الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أبريل 16، 2018

الصحافة الإلكترونية المغربية ومأزق معايير المهنية : عبده حقي

يتأكد يوما بعد يوم تجدر دور الصحافة الإلكترونية في المشهد الإعلامي المغربي على اختلاف أسانيده الورقية والسمعية البصرية وغيرها . 

يتأكد هذا أساسا من خلال اعتماد أشهر الفضائيات العربية والصحف الدولية السيارة وغيرها لبعض المواقع الإلكترونية المغربية مصدرا موثوقا لمختلف المعلومات والأخبار. وبالتالي قد نستطيع القول من خلال هذا المؤشر أن الصحافة الإلكترونية قد بدأت تتجاوز شيئا فشيئا مرحلة مأزق البدايات الموسومة بالريبة وغياب المصداقية والاستخفاف بدورها الإخباري قبل الإعلامي منذ أواسط العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين ، وما كان ليتحقق لها هذا الحضور الراهن والوازن سواء على مستوى المغرب أوالعالم العربي لولا تضافرالعديد من العوامل الحاسمة التي ترتبط أساسا ببعض الشروط البنيوية أهمها :
1 الإنتشارالأفقي للإنترنت وتمكين جميع شرائح المجتمع من الربط الشبكي وتزويد السوق بتوابعه من أجهزة إلكترونية متطورة مثل الحواسيب الثابتة والمحمولة والموديمات ومختلف الحوامل الحديثة الأخرى .
2 تطور وعي جمهور المتلقين بضرورة مواكبة مستجدات تكنولوجيا المعلومات والإتصال بسبب التدفق الهائل لموجات وصلات الإعلانات والإشهارات المرئية والمسموعة والمطبوعة .
3 تحفيزالمستهلكين على اقتناء هذه الأجهزة واتساع ثقافة التبضع الإلكتروني في الاوساط الإجتماعية ومختلف الشرائح العمرية بالرغم من تذبذب القدرة الشرائية ..
4 انخراط العديد من الفاعلين المهتمين بالمجال الصحفي في هذه الثورة التواصلية الرقمية بما أتاحته من جسور جديدة للتواصل مع المتلقي وما أتاحته أيضا من تطوير لمهاراتهم الصحفية على المستويين الأفقي والعمودي ...
كل هذه العوامل وعوامل أخرى قد تكون غابت عنا أدت إلى خلق إن لم نقل صنع متلق مغربي جديد, خصوصا في فئة الشباب بمؤهلات ومهارات تلق واستيعاب تتساوق مع هذه الأسانيد الرقمية الجديدةالتي تختلف في تقاليد تلقيها كما هو معلوم عن الأسانيد السمعية البصرية والورقية على الخصوص والتي رسخت منذ نصف قرن أوأكثر بقليل لدى المتلقي بشكل عام مستوى إقرائي سلبي يفتقد لأية تفاعلية مباشرة على السند, اللهم إلا إذا أشرنا إلى تحفيزه على تشغيل آلياته الذهنية ومخياله لتمثل أشخاص وفضاءات وصور وسيناريوهات أحداث ذات أبعاد اجتماعية أوسياسية ..إلخ
ومن دون شك أن الصحافة الورقية في بلادنا قد راكمت تجربة إعلامية وازنة ومهمة على المستوى العربي تضافرت في تألقها ودورها الإعلامي المتميزالعديد من العوامل الذاتية والموضوعية لعل أبرزها عامل المهنية العالية, خصوصا في بعض المنابرالسيارة الحكومية, ثم في مرحلة لاحقة في المنابرالمستقلة التي راهنت على جعل الصحيفة الورقية مؤسسة مقاولاتية ترتكزعلى الكفاءة التخصصية والمعالجة الخبرية الإحترافية والتحريرالمتناسق والمسؤول فيما كانت وماتزال الجرائد الحزبية على اختلاف تياراتها الإيديولوجية والسياسية اليمينية أو اليسارية تحتفي بالدرجة الأولى بآليات خطابها السياسي وتطوير بنياته السجالية انسجاما مع مشروعها الديموقراطي والنضالي .
ومهما يكن من أمر ومهما اختلفت الأهداف والغايات, سواء أكانت سياسية أم اقتصادية ومهما اختلفت أهداف جماعات الضغط في هذا المنبرأو ذاك, فلا أحد ينكردورالمهنية في الإرتقاء بأية مؤسسة أو أي قطاع, سواء أكان عاما أم خاصا .
إن دور المهنية في قطاع الإعلام المكتوب والإلكتروني والسمعي البصري لاتختلف من حيث مرتكزاتها الشمولية باعتبارها أحد أهم دعامات النهوض بالمؤسسة الإعلامية بمعنى آخر وصريح لامكان في هذا المستوى للعمل الهاوي أوالفضولي ...
فالمهنية مكون أساسي ضمن مكونات الإطار المنتج لقيمة من القيم الرمزية أو المادية في أي مجال من مجالات النشاط الإنساني وتعتبر شرطا أساسيا لنجاح أي إنتاج مادي أو معنوي وهي لاتختلف عن الكفاءة والحذق باعتبارهما تملكا لكل المؤهلات والأدوات والآليات الذهنية والحركية لإنجاح منتوج ما ...
وقد تكتسب المهنية من خلال مستويين اثنين أوهما معا :
أولهما التخصص في مجال مهني وظيفي قد يتطلب سنوات من التكوين والتدريب والمناولات الذهنية والحركية وتملك لمهارات في تخصص من التخصصات التقنية أوالأدبية أوالعلمية أوالهندسية قصد الحصول على ديبلوم أوشهادة تثبت إلمام الشخص بضوابط المهنة التي سوف تمكنه من مزاولة عمله في سوق التشغيل .
ثانيهما عن طريق التجربة والتكوين الذاتي والإحتكاك بتجارب الرواد الزملاء والتمرس والذكاء فقد أثبتت العديد من التجارب نجاعة التكوين الذاتي والدربة في خلق أفراد مهنيين بمهارات فائقة تمكنت من الإيفاء بمتطلبات ومعاييرسوق الإنتاج والإستهلاك بمختلف تجلياته المعنوية والمادية, بل لقد أثبتت الكثير من الحالات لأشخاص عصاميين تمكنوا من إنجاح تجاربهم وأعمالهم بشكل أجدى وأنجع من أفراد آخرين تلقوا تكوينا أكاديميا وبيداغوجيا وعلميا في نفس المجال ، فمثلا جيل الصحافيين الرواد في المغرب منذ خمسينات القرن الماضي إلى حدود أواسط السبعينات جلهم لم يتلقوا أي تكوين أكاديمي في مجال الصحافة أوعلوم الإعلام, حيث أن أغلبهم قد وفدوا على الحقل الصحافي من بوابة التحصيل الثانوي أوالجامعي الأدبي اوالقانوني أومن ثقافة الإنتماء السياسي فقط وهم يشكلون اليوم أعمدة الصحافة والإعلام المغربيين ومفخرتهما ومنهم من لازال يزاول مهمته بكل مهنية ومسؤولية وعزم بالرغم من تعب عشرات العقود من العمل .
مامعنى المعايير:
المعايير هي المقاييس الأولية .. المحددات المتوافق حولها علميا .. الأقانيم الأساسية المتعارف عليها تقنيا .. الشروط الضرورية للإطار المنتج والتي تجعل من عمل ما ، من إنتاج ما يبلغ درجة (الكمال) (le parfait ) أوالإستحسان وتصريف ميثاق الجودة أوالرغبة أو الفائدة أوالمتعة أوأي علاقة من المطالب البراغماتية الصرفة بين المنتج والمستهلك ، بين السند الإعلامي والمتلقي .
إن هذه المعايير المهنية وإن كانت تلتقي في تقاطعات وقواسم بين جميع الأسانيد الإعلامية باعتبارها ميثاقا عاما فإنها تختلف في الكثيرمنها إنطلاقا من خصوصية السند الإعلامي المنتج للمادة الخبرية .
فالمعاييرالمهنية في المنبرالورقي تختلف عنها في المنبرالإذاعي وهذه تختلف عن تلك في المنبرالتلفزي وهذه كلها تختلف عن المنبرالإخباري الإلكتروني ، بحيث إن هذا الأخيرالذي احتدت خطورته الإعلامية باعتباره أضحى وعاء إعلاميا شاملا لجميع المنابر السالفة الذكرقد يمكنه أن يستوعب كل الأسانيد السابقة بما يتوفرعليه من إمكانات رقمية تتيح له إدراج العديد من الروابط التشعبية والصورالمتحركة وومضات الفلاشات المغرية أومقتطفات من فيديوهات مصورة لأحداث أووقائع حدثت هنا أوهناك وبثتها القنوات الفضائية مما جعل الموقع الإلكتروني اليوم في مأزق أكثرمن أي سند آخر لضرورة احترامه لمهنيات متعددة وليس مهنية واحدة إن صح التعبير ,سواء على المستوى الوطني أوالكوني على اعتبار أن الإنترنت قد هدم تلك الحدود التقليدية بين الدول والجماعات الإنسانية ، فلم تعد الأفكار والمعارف ولا المعلومات أوالأخبار حبيسة اسوار جغرافيا معينة أوحبيسة إرغامات الرقابة القبلية أوالبعدية أوقرارات المنع الجائرة ، فالعالم أضحى اليوم تظهربداخله بشكل علني كل أطياف إثنياته وثقافاته وخصوصياته وحالات توتره أوهدنته ، كما لم يعد بمقدورأي سلطة حاكمة محاصرة فكرة ما معارضة سوى باللجوء إلى شل الربط الشبكي أواللجوء إلى منع المواقع أوالمدونات المناهضة لسياساتها وهذا إجراء يتعارض بشكل قطعي مع حق الإنسان في التعبيرعن إنشغالاته كما هو متعارف عليه عالميا ...
إن الإنسانية تعيش راهنا طوفان المعلومة بكل ما قد تنطوي عليه هذه الأخيرة من تعزيزأوتهديد للإستقرارالداخلي وبكل ما قد تنطوي عليه أيضا من ألغام سامة للتشكيك في في القيم العليا للوطن أوالإسهام في ترسيخها وكل هذا في إطارإحترام للحريات الفردية أوالجماعية كما هومتعارف عليها عالميا وكما أقرت بذلك الدساتير الديموقراطية والمنظمات والهيآت الحقوقية المحلية والدولية .
وما من شك في أن الصحافة الإلكترونية في المغرب تعيش منذ عشر سنوات دينامية متفردة على مستوى المنطقة المغاربية والعالم العربي غيرأنها دينامية موسومة بنوع من الفوضى والإهتزازات في القيم الأخلاقية والترامي على أتعاب المهنيين الآخرين صانعي الأخبار ومحرريها ولقد أسهم أيضا في خلق هذا الوضع الملتبس والضبابي غياب قانون ينظمها وأيضا من جانب آخرانفجارالثورة الرقمية ومرونة تملك أدواتها وتسخيرها من أجل فرض الذات والتعبيرعن آمالها وآلامها من خلال إنشاء وسائط للتفاعل مع المتلقي أومع جهة ما في السلطة من السلط الثلاث عبرالمدونات والمنتديات والمواقع الإلكترونية الإخبارية وأخيرا مواقع التواصل الإجتماعية (الفيسبوك والتويترواللانكد) هذا فضلا عن ظهورشركات تصميم مواقع إلكترونية وبأبخس الأسعار,إذ أن أشهرالمواقع الإخبارية الإلكترونية في المغرب اليوم لم تتعد تكلفة تأسيسه سنة 2007 أكثرمن 2000 درهم مغربي بينما تقدرعائدات إعلاناته اليوم بعشرات الملايين من السنتيمات .
ولم يكن اقتحام مجال الصحافة الإلكترونية من طرف العديد من الشباب الذين جل الممارسين فيهم تتراوح أعمارهم ما بين 25 و45 لدى الرجال بنسبة 63 % وما بين 20 و35 سنة لدى النساء بنسبة 26 % (حسب دراسة ميدانية أنجزتها الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية) لم يكن إقتحامهم لمجال الصحافة الإلكترونية سوى مغامرة افتراضية تروم بالأساس :
1 احتواء الزمن الضائع إذ أن نسبة هامة من هؤلاء الشباب يتوفرون على مستوى تعليمي جامعي بيد أن الكثيرمنهم عاطلون عن العمل .
2 محاربة الإقصاء الإجتماعي والإقتصادي والسياسي من خلال تأسيس منبرإلكتروني يكون جسرا للتواصل مع الجهات المسؤولة والمجتمع المدني سواء على مستوى الجهة أوالمركز.
3 الرغبة في الإنخراط في عوالم تكنولوجيا المعلومات والإتصال وماتتيحه على المستوى السيكولوجي والإجتماعي من تحقيق لفرض الذات وإظهاركفاءاتها في مضمارالرقمية و التقنية.
3 مجارات تجارب شباب آخرين في عالم النشر الإلكتروني الإخباري خصوصا ماتعلق ببعض المواقع الإلكترونية الرائدة التي حققت شهرة وطنية وفي أوساط الجالية المغربية في الخارج . غير أن كل هذه الأهداف الخاصة والعامة لم تكن من منطلق وعي مسؤول بأن ارتياد هذه المغامرة هوقبل كل شيء ممارسة إعلامية وإخبارية وصحفية أكثرمما هوهدف للبحث عن صوت فردي أوجماعي في خضم الضجيج الكوني الذي أحدثته الإنترنت, مما جعل من مهنة المتاعب الحديثة (الصحافة الإلكترونية ) في غالب الأحيان مهنة من لامهنة له على اعتبار أن جل ممارسيها يفتقدون إلى الإحاطة الشاملة بمعاييرالمهنية وأسسها وأخلاقياتها .
*عبده حقي قاص وروائي- مديرموقع إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة

نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 01 - 2013


0 التعليقات: