الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، ديسمبر 12، 2018

الأدب الورقي والأدب الرقمي هل يتعارضان ؟ مارسيلو فيتالي روزاتي ترجمة عبده حقي



هل ساهمت التكنولوجيا الرقمية في تغيير الأدب ؟ هل يمكن أن نتحدث عن أدب رقمي؟ وهل هناك أي تعارض بين الأدب الورقي والأدب الرقمي ؟ للإجابة على هذه الأسئلة ،
يمكننا أن نطرح هنا ورقتين متناقضتين هما :
الاستمرارية والقطيعة . قد تقودنا الورقة الأولى إلى القول بأنه لا يوجد تعارض بين هذين السندين في عالم الأدب ، لأنه في الحقيقة ليست هناك سوى ممارسات تنكتب في إطار الاستمرارية . في الواقع إنه تعارض ناتج عن تكريس ضرورة مفرطة لسلسلة من الممارسات التي ما كان لها أن تكون ضرورية . في المقابل ستقودنا الورقة الثانية إلى التأكيد على أنه هناك اختلافات جوهرية في ممارسات الكتابة ، في نماذج النشر والتلقي ، في الأشكال وفي الأسانيد .. إلخ. في هذه الحالة ، إذا أردنا فهم هذه الاختلافات ، فمن الضروري التمييز بشكل دقيق بين العالم الورقي والعالم الرقمي.
من الواضح أن هذين المنظورين لهما معنى واحدا . ومع ذلك ، من المهم تحليل كل منهما بطريقة نقدية لتسليط الضوء على عقباتهما ومزاياهما . والفكرة التي أود أن أقترحها هنا هي أن هناك استمرارية في الممارسات ولكن هناك أيضا قطيعة في مسلسل مأسسة هذه الممارسات.
ولنبدأ أولا بالممارسات. ما من شك في أنه يمكننا أن نؤكد أن الأدوات الرقمية - وخصوصا الويب - قد ساهمت في تحديد بعض التحولات . لكن هذه التحولات لا يمكن فهمها سوى من خلال الاستمرارية. وبعبارة أخرى ، إن الخصائص التي يبدو أنها تحدد الكتابة الرقمية فهي لا تحددها التقنية ، بل هي تندرج في إطار استمرارية ذات تاريخ طويل . لنعطي بعض الأمثلة. من إحدى السمات ذات القيمة البالغة للكتابة الرقمية هي لاخطيتها - والتي ترتبط بالتشظي والشكل القصير والتحول إلى البينية أو التشعبية .
لكن من الواضح أن فكرة اللاخطية أنها لم تولد مع ظهور الرقمية . يكفي أن نلقي نظرة على مخطوطة مثل أنطولوجية (بلاتين) لنتحقق من ذلك . إنني اخترت هذا المثال ليس فقط لأنني أعمل مع زميلي إلسا بوشار على نسخة رقمية من هذه المخطوطة ، ولكن أيضا بالأساس لأنه يبدو لي ذو أهمية خاصة . يتعلق الأمر بمخطوطة من القرن العاشر التي تحتوي على مجموعة من الشذرات . يمكننا القول إن هذه المخطوطة هي التي قدمت لنا جزءًا مهما من الشعر اليوناني الذي نقرأه اليوم : لذلك فإن لها أهمية ثقافية أساسية .
سوف نلاحظ أن الخطاب الذي يؤكد على القطيعة بين الورقي والورقي يعبر في كثير من الأحيان عن حكم قيمة : فالرقمي إما أن يكون أفضل أو أسوأ من الورقي . هذا ناتج عن كون الخطاب المؤسساتي يستمد دائماً من المؤسسة التي تلعب دورًا في إنتاج ونشر أو شرعنة المحتوى الأدبي موضوع هذا التساؤل ومن ثمة فهي متحيزة لصالح هذه المؤسسة. طبعا سوف يدافع أبطال السند الورقي عن النسخة الورقية ضد النسخة الرقمية ، وفي المقابل سوف يدافع منتجو المعدات المعلوماتية عن فوائد التكنولوجيا الرقمية .
في الحقيقة فإن فهم الأدب يعني أيضًا وضعه في شبكة معقدة من الفاعلين والمجتمعات والمصالح الاقتصادية والقيم الرمزية . إن الأدب هو أيضا نموذج اقتصادي قائم على مفهوم حقوق التأليف الذي اخترعه الناشرون ، والذي تم إقراره مبادئه منذ القرن الثامن عشروما زال مستمرا إلى اليوم بما هو نظام مؤسسات التحرير ودور النشر والجوائز الأدبية ووسائل النشر وبائعي الكتب والمكتبات ... إنه نظام للتحقق وشرعنة المحتويات - التقارير المنشورة في المجلات الأدبية ، والجوائز الأدبية ، القيمة الرمزية لدار نشر على دار نشر أخرى ، الاعتراف الاجتماعي المرتبط بمقولة   " أن يكون منشورا etre publie" ...
تهدد التكنولوجيا الرقمية - وخاصة شبكة الإنترنت - هذه البنية المؤسساتية من خلال اقتراح نماذج اقتصادية أخرى ، ووسائل أخرى للنشر، وأنظمة أخرى للشرعنة . غير أن هذه النماذج ، مرة أخرى ، ليست جديدة تماما . فقبل تثبيت النموذج التحريري في القرن الثامن عشر ، كانت هناك نماذج أخرى موجودة - العديد من وجوه نموذج العصور الوسطى ، على سبيل المثال ، تذكرنا بما يميز ثقافتنا الرقمية اليوم .
لكن هذه التحولات من دون شك تزعج المؤسسة التحريرية التي وقعت في السؤال : فالمؤسسات مدعوة للتطور وللتكيف مع التحولات التدريجية في الممارسات . وإذا تغيرت الممارسات بشكل مستمر بارتباط دائما مع ما سبق - فإن المؤسسات تتطور بشكل ضمني دفعة واحدة مع القانون أو مع إعادة التصميم . إن هذا المعبرهو الذي نعيشه اليوم . لقد أصبحت الممارسات الرقمية تتمأسس : بدأت الكتابة الرقمية تعترف بها وتقيمها وبدأت هيئات تحريرية مختلفة في الظهور ، وبدأنا نتحدث داخل الجامعات عما يسمى بالأدب الرقمي - عن طريق إضفاء الصفة الأساسية لهذا المفهوم في ممارساتنا لتكون قادرة على إنتاج تغييرمؤسساتي.
إن هذه لمرحلة صعبة للغاية لأنها تحدد أيضًا تعريفا للفاعلين الناشئين الذين سيلعبون دورًا رئيسيًا في المستقبل . وهكذا ، فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات العملاقة مثل أمازون أو جوجل في ما يمكن أن يكون عليه الأدب يثير أسئلة ويدعو إلى التفكير. إن ما هو على المحك في هذه المرحلة من المأسسة هو المكان الذي ستتمتع به المجتمعات في المؤسسة المستقبلية . وإذا ما كان الخوف من التغيير سببا لكي نترك المكان فارغًا ، فسوف يتم احتلاله من قبل اثنتين أو ثلاث شركات متعددة الجنسيات من وادي السليكون. ولكن يمكننا أيضًا أن نحتل هذا الفضاء المؤسساتي بمبادرات جماعية أكثر التي تجعلنا نتذكر ما أنجزه فرانسوا بون في هذا المجال ، مع موقع remue.net أولاً ثم موقع publie.net ثانيا ، وما زلنا نفكر في عمل فلورنس طروكمي ومع بويزيباوو ، أو مع عمل المجموعات مثل قصائد قذرة ، أو المبادرات الأكاديمية مثل ريبيرتوارأعمال وسائط ـ تشعبية منجزة من طرف NT2 .على الأرجح بعد هذا التغيير المؤسساتي .
سوف نتوقف عن الحديث عن الرقمية. هذه الكلمة لن تدل سوى على ضرورة تطور المؤسسات من أجل أن تعكس حقيقة الممارسات والتطبيقات . ومن ثمة سنكون قادرين على التركيز مرة أخرى على ما نقرأ دون الحاجة إلى تصنيف المحتوى في فئة "الورقي " أو "الرقمي ". ولكن كذلك على الأرجح لضرورات أخرى ستكون هامة جدا وعمليات تحول مؤسساتي أخرى ستصبح ضرورية.


Littérature papier et littérature numérique, une opposition ?






0 التعليقات: