيره من ظواهر الميوعة والتسيب حتى تصبح الصحافة الالكترونية مهنة من لا مهنة لهم إذا لم تكن في الحقيقة شغل ما لا شغل له.
3- إن مستقبل الصحافة الالكترونية مرتبط كذلك بشكل أوثق بأخلاقيات المهنة والالتزام بالمصداقية ، فكلما تمادى بعض الصحفيون في التجاوزات والدوس على الأخلاقيات لسبب من الأسباب كلما تراجع عدد القراء وكلما تراجع عدد القراء أثر ذلك سلبا على موارد المنشأة الإعلامية الالكترونية من مداخيل الإعلانات والإشهار.
3- الدعم المالي: ويعتبر من أولويات الصحافة الالكترونية وفي قلب انشغالاتها في الوقت الراهن، فإذا كان إنشاء جريدة الكترونية عند الكثيرين ليس إلا مسألة عنوان نطاق ثم مبادرة وقدرا متواضعا من المال فإن النهوض واستمرارية الموقع الالكتروني وفرض اسمه في المشهد الإعلامي لن يتحقق من دون توفير دعامة مالية تمكن طاقم تحريرها من رفع الأعباء اليومية في معيشهم اليومي ثم إنجاز مهامهم الإعلامية في شروط لائقة وفي هذا الصدد يقول جمال الدين الناجي وهو خبير مغربي في الإعلام والصحافة وقاد مؤخرا الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع ( أن من بين التوصيات ال 330 من هذا الحوار ثم تخصيص ما لا يقل عن 25 توصية للصحافة الالكترونية، ضمت 75 مقترحا محددا ومنها على الخصوص التوصية رقم 259 التي توصية بتمويل مشاريع الشباب في إطار نموذج اقتصادي تنافسي وقابل للاستمرارية وهو ما يفترض تحديد إطار قانوني واضح لممارسة هذه المهنة … أما أهم التوصيات التي خرج لها المشاركون في اليوم الدراسي حول الصحافة الالكترونية الذي نظمته وزارة الاتصال يوم 10 مارس الماضي فقد دعوا إلى التنسيق مع الصندوق المغرب الرقمي لتمكين الصحافة الالكترونية من الدعم ومصاحبة الأشخاص الذاتيين في الانتقال إلى صيغة الشركة القائمة الذات، وتوفير فضاءات على غرار قطاعات أخرى. وإنشاء صندوق خاص للدعم التقني والتدريب وتأهيل الكفاءات وتضمين قانون الإشهار بنودا مرتبطة بالصحافة الالكترونية وتحفيز الإشهار العمومي على الإعلان في الصحافة الالكترونية مثلما هو الشأن مع الصحافة الورقية ثم إنشاء دليل خاص بخلق المقاولة الصحفية الرقمية).
إن لمن شأن تمكين الصحافة الالكترونية من الدعم المالي أن يعمل على حمايتها من الكثير من الانزلاقات المرتبطة أساسا بأخلاقيات المهنة والمصداقية.
5- إن مستقبل الصحافة الإلكترونية يرتبط بدرجة وعي المتلقي وارتفاع نسبة المقروئية باعتبارها عاملا أساسيا في تشكيل الرأي العام المواطن. فالارتقاء بدرجة التلقي يمرعبرالاطمئنان إلى المنشأة الإعلامية من خلال مصداقية المعلومة وصدقية الخبر مما يجعل القارئ يتفاعل معها بشكل إيجابي من خلال تحفيزه على إدراج التعاليق والردود وبالتالي ما سيعززمن موقع الجريدة الالكترونية لكي تصبح هي أيضا سندا أساسيا في الصحافة المواطنة.
6- التأهيل والتكوين: لا يختلف عن عنصر الدعم من حيث الأهمية والأولوية في الارتقاء بالجريدة الالكترونية والمادة الصحفية على المستوى المطلوب، إن فوضى النشر التي يغرق فيها الإعلام الالكتروني والتي أسهم فيها بشكل وافر هوانتفاء أية رقابة قبلية فضلا عن سهولة النشر الفوري وتحيين الإدراجات قد أضر بشكل لا جدال فيه بمهنة الصحافة بشكل عام، إن ما يناهز 90% من المواقع الإخبارية تدار من طرف شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص لا تتعدى عددهم أصابع اليد يفتقرون جلهم إلى التكوين الصحفي ، كما أن ولوج جلهم عالم الصحافة الالكترونية لم يكن تعبيرا عن قناعة وموقف وإدراك عميق بخطورة ودور هذا الوسيط الاجتماعي والثقافي والسياسي.
وإذا وسمت الصحافة الورقية عبر تاريخها بأنها مهنة المتاعب فعلينا أن نعمل بكل وعي ومسؤولية حتى لا نجعل من الصحافة الالكترونية مهنة (مصائب) على مصداقيتها وعلى مشهدها الإعلامي ككل إننا لا نشك في المؤهلات والقدرات لبعض المشرفين على هذه المواقع الإخبارية على مستوى التكوين المعلوماتي فالكثيرمنهم حسب إستطلاع للرأي أنجزته الرابطة المغربية للصحافة الالكترونية حاصلون على شهادات في مجال الرقمية ونظم المعلوميات غير أن هذا لا يشكل سوى النسق التقني إذا ما قارنا الجريدة الالكترونية بالجريدة الورقية وبالتالي لابد من سياسة إعلامية ناجعة لتأهيل هذا القطاع وخصوصا ما تعلق بتنظيم دورات تدريبية تسهرعلى إعدادها وزارة الاتصال بشراكة مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمعهد العالي للإعلام والاتصال وفيدرالية ناشري الصحف ومختلف هيآت المجتمع المدني المهتمة بالمجلات القانوني والحقوقية.
11خاتمة.
أخيرا لعل أن أعسر مرحلة في تاريخ أية ظاهرة حداثية علمية كانت أو فكرية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية أحدثها التطور البشري هي من دون شك مرحلة التأسيس التي تعني توفير شروط النجاح لها، والأكيد أن النقاش والجدال المتلاطم حاليا في المشهد الإعلامي والصحافة الالكترونية بالخصوص يعتبر جزءا من هذا المشروع التأسيسي ، إن كل خطوة أو فكرة أو قانون أو لقاء وغيرها هي ما سيشكل الملامح المتفاعلة لمستقبل هذا القطاع الإعلامي الواعد والذي من دون شك ستكون لنتائجه التأسيسية أثر على أجيال الصحافيين القادمين في المستقبل المتوسط أو البعيد في شروطهم التاريخية المختلفة عنا .. إنها بكل تأكيد مرحلة حاسمة تدعونا جميعا إلى الإحساس والتحسيس بمسؤولياتنا داخل المجتمع وبدورنا في دعم الصحافة الالكترونية ليس كقيمة إعلامية تكميلية وإنما كسند أساسي بما تتوفر عليه من أدوات رقمية وشبكية لا حدود لإيجابياتها على مصداقية العمل الصحفي وعلى المتلقي.
 


0 التعليقات: